الدواجن.. التفافٌ على الوقائع ولَيٌّ لعنق الحقائق
وُضعت مشاكل قطاع الدواجن على طاولة بحث وزارة الزراعة من خلال مجموعة من الاجتماعات خلال الفترة الأخيرة، وذلك بعد أن خرجت بعض منشآته عن الخدمة، وبعد أن تعالت أصوات المربين جراء استمرار تكبدهم الخسائر، وبعد أن وصلت أسعار منتجاته في السوق إلى مستويات مرتفعة تجاوزت القدرة الشرائية للمواطنين بدرجات.
تفاءل المربون بهذه الاجتماعات، لكن المفاجأة مؤخراً بالنسبة إليهم كانت عبر توجيه نوع من التهديد المبطن من قبل وزارة الزراعة إليهم دون سواهم.
فقد ورد عبر الموقع الرسمي الحكومي بتاريخ 11/9/2020 ما يلي:
«طلبت الوزارة من منتجي الصوص التعاون لتخفيض الأسعار، موضحة أن هناك مسارين. الأول، أن يتفاعل منتجو الصوص فيما بينهم ويتفقون على سعر توافقي وفق تكاليف الإنتاج مع هامش ربح معقول يتفقون عليه، وألّا يرفعوا أسعار بيع الصوص بالتوازي مع ارتفاع الطلب. والثاني، في حال عدم التزامهم بتخفيض أسعار الصوص، يمكن الانتقال إلى أسلوب التسعير المركزي، وفق تكاليف الإنتاج وهامش ربح 10% على التكاليف».
اجتماعات وخلاصات
كان من جملة العناوين المبحوثة خلال الاجتماعات التي جرت خلال الفترة السابقة بما يتعلق بقطاع الدواجن، النقاط التالية: (ارتفاع تكاليف الإنتاج- مدى توفر مستلزمات الإنتاج، وخاصة الأعلاف- التسعير- حلقات التسويق والتوزيع).
وقد خلصت هذه الاجتماعات لمجموعة من التوصيات، كان من أهمها بالنسبة للمربين: ما يتعلق بالأعلاف، كونها تعتبر من مدخلات العملية الانتاجية التي تستحوذ على نسبة تكلفة تقدر بحدود 80% من مجمل تكاليف الإنتاج، ودور مستوردي الأعلاف على مستوى رفع التكلفة الإجمالية، باعتبارهم متحكمين بهذه المادة كماً وسعراً.
فأحد الأسباب الرئيسة للمشاكل والمعاناة التي تواجه قطاع الدواجن كان وما زال هو التكاليف المرتفعة، وخاصة تكاليف الأعلاف، التي جرى احتكار سوقها، وارتفعت أسعارها تباعاً خلال السنوات الماضية، وتضاعفت منذ بداية العام وحتى الآن عدة مرات، الأمر الذي أدى إلى توقف بعض المنشآت عن العمل، ثم خروج البعض منها تباعاً من الخدمة بشكل نهائي، وخاصة الصغيرة منها.
ومن التوصيات التي خلصت إليها الاجتماعات بهذا الشأن مثلاً:
دعم مادتي الذرة والصويا وإعفائهما من الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى وتخفيض أسعارهما.
التوسع بزراعة الأعلاف، ودراسة كل ما يمكن الاستفادة من المساحات الزراعية التي يمكن زراعتها بالمواد العلفية لتوفيرها للمربين بدلاً من استيرادها.
بالإضافة لما ذكر عن الأدوية البيطرية المستوردة أيضاً وأسعارها المرتفعة، وحجمها على مستوى إجمالي التكاليف أيضاً.
تناقض رسمي ونتائج متوقعة
بالعودة لما صدر أخيراً عن وزارة الزراعة، فقد ورد عبر الموقع الحكومي: «العامل المحدد لأسعار الأعلاف والصوص في زمن الرخاء هو العرض والطلب، أما في ظروف الحصار الاقتصادي والإجراءات القسرية الجائرة أحادية الجانب المفروضة على الشعب السوري، فلا يمكن تطبيق التسعير على أساس العرض والطلب، بل يجب التسعير وفق حاجة السكان للغذاء وبأسعار منطقية تساعد المواطن على تحمل أعباء المرحلة الراهنة».
وهنا تساءل المربون عن سبب تغييب لهجة التهديد المبطن عن مستوردي الأعلاف، بحسب ما ورد في المقدمة، والتركيز على المربين فقط؟ علماً أن التكاليف المرتفعة سببها الأساس هو مادة الأعلاف التي لا شأن للمربين بها، بل تفرض عليهم أسعارها، كما تفرض عليهم نوعيتها، بل والأكثر من ذلك تفرض عليهم مواعيد توفرها أيضاً!.
ولمصلحة من سيتم تفسير هذا التناقض بنتائجه النهائية، بعد أن تم إعفاء المستوردين من لهجة التهديد؟.
وما هو مآل منشآت الدواجن التي ما زالت تعمل كمحصلة نهائية بعد ذلك؟.
وقد خلص بعض المربين لنتيجة مفادها، أنهم سيستمرون بتكبد الخسائر، مع ما يتبع ذلك من خروج منشآت جديدة عن العمل والإنتاج، مع تحميلهم مسؤولية ذلك أيضاً على المستوى الرسمي.
قطاع هام والمواطن دريئة
مشاكل قطاع الدواجن قديمة مستجدة، وقد عكفت الجهات الحكومية طيلة الفترة الماضية إلى القفز عن هذه المشاكل، أو محاولة حلها بالكلام فقط، ومن خلال التوجيهات المسطرة عبر الكتب الرسمية إن لزم الأمر، دون الخوض في تفاصيلها لإيجاد الحلول الحقيقية لها، وخاصة على مستوى تأمين الأعلاف اللازمة لهذا القطاع عبر القنوات الرسمية بعيداً عن تحكم المستوردين.
وربما لا داعٍ للتذكير بأهمية هذا القطاع، ودوره على مستوى الأمن الغذائي، حيث يوفر هذا القطاع اللحوم البيضاء والبيض، التي كانت بمتناول المستهلكين قبل الارتفاع الأخير لأسعارها في السوق، والتي فرضت خروجها عن موائد بعض السوريين بالنتيجة، مع عدم تغييب دوره وحجمه على مستوى الاقتصاد الوطني، وما يوفره من فرص عمل كبيرة.
في المقابل، فإن الحديث الرسمي عن مصلحة المواطن كثير، لكن الترجمة العملية له محدودة جداً، بل غالباً ما تكون هذه المصلحة غائبة على أرض الواقع، والدلائل على ذلك أكثر من أن تعد، وآخر ما حرر بهذا الشأن، هو ما سبق أعلاه من التفاف على الوقائع ولَيّ لعنق الحقائق، تحت عناوين مصلحة المواطن وآليات العرض والطلب في السوق.
وبهذا السياق، وبحسب مضمون ما ورد عبر الموقع الحكومي الرسمي نتساءل بدورنا:
هل هناك توجه حكومي جدّي نحو تحييد آليات العرض والطلب المتحكمة بالسوق؟ وما هي البدائل المقترحة على هذا المستوى؟.
هل هناك رؤية جديدة حول تأمين الحاجات الغذائية للمواطنين والأسعار المنطقية لها في السوق؟.
أخيراً، هل يمكن أن تُحل مشاكل قطاع الدواجن عبر لغة التحذير والتهديد للمربين فقط، مع تغييب دور مستوردي الأعلاف؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 983