الموظف السوري يدفع كامل راتبه على تأمين المواد الغذائية شهرياً
ارتفعت أسعار المواد الغذائية خلال الأزمة بشكل فاق إمكانات المواطن السوري على تأمين احتياجاته اليومية، ففي حين وصول نسبة ارتفاع الأسعار وسطيا إلى 300%، لأسباب عديدة منها صعوبات النقل والشحن وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، لم تتجاوز الزيادة في دخل الموظف الحكومي 30%.
في المقابل تراجعت رواتب العديد من موظفي القطاع الخاص، وعشرات الآلاف منهم أضحوا بلا عمل، ما حوّل تأمين المواد الأساسية للمعيشة لمعاناة شديدة، أجبرت المواطن على تقليص فاتورة مشترياته لأقصى ما يمكن، وبالتالي تراجع حركة المبيعات في السوق المحلية إلى حوالي 70% حسب تقديرات بعض التجار.
الخضار والفواكه زادت 600%
تصدّرت المنتجات الحيوانية والخضار والفواكه والتي تشتهر بها سورية، نسب الارتفاع منذ ثلاث سنوات وحتى الآن، فارتفع سعر كيلو الفروج من 105 ليرات قبل الأزمة إلى 615 ليرة، بنسبة 600%، كما ارتفع سعر صحن البيض من 120 ليرة إلى 675 ليرة، والحليب ارتفع سعر الكيلو من 30 ليرة إلى 140 ليرة، وانعكس هذا الارتفاع على جميع المواد المصنعة منه، كاللبنة والجبنة بنسب متقاربة وصلت إلى حوالي 500%، ما ساهم بانتشار الغش في تصنيع الألبان والأجبان عبر الاستعانة بالحليب البودرة.
وارتفع سعر اللحوم الحمراء بنسبة أقل، حيث تراوح كيلو لحم الغنم من 800-900 أيضاً قبل الأزمة إلى 1500-2000 ليرة، ولحم العجل ارتفع بنسبة أكبر من 600-800 ليرة إلى 1500-1700 ليرة.
أما الخضار والفواكه، ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، فتضاعف سعر كيلو البطاطا من 30 إلى 130 ليرة، وكيلو البندورة من 20- 30 ليرة إلى 75- 150 ليرة، والكوسا من 35-40 ليرة إلى 140- 200 ليرة، والزهرة من 15-25 ليرة إلى 75-100 ليرة، والبرتقال من 20-35 ليرة إلى 50 – 85 ليرة، والتفاح من 40-75 ليرة إلى 125 -200 ليرة، بينما بلغ سعر ليتر زيت الزيتون حوالي 700 ليرة، بعد أن كان يباع بـ200 ليرة.
وفي رصد لأسعار الزيوت والسمون قبل وخلال الأزمة، تبين أنّ سعر ليتر زيت دوار الشمس كان يتراوح بين 80 -90 ليرة، بينما سعره حالياً 225-275 ليرة، وارتفع سعر كيلو السمنة النباتية من النوع الجيد من 170 ليرة إلى 470 ليرة، وارتفع سعر كيلو الطحين من 30 إلى 90 ليرة، وكيلو الرز من 50-100 ليرة، إلى 150-220 ليرة، والسكر من 45 إلى 95 ليرة.
حسبة بسيطة
ولو افترضنا أنّ وسطي راتب الموظف السوري 20 ألف ليرة سورية، فإنّ عائلة مؤلفة من خمسة أشخاص، يعيلها شخص موظف واحد، بحاجة وسطياً في الشهر لـ2 كيلو لحم بقيمة 3 آلاف ليرة، و2 كيلو دجاج بقيمة 1200 ليرة، و2 صحن بيض بقيمة 1300 ليرة، ورز وسكر وسمنة وبقوليات (حمص - عدس - فول) بقيمة وسطية تقدّر بألفي ليرة شهرياً، ما يعني أنّ مجمل تكلفة هذه الحاجات تصل إلى 7500 ليرة سورية، يضاف إليها تكاليف الخضار والفواكه والزيوت والألبان والأجبان، فضلاً عن تكاليف أجور النقل اليومية لكل فرد من العائلة، ما يعني أنّ قيمة تأمين الحاجات الأساسية الغذائية والمواصلات دون الرعاية الصحية والطبابة تحديداً تكلف كامل راتب الموظف، إن لم تزد عنه.
ووفق الأرقام الرسمية تقدر حاجة سورية من بعض المواد الأساسية، مثل السكر بـ 552 الف طن، ودجاج مجمّد بـ 12 الف طن، والحليب المجفف بـ 6900 طن.
جملة أسباب رفعت السعر
أوضح رئيس "اتحاد غرف الزراعة" محمد الكشتو لـ"الاقتصادي"، أنّ ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والحيوانية يعود لجملة أسباب، حيث أثّرت الأزمة على قطاع الدواجن الذي انعكس بارتفاع أسعار البيض والفروج، فضلاً عن خروج قسم كبير من المداجن من الإنتاج نتيجة الأوضاع الأمنية، في ظل توضّع معظمها في الأرياف والمناطق الساخنة، إضافة لصعوبة النقل وغلاء مستلزمات التربية كالأعلاف من صويا وذرة صفراء، التي ارتفع سعرها وارتباطها بسعر صرف الدولار كونها مستوردة، وارتفاع سعر المازوت وصعوبة تأمينه، وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، بينما أدى نقص كميات اللحوم المعروضة في الأسواق إلى ارتفاع سعرها.
وفيما يتعلق بالخضار والفواكه، بيّن الكشتو، أنّ ارتفاع الأسعار ناتج عن نقص في إنتاج معظم المحاصيل، نتيجة للظروف وارتفاع التكاليف الزراعة من بذور وأسمدة وصعوبة النقل وارتفاع أجوره عدة أضعاف، بينما توجد أصناف مستوردة كالبندورة والبطاطا، وسعرها مرتبط بسعرها في بلد الزراعة، وبسعر صرف الدولار، عدا عن أجور النقل والتخليص الجمركي.
تحديد الأرباح بدأ يثمر
وبدوره قال معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب لـ"الاقتصادي": "إنّ تحديد الأسعار، كان يخضع بشكل كامل إلى العرض والطلب في ظل تحرير أسعار أغلب المواد الغذائية، وكان هناك سعي دائم من قبل مؤسسات التدخل الإيجابي لطرح هذه المواد بأسعار أقل من السوق، لتخفيض الأسعار التي يتمسك بها التجار، وفي الفترة الأخيرة بدأت الوزارة بعملية تحديد نسب الأرباح لمعظم المواد الغذائية، ما أدى لحدوث انخفاضات جديدة في الأسعار، وتزامن ذلك مع تشديد الرقابة على أسواق الخضار للجملة والمفرق لتداول الفواتير والالتزام بنسب الارباح".
المنافسة أقدر على ضبط السوق
من جهته أحد مستوردي المواد الغذائية، أحمد هدايا، أشار إلى أنّ أسعار المواد في الأسواق مقبولة ومتناسبة مع التكاليف الكبيرة التي يتحملها المستورد، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وأجور النقل المرتفعة، وصعوبة تأمين المستودعات، وارتفاع الأجور، فالتاجر اليوم يقوم بتصريف بضائعه بهامش ربح بسيط، لأنّ لا مصلحة له في تخزينها في ظل الظروف الحالية.
وفيما يخص تحديد نسب الأرباح، اعتبر هدايا، إنّها غير منطقية ومن الصعب تطبيقها حاليا، فالسوق مليء بالبضائع، والمنافسة بين الجميع قادرة على خفض الأسعار.
قبل وبعد
وفي دراسة لما تدفعه الأسرة السورية حاليا لتأمين المواد الغذائية الأساسية بالاعتماد على كمية استهلاك الفرد من هذه المواد شهريا، حسب دراسات "المكتب المركزي للإحصاء"، تبين أنّ الفرد بحاجة شهريا لدفع مبلغ 4700 ليرة، لتأمين هذه المواد الضرورية، دون العديد من المواد المستهلكة ولكنها لاتعد أساسية، وبالتالي فالأسرة الصغيرة والمؤلفة من أربعة اشخاص بحاجة إلى حوالي 19 ألف ليرة سورية شهريا، ما يعادل راتب موظف حكومي من الفئة الأولى "جامعي".
صحف سورية