سعر الصرف أحد أدوات توزيع الثروة المجحف لمصلحة كبار أصحاب الأرباح!
عادل إبراهيم عادل إبراهيم

سعر الصرف أحد أدوات توزيع الثروة المجحف لمصلحة كبار أصحاب الأرباح!

بات من الواضح أن كبار المضاربين على العملة هم جزء غير منفصل عن القلة من كبار أصحاب الأرباح المحظيين، الساعين إلى مزيد من تراكم الثروة بأيديهم (وخاصة الدولارية وغيرها مما هو قابل للتسييل والنقل بسهولة) والتي تعمل السياسات النقدية مع غيرها من السياسات لمصلحتهم فقط لا غير، وقد أصبح ذلك مثبتاً بالواقع بجميع مؤشراته ونتائجه العملية، ولعل نشرات أسعار الصرف الصادرة تباعاً دليل على ذلك، بما في ذلك نشرتا الصرافة والحوالات، والدولار الجمركي، الصادرتان خلال الأسبوع الماضي!

فقد تم تسجيل المزيد من تراجع قيمة الليرة مقابل الدولار رسمياً بحسب نشرة الصرافة الأخيرة وبسعر 7800 ليرة، وبنسبة تجاوزت 118% منذ بداية العام وحتى الآن فقط، فيما تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء عتبة الـ9 آلاف ليرة، وبدأ يقرع عتبة الـ10 آلاف ليرة، ومن يحصد الأرباح السهلة من كل ذلك هم كبار المضاربون على الليرة، على حساب المواطنين والإنتاج والاقتصاد الوطني!
فالسياسات النقدية المطبقة وفقاً لخط سيرها بحسب تعاطيها مع سعر صرف الدولار اتباعاً لسعر السوق السوداء دون الوصول إلى عتبته، ومع آلياتها التقييدية على حركة السيولة وغيرها من الآليات التي أثبتت عدم جدواها بنتاجها السلبية بالواقع العملي، وبالتوازي مع بقية السياسات الليبرالية الظالمة والمنحازة، تكرّس نمط التوزيع المشوّه وغير العادل للثروة لمصلحة القلة من كبار أصحاب الأرباح المحظيين بالنتيجة، بما في ذلك كبار المضاربين على العملة في السوق السوداء والمتحكمين بها، على حساب الإنتاج والاقتصاد الوطني، ومن جيوب المفقرين، الذين تخطّوا عتبات الفقر المدقع وصولاً إلى الجوع!

تناقض المتغيرات والنتائج!

كان من المفترض، ومن باب التفاؤل المشروع من قبل المواطنين، أن يكون للمتغيرات السياسية الجارية إقليمياً ودولياً بما يخص الأزمة السورية ومساعي حلها (دون الخوض بتفاصيلها، وبعيداً عن التقليل من أهميتها أو المبالغات المقصودة فيها في بعض الأحيان)، بعض الانعكاسات الإيجابية على الحركة الاقتصادية في البلاد توافقاً معها، ولو بشكل محدود وبطيء ونسبي مؤقتاً، بما في ذلك خصوصاً على سعر الصرف، سواء الرسمي أو بالسوق السوداء، وبالحد الأدنى كان من المفترض أن يستقر سعر الصرف نسبياً!
يضاف إلى ما سبق بعض العوامل والمتغيرات الاقتصادية المحلية الأخرى، والتي كان من المفترض أن تحمي الليرة وتحد من استمرار تدهور قيمتها الشرائية نسبياً، وتلجم التضخم ولو بحدود دنيا أيضاً!
فموسم الإنتاج الزراعي جيد بحسب الادعاءات الرسمية، وبالتالي من المفترض أن تكون بعض الصناعات الزراعية واعدة أيضاً!
بالإضافة إلى آليات دعم تصدير المنتجات المحلية المطبقة (بغض النظر عن الملاحظات عليها لمصلحة من وعلى حساب من)!
يضاف إلى ذلك ما تم الإعلان عنه حول استثمار الثروات الطبيعية الوطنية محلياً (الغازية والنفطية بحقولها الجديدة والمجددة الموضوعة بالخدمة مع الكثير من البهرجة والدعاية، وكذلك عقود استثمار مناجم الفوسفات)!
وكذلك الحديث الرسمي عن وضع بعض مجموعات توليد الطاقة الكهربائية بالخدمة، والاستفادة من بعض مشاريع الطاقة من مصادر متجددة!
لكن ما جرى على العكس تماماً، حيث سجل سعر الصرف في السوق السوداء قفزات سعرية كبيرة غير متوقعة خلال الفترة القريبة الماضية، وقد تبعه بذلك سعر الصرف الرسمي، دون الوصول إلى عتباته المتصاعدة، مع زيادة الفجوة بينهما أيضاً بدلاً من ردمها ولو جزئياً، وصولاً إلى النتائج الوخيمة والكارثية على المستوى المعيشي للغالبية المفقرة، وعلى مستوى الإنتاج، وعلى المستوى الاقتصادي عموماً، مع المساعي الجادة لتكريسها!

وهم التعويل على السياسات.. ورسائل التيئيس!

توحي النتائج السلبية لمتغيرات سعر الصرف وفقاً للنهج المتبع رسمياً وكأن هناك رسالة مبطنة غايتها تكريس حال الإحباط واليأس من أي متغير سياسي (كبير أو صغير، محلي أو إقليمي أو دولي)، أو أي متغير اقتصادي محلي يمكن تبويبه إيجاباً، وخاصة على مستوى الإنتاج الحقيقي، مع الاستمرار بضخ المزيد من جرعات التيئيس من هذه المتغيرات، ضمن مساعي تأبيد الوضع الراهن، كي تستمر القلة المتحكمة من أصحاب الأرباح في نهبها، حاصدة المزيد من الأرباح على حساب الليرة والإنتاج والاقتصاد الوطني!
فمع كل متغير جديد بسعر الصرف الرسمي يتم تسجيل المزيد من السلبيات الكثيرة والكبيرة، وخاصة بنتائجها الوخيمة على الإنتاج والاقتصاد الوطني عموماً، والأكثر سوءاً هي انعكاساتها السلبية الكارثية على الغالبية المفقرة بمعاشها وخدماتها، التي تزداد فقراً وعوزاً يوما بعد آخر، بل لحظياً!
لنعيد القول، إن السياسات النقدية المطبقة، بالتوازي مع بقية السياسات الليبرالية، لا تصب إلا بمصلحة القلة من كبار أصحاب الأرباح، والتعويل عليها عبارة عن وهم مفرط، فلا يمكن لها أن تقدم أية إيجابية على مستوى الاقتصاد الوطني!
فإن لم يتم الانتهاء منها، ومن بقية السياسات الظالمة والمنحازة بتفاصيلها، فلن نحصد إلا السراب!

المتحكمون بإيقاع حركة الاقتصاد واتجاهاته.. من الدولرة إلى التعويم!

إن المتحكمين بالاقتصاد الوطني، وبإيقاع حركته واتجاهاته جملة وتفصيلاً، هم القلة القليلة من كبار أصحاب الأرباح النافذين والفاسدين، والذين تغولوا بهذا التحكم وصولاً إلى السيطرة الكلية على مجمل الواقع الاقتصادي مع تبني السياسات الليبرالية رسمياً منتصف العقد الأول من الألفية الحالية، بنموذجها الأكثر تشوهاً وظلماً وإجحافاً، وبنتائجها الكارثية التي لم تقف عند حدود تنفيذ وصفات صندوق النقد الدولي سيئة الصيت (بكل رحابة صدر وبلا مقابل) تباعاً ودون توقف حتى تاريخه، بل تعدتها وصولاً إلى ما يمكن وصفه أنه جرائم اقتصادية بكل معنى الكلمة، والتي كانت من أهم أسباب انفجار الأزمة، مع تكريس الاستفادة منها ومن ذرائعها طيلة السنين الماضية وحتى الآن بكل صلف وجور، مع زيادة توسيع وتعميق الأزمة بكوارثها، بدلاً من مساعي حلها، بما في ذلك الوصول إلى دولرة الاقتصاد المعممة والمتعمقة، مع استمرار الدفع نحو تعويم الليرة على ما يبدو، كآخر المطاف ضمن وصفات صندوق النقد الدولي المتوحشة، استكمالاً لإنهاك الاقتصاد الوطني وتقويضه، وتكريساً لتبعيته واستمرار نهبه المزدوج من قبل المركز الإمبريالي الغربي ومن قبل هذه القلة المرتبطة عضوياً به، بحكم المصالح المتبادلة على أقل تقدير!

حجر عثرة بوجه أي تغيير إيجابي!

إن هذه القلة المتحكمة والنافذة من كبار أصحاب الأرباح، وضمناً طبعاً كبار المضاربين على الليرة، والتي تمركزت الثروة بيدها نهباً وفساداً وبشكل مجحف ومتوحش من انعدام عدالة توزيعها، وخاصة خلال سني الحرب والأزمة وإلى الآن، تدرك تماماً أن استمرار تحكمها وسيطرتها ونفوذها، وبالتالي استمرار حصتها النهبوية، بل ووجودها أيضاً، لم يعد رهناً باستمرار السياسات الليبرالية المستقوية بها والحامية لها فقط، بل رهن باستمرار الأزمة نفسها دون حل!
فالمساعي اليائسة لتأبيد الوضع الراهن بات يمثل مصلحة وجودية لهذه القلة على ما يبدو، بما في ذلك طبعاً ممارسات الإعاقة للبدء بالحل السياسي تنفيذاً للقرار الدولي 2254، بما يحافظ على سلامة وسيادة الدولة السورية على كامل جغرافيتها، وبما يحقق مصالح السوريين ويضمن استعادتهم لقرارهم في تحديد مصيرهم!
فإذا كان التغيير الجذري والعميق والشامل يفتح بوابات الانعتاق من ظلم السياسات الليبرالية المشوهة والتمييزية، بما في ذلك إعادة توزيع الثروة بشكل أكثر عدلاً، وهو ما يمثل مصلحة الغالبية من السوريين المفقرين، فإن القلة الناهبة والمتحكمة باتت حجر عثرة كأداء في وجه هذا التغيير، وهو ما يوجب تخطيه والتخلص منه بأسرع وقت ممكن!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122
آخر تعديل على الإثنين, 15 أيار 2023 00:06