الحديث عن تحسين الوضع المعيشي رسمياً يعني مزيداً من التردي فيه!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الحديث عن تحسين الوضع المعيشي رسمياً يعني مزيداً من التردي فيه!

الوضع المعيشي لعموم السوريين بتراجع مستمر ودون توقف، وصولاً إلى تسجيل المزيد من معدلات الفقر والعوز الغذائي والجوع، سنوياً وبمعدلات متزايدة باطراد! ومع كل حديث رسمي عن تحسين الوضع المعيشي أصبح السوريون يتوجسون من خفايا ما ستتفتق عنه القريحة الحكومية من إجراءات جديدة تزيد عليهم البؤس والجور بالنتيجة!

فالمساهم الرئيسي بالتراجع المعيشي واستمرار تدهوره هي السياسات والإجراءات الحكومية الظالمة، التي تزيد الضغوط على أصحاب الأجور وعموم المفقرين بمعيشتهم وخدماتهم، مقابل ضمان استمرار مصالح كبار أصحاب الأرباح والفاسدين وزيادة ثرواتهم، على حساب المفقرين والاقتصاد الوطني والمصلحة الوطنية!

القديم المتجدد رسمياً!

في جلسة الحكومة بتاريخ 30/5/2023 جرى الحديث عن تحسين الوضع المعيشي، وقد ورد عبر صفحة الحكومة ما يلي: «ملف تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين، والاستمرار بخطوات إعادة هيكلة الدعم بما يضمن وصوله إلى مستحقيه الفعليين، وتوجيهه نحو الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع، مع زيادة محفظة الدعم المقدمة لقطاعات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية وغيرها من القطاعات ذات الأولوية، والإجراءات والخطوات الواجب اتخاذها في هذا الإطار، كانت أبرز محاور النقاشات خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية اليوم، برئاسة المهندس حسين عرنوس رئيس المجلس. واستعرض المجلس عدداً من السيناريوهات المطروحة للتعاطي مع ملف المواد التموينية المدعومة وواقع المشتقات النفطية، والحد من زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة، بالتوازي مع إجراءات تحسين الواقع المعيشي للعاملين، وكلف اللجنة الاقتصادية والوزارات المعنية إعداد دراسة متكاملة تحدد مسار التعامل مع ملف الدعم، ووافق على إضافة مادة البرغل المنتجة محلياً إلى البطاقة الالكترونية».
الحديث الرسمي أعلاه، تحت عنوان تحسين الوضع المعيشي، تمثلت مفرداته بعناوين فرعية، هي ملف الدعم وواقع المشتقات النفطية، مع ربط ذلك بالحد من زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة!
وكما عودتنا الحكومة فإن الترجمة العملية لذلك ستكون على شكل:
مزيد من ضغط الإنفاق العام وتخفيضه!
مزيد من إجراءات تخفيض الدعم، تحت عنوان إعادة هيكلته ووصوله لمستحقيه!
إصدار قرارات جديدة تتضمن زيادة على أسعار المشتقات النفطية، وحوامل الطاقة عموماً!

النظري والعملي!

بما يخص المشتقات النفطية، فقد سبق أن صدر قرار رسمي مؤخراً يتضمن زيادة سعرية على الغاز المنزلي والصناعي، وعلى البنزين الحر، وكذلك على مادة الفيول الصناعي، ومن المتوقع بنتيجة مجريات الجلسة أعلاه، أن تصدر قرارات تتضمن زيادة سعرية على بقية المشتقات النفطية، وتحديداً المازوت والبنزين المدعوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن وزير الكهرباء سبق أن أعلن عن زيادة مرتقبة على أسعار الطاقة الكهربائية!
استناداً لما سبق، فإن كل حوامل الطاقة ارتفعت وسترتفع أسعارها تباعاً بشكل رسمي، مع كل ما يعنيه ذلك من نتائج سلبية وكارثية، ليس على الواقع المعيشي والخدمي للغالبية المفقرة فقط، بل وعلى كل النشاط الاقتصادي في عموم البلاد، وخاصة الإنتاجي، الزراعي منه والصناعي، التي تعتبر حوامل الطاقة مُدخلاً رئيسياً في حسابات تكاليفها، وبالتالي أسعار منتجاتها!
اما بخصوص هيكلة الدعم، فإن المستجد هو قرار استبعاد شرائح جديدة منه، وقد تمثلت الآن بمالكي السيارات التي تتجاوز سعة محركها الـ 1500 CC، والتي تاريخ صنعها الـ 2008، بالإضافة إلى الأسر التي تمتلك أكثر من آلية، والآليات التي تعود ملكيتها للشركات، ومن المؤكد أن جعبة الحكومة مليئة بشرائح جديدة يمكن أن تضاف إلى المستبعدين من الدعم لاحقاً!
وحتى الحديث عن إضافة مادة البرغل إلى البطاقة الذكية، على أنه إنجاز يسجل بخانة العمل الحكومي، فهو ليس بجديد، بل هو قديم متجدد ليس إلا!
فالمادة متاحة للشراء المباشر عبر البطاقة الذكية مسبقاً بواقع 2 كغ لكل صاحب بطاقة، ومع ذلك فإنها غير مستقطبة كما هو متوقع، وذلك بسبب نوعها وسعرها بالمقارنة مع الموجود في الأسواق!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن كل إجراءات إعادة هيكلة الدعم السابقة، لم تنعكس على من تبقى من مستحقي الدعم إيجاباً، بل على العكس!
فالمخصصات تنخفض كمياتها بين الحين والآخر، مع تسجيل المزيد من الزيادة على تباعد فترات استلام هذه المخصصات، بالإضافة إلى الزيادات السعرية التي تطالها!
ليتبين أن الغاية من إجراءات إعادة هيكلة الدعم المتبعة ليست لمصالح من تبقى من مستحقي الدعم كما تدعي الحكومة، بل تخفيض الإنفاق على الدعم عموماً تحت عنوان الحد من عجز الموازنة، مع النية المبيتة لتصفير الدعم نهائياً!
فالمُتبع من إجراءات بغاية الحد من عجز الموازنة تكون نتيجته المزيد من الانقضاض على حقوق المفقرين بمعاشهم وخدماتهم دائماً وأبداً، وما تدعيه الحكومة نظرياً حول تحسين الوضع المعيشي يكون بالشكل التنفيذي عبارة عن مزيد من جرعات التردي والإفقار، والمزيد من وقف حال البلاد والعباد!
فالواقع والوقائع تقول: إن الحكومة ماضية بسياسات تقليص الدعم، بالتوازي مع سياسات تخفيض الإنفاق العام، بغض النظر عن كل ما تدعيه عكس ذلك!

التوجس من زيادة الأجور والسياسات السيئة!

إن أية زيادة على الرواتب والأجور لا تؤدي إلى ردم الهوة مع متطلبات الحد الأدنى للمستوى المعيشي، مع لجم الارتفاعات السعرية والحد من عوامل التضخم، ويتم تغطيتها من مصادر تمويل حقيقية، فلن تكون من حيث النتيجة إلا مزيداً من التردي المعيشي والخدمي!
فالحديث عن زيادة الأجور رسمياً أصبح مصدر ريبة وتوجس بالنسبة لأصحاب الأجور، وللسوريين بمختلف شرائحهم، كحال توجسهم وريبتهم من كل السياسات الحكومية الظالمة والمنحازة دائماً لمصلحة كبار أصحاب الأرباح!
فكارثة الكوارث بحسب المتبع حكومياً، أن الزيادات على الأجور يتم تغطيتها عادة من خلال زيادة أسعار المشتقات النفطية، باعتبارها الطريق الأسهل والأسرع، بل ويحقق وفراً إضافياً في بعض الأحيان، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من الارتفاعات السعرية على السلع والخدمات، والمزيد من التضخم والتراجع الاقتصادي العام، وبالتالي المزيد من الإفقار!
فإذا كانت زيادة الأجور، ومهمة سد العجز في الموازنة، من الضرورات الملحة اقتصادياً، إلا أن السياسات الحكومية بعيدة كل البعد عن مصادر التمويل الحقيقية لتنفيذ ذلك، والتي تتلخص افتراضاً بحسابات كبار أصحاب الأرباح والفساد الكبير، والأهم من خلال زيادة الإنتاج الحقيقي (زراعي- صناعي) المولد للثروة، والمشغل للأيدي العاملة، والمحرك الرئيسي للاقتصاد!
لكن ما يجري هو على العكس من ذلك تماماً، فكل السياسات الحكومية وإجراءاتها تصب بمصلحة القلة من كبار الحيتان المحميين بهذه السياسات فقط لا غير، ولو كان ذلك على حساب استمرار تراجع الإنتاج، بل وحتى لا مانع من توقفه، مع المزيد من الإفقار المعمم، والمزيد من التدهور والتراجع الاقتصادي، وبالضد من المصلحة الوطنية!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1125