أزمات مؤتمتة فهل من مزيد؟
عبير حداد عبير حداد

أزمات مؤتمتة فهل من مزيد؟

تفاقمت أزمة المحروقات بشكلها الأشد خلال العالم ٢٠٢١، فلم يُشهد لها مثيل طوال سنوات الحرب التي فتكت بواقع المواطن السوري، والتي اشتدت بعدها وأصبحت أقسى. فأزمة المحروقات المستمرة خنقت المواطن السوري، كما أوقفت حال البلد.

لم يعد بإمكان أي عاقل أن يستوعب الواقع الذي وصلنا إليه اليوم، حيث بات المواطن يحادث نفسه بالطرقات بصوت عالٍ وعلى الملأ بمختلف الأماكن، على الطرقات، وفي وسائل النقل العامة... إلخ، غير آبهٍ بمن قد يسمعه، ويلعن ما يمر به من وقائع، تجعله يفقد جل وقته بل وأكثره على الطرقات. يفكر كيف عليه أن ينظم وقته ليركض من هنا إلى هناك بين الطوابير التي لا تنتهي.

فلا يوجد أبغض من أن يفقد الإنسان إحساسه بالحرية، أو أبسط حقوقه بممارسة حياته الطبيعية، دون عوائق وحواجز تم اختلاقها لتحجمه ضمن ما يشغله عن دوره الذي يفترض أن يمارسه «بهذه اللحظة المفصلية» بحق تقرير مصيره ومصير بلاده.

اختناق وآليات جديدة

في ظل الشلل الكامل الذي أصاب مقومات الحياة في كافة مفاصل البلاد، بجميع مدنها دون استثناء، بسبب تفاقم أزمة تأمين المحروقات، والتي اشتدت بعد سلسلة إجراءات رفع الأسعار وتخفيض الكميات، لتصل آخر ما حرر إلى20 ليتراً أسبوعياً للسيارات الخاصة، وخمسة لترات يومية لسيارات الأجرة، الأمر الذي خلق أزمة أكثر اختناقاً، سواء على الكازيات أو على وسائل النقل التي خرجت عن الخدمة نتيجة النقص الحاد.

وبمحاولة لإدارة الأزمة، فقد تمّ اعتماد آلية جديدة لتوزيع مادة البنزين، من قبل وزارة النفط، عبر نظام الرسائل النصية، وذلك اعتباراً من 6 نيسان 2021، حيث تعتمد الآلية الجديدة على إرسال رسالة نصية متضمنة المحطة التي يجب التوجه إليها، مع مدة صلاحية ٢٤ ساعة للحصول على المخصصات، وكما أوضحت الوزارة، عبر موقعها الرسمي، أن ترتيب البطاقات ضمن المحطات سيكون حسب أقدمية التعبئة، مع إمكانية تجديد الطلب عند عدم الحصول على المخصصات خلال المدة المحددة بـ24ساعة.

حلول ظاهرية ومشكلات عالقة بالعمق

أكد رئيس دائرة التشغيل والصيانة في شركة المحروقات بحسب جريدة «الوطن» أنه تم البدء بالعمل وفق الآلية الجديدة ووصول الرسائل لمستحقيها وفقاً للأقدمية، مضيفاً «الغاية من الآلية الجديدة راحة المواطن وتأمين حصوله على المادة من دون عناء، والحد من مظاهر الفساد والابتزاز والاتجار غير المشروع بالمادة».

حيث جاءت هذه الألية كسابقاتها من الحلول التي أخفت الأزمة عن السطح، مقدمة حلولاً ظاهرية فقط.

فصحيح أن نظام الرسائل قد أنهى مظاهر امتداد طوابير السيارات على بعد كيلو مترات من محطات الوقود، وأنهى دور المحسوبيات، وما يسمى بالخط السريع مقابل مبالغ مالية كان يجنيها منظمو الدور في محطات الوقود، ولكنه بالعمق، لم يحل أزمة المواطن الحقيقة!

ففي الوقت الذي خفضت به كمية المخصصات للأليات الخاصة والعامة، أصبحت الشوارع السورية شبه خالية، لا يجد المئات من المواطنين وسيلة نقل تقلهم إلى مقاصدهم، ويطول الانتظار لساعات، رغم محاولات تغطية المواقف العامة بباصات النقل الداخلي إلّا أن عددها قليل لا يكفي لاحتواء الأزمة، والاستغلال لا ينتهي، فسيارات الأجرة اليوم تطلب أجوراً خيالية، معللة أن المخصصات لا تكفي طلبين ضمن مدينة دمشق، ما يجبر السائقين للجوء إلى تعبئة البنزين بالسعر الحر، أو من السوق السوداء.

شهود وآراء

تحدثت ميادة التي تسكن في منطقة دويلعة عن انتظارها- لمدة ساعة أو أكثر- لوسيلة نقل توصلها إلى منطقة البرامكة وسط انعدام باصات خط دويلعة، وإذا قررت أن تستقل سيارة الأجرة فقد تتراوح أسعارها بين الخمسة آلاف والعشرة آلاف، وأكملت حديثها عن باصات النقل الداخلي، مشيرة أنه خلال اليوم الأول لطرح باصات النقل الداخلي لتغطية الازدحام، شوهد باص نقل داخليّ واحد، وأن العملية لم تتكرر حتى تاريخ اليوم 11 نيسان، وعندما سألت السائق، أجابها: أنه تمت الاستعانة بباصات النقل الداخلي «باب توما جسر الرئيس» حيث تمت توسعة خطه ليصبح يضم الدويلعة.

إياد يتحدث عن قرار حصول المسافر على 20 ليتراً لمرة واحدة شهرياً، وإذا احتاج كميات إضافية لسفرة أخرى عليه التوجه إلى البنزين أوكتان 95، أو البنزين المتوفر في السوق السوداء وبالسعر الاستغلالي طبعاً، ويضيف: أعمل في مجال تعهدات الآليات، الأمر الذي يتطلب مني السفر لمسافات بعيدة عبر سيارتي حاملاً معي عدة العمل والعمال، فكيف تكفيني 20 ليتراً شهرياً، وكيف سأتحمل أعباء البنزين الحر أو الأسود، ويرى أن هذا القرار يخدم مصالح المستفيدين من السوق السوداء.

أما مهند، فقد نوه إلى أن عملية ضبط الفساد بشكل كامل صعبة الحصول، حيث أكد أنه لا يحصل على 20 ليتراً كاملة، إنما تتم سرقة جزء منها ليصل إليه بين 16 والـ 15 ليتراً أحياناً، فقط لا غير.

الأتمتة والمشاكل التقنية

تم اعتماد نظام الرسائل سابقاً على مادة الغاز، لتتبعها المواد التموينية لاحقاً، والآن على آلية توزيع البنزين، وتتم حالياً دراسة آلية توزيع مازوت التدفئة وفق نظام الرسائل خلال العام المقبل بحسب بعض التسريبات، حيث هناك من يرى أنها الآلية التي تضمن التوزيع العادل، ومنع التهريب لشبكات السوق السوداء، لكن واقع الحال يقول عكس ذلك، فتطبيق مثل هذه الآليات يواجه الكثير من الصعوبات ضمن الواقع السوري في ظل تفشي الفساد، فالسوق السوداء لم يتم الحد منها، بل على العكس، زادت معدلات استغلالها وتوسعت شبكاتها.

ووفقاً للتجربة الأخيرة بما يخص البنزين فقد عانى الكثير ممن أراد تغيير محطة الوقود أو تأكيد رقمه، بسبب الضغط الشديد على منصات التواصل الخاصة بالبطاقة الذي سبب مشكلات تقنية للوصول إليها، عدا عن ذلك واقع شبكة الإنترنت السيء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أجهزة بعض المواطنين قديمة ولا تخدم هكذا تطبيقات.

توفر التوريدات وتخفيض الدعم

خلال جولة لوزير النفط لتفقد سير الآلية الجديدة، أشار إلى أن المخصصات الحالية المحددة بعشرين ليتراً متغيرة وستتم زيادتها عندما تتاح التوريدات، وذلك بحسب ما نقل عبر بعض وسائل الإعلام، وقد ترافق هذا الوعد مع الحديث عن عودة إقلاع مصفاة بانياس، وستحتاج لثلاثة أيام ليتم تسليم المشتقات النفطية لشركة محروقات، التي بدورها تشرف على توزيعه لكافة محطات الوقود.

وربما يبقى علينا الانتظار لنرى، هل ستثمر الوعود مع توفر التوريدات، أم أن تخفيض الكميات المخصصة للآليات خطوة لا رجعة عنها ضمن سلسلة الخطوات في سبيل تخفيض الكميات المدعومة التي ربما لن تعود كما كانت عليه (أربعون لتراً كل أربعة أيام للسيارات الخاصة)؟، ناهيك عن إجراءات تخفيض الدعم المباشر عبر رفع الأسعار المتتالي على البنزين، والمحروقات عموماً.

مع الأخذ بعين الاعتبار أن إجراءات تخفيض الدعم الجارية، بالإضافة إلى كونها تقع على عاتق المواطنين ومن حسابهم ، فهي أيضاً تصب في مصلحة تجار وسماسرة السوق السوداء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1013
آخر تعديل على الإثنين, 12 نيسان/أبريل 2021 13:26