مشروع قانون جديد ومستحدث لتكميم للأفواه
كشفت صحيفة الوطن بتاريخ 16/12/2021 ان مجلس الشعب يناقش حالياً مشروع تعديل قانون «تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية رقم 17» الصادر عام 2012، وقد أوردت بعض نصوص المواد الواردة في مشروع التعديل المزمع.
المثير في المشروع، هي المادة 22 منه، والتي نصت على ما يلي: «يعاقب بالسجن المؤقت من ثلاث إلى خمس سنوات وبغرامة مالية من مليوني إلى 4 ملايين ليرة كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة، أو المساس بالوحدة الوطنية، أو إثارة الرأي العام».
قانون طوارئ الكتروني
تجدر الإشارة بداية إلى أن مضمون المادة أعلاه يعتبر جديداً كلياً، فهي ليست تعديلاً على مادة واردة في نص القانون المعمول به، بل يمكن اعتبارها استعادة للعمل بالمواد من 304 إلى 307 من قانون العقوبات، والتي كانت تختص بها محكمة أمن الدولة أثناء سريان حالة الطوارئ، والتي تم استبدالها بقانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، وهذه النصوص القانونية من المعروف عنها أنها نصوص مطاطة وعامة جداً، عكس ما يجب أن تكون عليه النصوص الجزائية، التي من المفترض أن تكون واضحة ومحددة، ولا مجال للقياس عليها، ولكن عمومية النص تمكن السلطة من إدراج أي فعل تحت بند «النيل من هيبة الدولة» أو «إثارة الرأي العام»، بناء على توصيف النيابة العامة.
تهم مفصلة وجاهزة
لعل تطبيق هكذا نصوص مطاطة على النشر الإلكتروني، وتوصيف بعضه بـ «الجريمة المعلوماتية»، الهدف منه ملاحقة صاحب أي منشور على الشبكة قد يتعرض لسياسات الحكومة، أو يوجه أي انتقاد لها، وهو بمثابة تكميم جديد ومستحدث للأفواه، خاصة مع زيادة انتشار انتقاد الحكومة وقراراتها على مواقع التواصل الاجتماعي!
وبظل زيادة انتشار استخدام شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومع توجه غالبية الصحافة نحو النشر الإلكتروني، بعد توقّف الصحف الورقية، بات أي شخص- ولو كان صحفياً- معرضاً للحبس، والتهمة أصبحت جاهزة ومفصلة مسبقاً، ومنصوصاً عنها قانوناً!
حماية مراكز الفساد
أما المادة 23 من المشروع المقترح، فقد نصت على: «كل من قام بنشر أمر على الشبكة بإحدى وسائل تقانة المعلومات ينال من شرف موظف عام، أو كرامته في معرض ممارسته لوظيفته يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 500 ألف إلى مليون ليرة».
أي إن أي انتقاد قد يوجه لأي موظف حكومي على مواقع التواصل الاجتماعي يعرض صاحبه للحبس والغرامة، ويندرج تحت هذا البند بكل تأكيد منع أي مواطن من انتقاد أي وزير أو مسؤول، حتى ولو كان فاسداً، على الشبكة.
والأخطر من كل ذلك، هو ما نصت عليه المادة 36 من المشروع بأنه: «للنائب العام أن يحرك الدعوى العامة، أو يأمر بتحريكها في جرائم النيل من هيبة الدولة أو النيل من هيبة الموظف، والجرائم التي تقع على الموظف، أو على الدولة المنصوص عليها في هذا القانون، وإن لم يقدم المتضرر شكوى أو ادعاء شخصياً، مشيرة إلى أنه يبقى للنيابة العامة سلطتها التقديرية في تحريك دعوى الحق العام ما لم يكن تحريك الدعوى مقيداً أساساً في التشريعات النافذة».
ومع مضامين بعض المواد الأخرى التي رشحت عن المشروع المزمع للتعديل، يبدو أن مواقع ومراكز الفساد ستصبح أكثر حماية مما سبق، وبقوة القانون هذه المرة، بحال صدوره بهذا الشكل!
مخالفة دستورية
لن نطيل الحديث حول ما رشح من نصوص مواد مقترحة في المشروع، لكن تجدر الإشارة إلى أنه ربما لسنا بحاجة أساساً لإصدار قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية، فالجرائم، مثل: الاحتيال والسرقة وحماية الملكية الفكرية وجرائم الذم والقدح والتشهير والابتزاز، مدرجة جميعها في قانون العقوبات، ولو ارتكبت على الشبكة.
وبهذا الصدد تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المشروع، بحسب ما رشح من مواد، يتعارض مع المادة 42 من دستور عام 2012، التي تنص على ما يلي: «لكل مواطن الحق أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة».
فهل سيمر المشروع المقترح بهذه الشاكلة، وبهكذا مضامين تتعارض مع أبسط حقوق المواطنة؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1049