مواسم الخسارة المتعاقبة باتت رمزاً للمنتج الوطني
نادين عيد نادين عيد

مواسم الخسارة المتعاقبة باتت رمزاً للمنتج الوطني

تتعاقب مشاكل الإنتاج ومعيقاتها، بل وتزداد سوءاً عاماً وراء آخر، وقطاع الزراعة أحد تلك القطاعات الإنتاجية التي تزداد معاناتها، وتحديداً موسم الحمضيات الحالي، حيث تشير النتائج الأولية إلى المزيد من التردي على مستوى الإنتاج، ومستوى التسويق، وحتى الأسعار التسويقية...

يُعد محصول الحمضيات من أهم المحاصيل الاستراتيجية على مستوى محافظتي طرطوس واللاذقية، من حيث الإنتاج واعتماد المزارعين عليه اقتصادياً لإعالتهم، ولكن بعد تكرار النتائج السنوية ومعيقاتها، بات هذا الموسم رمزاً للخسارة المتكررة التي يجنيها المزارع دونما حلول يستطيع أن الاتكاء عليها، فهو خارج دائرة إنجاز الحلول الرسمية وصلاحياتها.

الإنتاج والتكلفة

في الطرف المقابل، لا بد من الإشارة إلى معاناة المزارعين الدائمة طيلة الموسم، فيشتكي المزارعون من معاناة دائمة- وخلال كافة المواسم- من نقص المحروقات والأسمدة، بل إن بعض المزارعين لم يستلموا مخصصاتهم من الأسمدة اللازمة خلال الموسم الحالي، وهذا ما أدلوا به خلال الجولة الميدانية لوزير الزراعة في شهر آذار الماضي في بساتين قرى شامية وادي قنديل وستخيرس وشامية المهالبة في ريف اللاذقية.
أما بالنسبة لحصة المزارع من الأسمدة الموزعة عبر المصارف الزراعية، فقد أكد الوزير خلال زيارته المذكورة أعلاه، أن القرار ينص على توزيع 50% من احتياجات المزارع من الأسمدة فقط، وعن كميات المحروقات اللازمة للري، فهي تكاد تكون معدومة!
وإن نظرنا إلى كافة تلك الأسباب ونتائجها التي تعود على الفلاح، كتسجيل المزيد من تحمل تكاليف الإنتاج على عاتقه، سواء عبر تأمين فاقد الأسمدة من السوق السوداء، أو المحروقات اللازمة لعمليات الري، وإن كل تلك الأسباب قد أدت في نهاية المطاف- كما كل عام- إلى تراجع الإنتاج، بل وزيادة تكاليفه أيضاً، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تلك النتائج تعود إلى السياسات الحكومية المتبعة بما يخص تخفيض الدعم عن الزراعة، وبالتالي إلى خطة الحكومة لإنهاء الإنتاج الزراعي فعلاً، بعيداً عن التلفيق والتلميع الذي تدلي به المنابر الرسمية!

عمليات التسويق والاتفاقيات المبرمة

تأتي خسارة المزارع تالياً بسبب سوء تسويق المحصول، الذي تقع مسؤوليته في جزء منها على عاتق وزارتي الاقتصاد وحماية المستهلك.
فخلال كل عام تعقد الاجتماعات وتبرم الاتفاقات لبحث سبل تسويق المحصول وتحسينها، إلا أن واقع المزارع يبقى على حاله!
فكما كل عام يضطر المزارع إلى بيع وتسويق محصوله بأبخس الأسعار لتجنب الخسارة الفادحة.
ولهذه السنة أيضاً نصيبها من تلك الاتفاقات، فخلال شهر آب الماضي، أكد رئيس اتحاد الفلاحين على اتفاق وزراء الزراعة في سورية ولبنان والعراق والأردن على «روزنامة» تصدير الفوائض من المنتجات الزراعية حسب الحاجة، كما أوضح حينها، أنه «بإمكان سورية أن تصدر الفائض من منتجاتها الزراعية إلى العراق، وأن تستورد المنتجات العراقية، حسب حاجة البلدين، وخصوصاً الحمضيات، من سورية إلى العراق».
وخلال اجتماع آخر لوزراء الزراعة في لبنان وسورية والعراق والأردن الذي عقد نهاية شهر أيلول الماضي، صرح وزير الزراعة: أن «الهدف من الاجتماع كان للحوار والمناقشة المفتوحة حول المشاكل والعقبات التي يواجهها المصدرون على الحدود، وكيف يمكن تخفيض رسوم الترانزيت والعبور، وأية رسوم مفروضة على المنتجات الزراعية...».
ومن ناحية أخرى أكد مجلس الوزراء- في جلسته الأخيرة- على الوزارات المعنية «إعداد خطة متكاملة تتضمن آليات وإجراءات واضحة لتسويق موسمي الحمضيات والزيتون، وتقدير الإنتاج المتوقع بدقة، والكميات المخصصة للاستهلاك في السوق المحلية والكميات القابلة للتصدير، وزيادة الوقود المخصص لتشغيل معاصر الزيتون في محافظتي اللاذقية وطرطوس لاستيعاب الإنتاج الوفير المتوقع.. واعتمد المجلس خطة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك المتعلقة بتطوير عمل وحدات الخزن والتبريد في المحافظات واستثمارها بالشكل الأمثل، وتعزيز دورها في عمليات التدخل الإيجابي، حيث أكد المجلس أهمية جهوزية هذه الوحدات لاستجرار أكبر كميات ممكنة من المنتجات الزراعية/ النباتية والحيوانية، وتخزينها وطرحها في الأسواق بأسعار مناسبة على مدار العام».
إن الإجراءات الرسمية المذكورة أعلاه، تتكرر في كل عام أملاً بأن تحقق قيمة مضافة على إنتاج المزارع، أو ليعوض جزءاً من تكاليف إنتاجه، ولكن النتيجة تكون بلا فائدة حقيقية تعود عليه، بل تسجل له تلك الإجراءات المزيد من الخسارة، فيما يحصد بعض المصدرين الفوائد الحكومية!
فالمزارع بحاجة لإجراءات حكومية حقيقية تدعمه بالدرجة الأولى بوسائل الإنتاج، وثانياً: أن يتم اتخاذ إجراءات حقيقية بما يخص واقع التسويق المحصول، وبالأسعار المجزية التي تعود عليه بهامش ربح يعوض تعبه عن موسم كامل، بعيداً عن استغلال تجار الأسواق والاستيراد والتصدير، وإلّا فإن الإنتاج الزراعي عموماً سيستمر بالتراجع كماً ونوعاً، والمزارع سيضطر لاستبدال بعض الزراعات بأخرى، أو إلى هجرة الأرض والعمل الزراعي!
فما يجري الحديث عنه من اتفاقات واجتماعات لا تخدم إلّا حيتان أسواق الهال والاستيراد والتصدير، بعيداً عن التفكير بواقع المُنتِج الحقيقي والإنتاج الوطني عموماً!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1090
آخر تعديل على الإثنين, 03 تشرين1/أكتوير 2022 11:36