أمن قواعد البيانات والشركات الخاصة
على وقع إجراءات الاستبعاد من الدعم، وعلى ضوء ما ظهر من اعتراضات محقة على قوائم المستبعدين منه، وبغض النظر عن صحة إجراءات الاستبعاد وقانونيتها، وبغض النظر عن كل تداعياتها ونتائجها السلبية، سواء على المستبعدين أو على مجمل الواقع الاقتصادي المعاشي، فقد ظهر جلياً أن هناك الكثير من الأخطاء في هذه القوائم، وكان نتيجتها استبعاد البعض ظلماً فوق ظلم، وقد تم الاعتراف بذلك رسمياً.
فقد تم تبرير بعض الأخطاء بما يخص بعض البيانات والمعطيات التي تم اعتمادها عبر تقاطعاتها، والتي تم بموجبها استبعاد من تم استبعادهم من الدعم بالنتيجة، من خلال استمرار تقديم الدعم للمعترضين لحين البت باعتراضاتهم بشكل نهائي.
فإذا تم تبرير بعض الأخطاء في قواعد البيانات الخاصة بالسجلات التجارية والمرتبطة بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أو الأخطاء في قواعد البيانات الخاصة بالسيارات والمرتبطة بوزارة النقل، فهل يمكن تبرير الأخطاء في قواعد بيانات الوصول والمغادرة المرتبطة بوزارة الداخلية؟
خطأ أم كارثة؟
إن قواعد البيانات المؤتمتة الخاصة بالهجرة والجوازات، بالإضافة لكونها ذات طبيعة خدمية عامة، تسهل وتسرع من إجراءات المغادرة والدخول افتراضاً، إلا أنها تعتبر في شق هام منها ذات صبغة أمنية خاصة، لها علاقة بالأفراد وأمن البلاد، من خلال التمكن من رصد وتتبع حركة الأفراد، سوريون وغيرهم، عبر النقاط الحدودية.
لكن ما ظهر من اعتراضات على نتائج الاعتماد على البيانات الخاصة بالهجرة والجوازات، والتي ظهرت على العلن، وبشكل مفضوح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يبين أن هناك الكثير من الأخطاء في قواعد البيانات هذه، أي إن جزءاً هاماً من الجانب الأمني المرتبط بهذه البيانات غير دقيق، أو بالحد الأدنى لا يُعوّل عليه عند الضرورة!
ولا ندري إن كان يصح اعتبار ذلك خطأ أم كارثة، وخاصة بظروف البلاد الحالية؟!
الكارثة الأكبر
منذ بدء عمليات تخفيض الدعم بالاعتماد على الذكاء، والتي تم تعهيد العمل الإلكتروني والبرمجي به لشركة «تكامل» الخاصة، تم التنبيه بأن قواعد البيانات التي أصبحت في عهدة هذه الشركة تعتبر في شق منها ذات طبيعة أمنية، ومن غير المفروض أن تكون بعهدة شركة خاصة.
لكن ما جرى ويجري، أن قواعد البيانات الخاصة بالمواطنين، وبآلياتهم وتحركاتها، يتم استكمالها تباعاً، بما في ذلك مؤخراً، وبذريعة الاستبعاد من الدعم لغير المستحقين، شملت تلك البيانات الحاصلين على سجلات تجارية، والمنتسبين لبعض النقابات المهنية، والمغادرين من البلاد، وغيرها من التفاصيل الكثيرة الأخرى المتعلقة بالمواطنين، على شكل «داتا» رقمية واسعة ومتسعة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً «الداتا» الرقمية التي أصبحت بتصرف شركات الخليوي كذلك الأمر، وبعض الشركات الخاصة الأخرى التي تقدم خدمات شبيهة بخدمات النافذة الواحدة، لبعض الوثائق والثبوتيات الخاصة بالمواطنين، والتي ينطبق عليها افتراضاً نفس المعايير الأمنية بشق منها.
والقادم بهذا الإطار هو آليات الدفع الالكتروني، التي تم تعهيدها لصالح شركة «فاتورة» الخاصة أيضاً، أي إن جزءاً من «داتا» التسديدات والتحويلات المالية الرقمية الخاصة بالمواطنين، سيتم تجميعها تباعاً لدى هذه الشركة.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل من الطبيعي أن يتم التخلي عن هذه «الداتا» الرقمية المجمعة عن المواطنين لتكون تحت تصرف وبعهدة الشركات الخاصة، مهما تكن هذه الشركات، ومهما كانت المهمة المناطة بها رسمياً؟
أم إن الحفاظ على مصالح بعض الشركات، والبحث عن مزيد من الأرباح لتصب بخزائنها، تحت مختلف العناوين والذرائع، يبرر التخلي تباعاً عن «داتا» المواطنين، ولو كان في ذلك، ولو احتمالات محدودة لاستثمار هذه «الداتا» لغير الغايات المخصصة لها، والتي قد لا يحمد عقابها؟!
تناقض صارخ
بمقابل هذا التخلي الرسمي عن «داتا» المعلومات الخاصة بالمواطنين وأمنها لصالح بعض الشركات الخاصة، تطالعنا الحكومة بحرصها على أمن معلومات الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية، مع التشريعات الخاصة بذلك، والتي تُجرم المواطنين بحال ارتكابهم ما يخالف مضمون تلك التشريعات، ولو كان ذلك على شكل «بوست» قد يتم اعتبار مضمونه فيه تعدٍّ على خصوصية البعض، أو قد يفسر على أنه يتضمن قدحاً أو ذماً، لاعتبارات مفتوحة التفسير والتأويل بحسب النصوص القانونية، مع عقوبات رادعة، بغاية كم الأفواه بالنتيجة!
فهل أمن معلومات الأفراد، والحرص على عدم التعدي عليها واستثمارها، ينطبق على المواطنين، مع غض الطرف عن كل «الداتا» المجمعة لدى الشركات الخاصة، واستثمارها لها؟
فما تقوم به شركات الخليوي مثلاً من خلال الرسائل الإلكترونية التي تستهدف شرائح بعينها، أو مناطق دون أخرى، للدعاية لشركة ما، أو للترويج للباقات لديها، أو لاستقطاب العروض التجارية، وغيرها الكثير من الأمثلة الأخرى، يمكن اعتباره أيضاً اختراقاً لخصوصية المشتركين لديها، من خلال استثمار «داتا» المعلومات المتاحة عنهم!
لكن ذلك غير خاضع للعقوبات المنصوص عنها قانوناً، فتلك العقوبات مخصصة للمواطنين فقط لا غير!
فهل من تناقض صارخ أكبر من ذلك على مستوى العنوان العريض والمختصر المتمثل بأمن المعلومات ووسائل التواصل على الشبكة رسمياً، الذي يطال المواطن فقط، ويغض الطرف عن الشركات الخاصة، والحيتان التي خلفها؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1056