رسوب وزارة الكهرباء بالتصريحات والممارسة
يعاني المواطنون في جميع المحافظات السورية وأريافها، خصوصاً محافظة ريف دمشق، من أزمة خانقة تتمثل في زيادة ساعات التقنين الكهربائي بشكل كبير، فضلاً عن انقطاعات العشوائية وغير المنتظمة في التيار، في ظل الطقس البارد والقاسي، مع انعدام العدالة في التقنين لبعض المناطق، بالرغم من كل الوعود السابقة التي سمعناها بتحسين وضع الكهرباء.
فقد عَبرَ المواطنون عن سخطهم من سوء الوضع الكهربائي وخاصة الكهرباء الترددية، وما زالوا ينتقدون عشوائية الانقطاعات وعدم انتظامها في العديد من المدن والأحياء، حيث يتم الانقطاع في كثير من الأحياء لأيام متتالية، عدا الانقطاعات المستمرة والمفاجئة خلال فترة التقنين كل ربع ساعة، وأحياناً كل 5 دقائق.
مزيدٌ من الأعباء
مدير الشركة العامة للكهرباء في محافظة دمشق بحسب ما ورد في إحدى الصحف السورية مؤخراً قال: «إن ارتفاع الجهد الكهربائي فوق 220 فولت يحدث بشكل مفاجئ بسبب عطل ما في الشبكة الكهربائية، في حين أن انخفاض الجهد الكهربائي لأقل من 220 فولت يعود لارتفاع الحمولات على الشبكة الكهربائية، مشيراً إلى أن هذه الحالات هي نادرة في دمشق، لافتاً في الوقت نفسه إلى عدم ورود أية شكوى بهذا الخصوص إلى شركة كهرباء دمشق».
هنا لا بد من الإشارة إلى أن الارتفاع في الجهد الكهربائي في بعض المناطق قد تسبب بأعطال في الأجهزة الكهربائية، فضلاً عن احتراق بعضها، إضافةً إلى تلف «المونة» التي تعد المساعد الأول للحد من غلاء الأسعار لدى غالبية المواطنين، ناهيك عن غضب السوريين الشديد الذين لا يستطيعون الاستحمام مثلاً، فحتى نعمة النظافة تم الحرمان منها غصباً وفرضاً، كما نُقل على لسان أحدهم «الحمدلله بهل التقنين وصلت ريحتنا مدري لوين... لا عم نحسن نتحمم ولا عم نحسن نغسل تيابناً»، وقالت الأخرى «شو مشتهية فوت اتحمم... بالله إنتو عم تتحمموا؟».
في حين عند الانخفاض في الجهد دون مستوى 130 فولت فهذا لا يساعد إلا بالإنارة المنزلية الخافتة.
فاليوم، المواطن لا ينقصه ويكفيه ما يدفعه بشكل يومي من مصاريف حتى تأتيه تكاليف الإصلاح وتزيد من إرهاقه المعيشي، لأنه بالتأكيد لا يمكنه شراء أجهزة كهربائية جديدة في ظل الارتفاع الفاحش بالأسعار، في حين أصبح موضوع تصليح الأجهزة الكهربائية مملاً لدى المواطنين للسبب ذاته دون إيجاد حل للمشكلة الأساسية، إضافةً إلى أنه «كالعادة» هو المسؤول الأول والوحيد والذي تحمل أعباءً ومصاريف إضافية خارجة عن سيطرته، وكما قال أحد المواطنين «لم نعد نهتم لغياب التيار الكهربائي بقدر ما نهتم ونخاف من تعطل أجهزتنا المنزلية... يكفينا دفع نقود!!».
أين حق المواطن؟
بالمقابل، نوّه مدير كهرباء دمشق: «بأن العقوبة التي يتم اتخاذها بحق الشخص الذي يستجر الكهرباء بشكل غير مشروع تقتصر على تحرير ضبط بحقه يجب عليه دفع قيمته للمؤسسة، وفي حال عدم قيامه بدفع المخالفة يتم تحويله إلى القضاء، منوهاً بأن قيمة الضبط المنزلي تختلف بين منزل وآخر، ويتم تقديرها حسب قيمة كمية الاستجرار».
لا شك أن الاستجرار غير المشروع يعتبر أحد أسباب الأعطال الكهربائية، والحد منه ضرورة وواجب، خاصة في ظل واقع الشبكة ومراكز التحويل وكمية الإنتاج من الطاقة الكهربائية التي لا تكفي حدود حاجات الاستهلاك.
وبالتالي، فإن الحديث عن المخالفات والضبوط والغرامات يعتبر جانباً حقوقياً لا نزاع حوله، مع التأكيد على حقوق المواطنين بالتزود بالطاقة الكهربائية، ودور شركات الكهرباء بهذا الصدد.
لكن بالمقابل لا بد من طرح السؤال: من أين سيؤمن المواطن، الذي يستجر الكهرباء بالشكل النظامي، ثمن تصليح الأعطال الكهربائية التي لا قدرة له على تحمل أعبائها لأسباب فنية خارجة عن إرادته، وهو غير متسبب فيها؟ ومن الذي سيعوضه عنها؟
بالتأكيد الجواب سيكون على شاكلة «دبر حالك والله يرزقك..».
ولعل الحديث عن عدم وصول شكاوى من المواطنين بشأن ارتفاع الجهد الكهربائي لا ينفي مسؤولية كهرباء دمشق عن هذا الخلل مع نتائجه الكارثية، مع تعميم ذلك على جميع شركات الكهرباء في جميع المحافظات، فما ينطبق على الكهرباء في دمشق ينطبق على غيرها، مع اختلاف مستويات تردي سوء الخدمة طبعاً.
بوابة التقنين المفتوحة!
انقطاع الكهرباء المتكرر خاصةً في فصل الشتاء أصبح من الطقوس المعروفة، ناهيك عن تلك التبريرات المتكررة والمتعلقة بزيادة الاستهلاك والاستجرار الكبير من قِبل المواطنين، والأعطال والأضرار ووووو.. إلخ، والوعود التي لم نشهد منها شيئاً والذي وصفها الكثير من المواطنين بالوعود «الكاذبة».
أما حول وجود نيات لتخفيض عدد ساعات التقنين، فقد بيّنَ مدير كهرباء دمشق: «عدم وجود أي برنامج ساعات تقنين محددة في دمشق، وهذا الأمر يتعلق بكمية الاستهلاك وبدرجة الحرارة، لافتاً أنه في حال انخفاض الحرارة تبقى ساعات التقنين على حالها، وفي حال ارتفاع درجة الحرارة من الممكن أن تكون ساعات التقنين أقل».
المشكلة في الكلام أعلاه أنه فتح بوابة التقنين على مصراعيها، وربما ما على المواطنين إلا الدعاء من أجل تحسن حال الطقس، أو تغيّر كل الواقع المناخي للبلاد، فلا مسؤولية واضحة ناحية زيادة كميات الإنتاج من الطاقة الكهربائية بما يؤمن حاجات الاستهلاك، بل هناك سحب لكل الوعود المقطوعة سابقاً بهذا المجال! وعلى المواطنين تحمل تبعات كميات الاستهلاك بالتوازي مع تقلبات درجات الحرارة، حتى لو وصل الأمر إلى العشوائية في التقنين دون برنامج واضح، ناهيك عن الأعطال المرافقة ونتائجها. وإذا كان الحال على ما هو عليه بهذا الشكل في العاصمة دمشق، لكم أن تتخيلوا واقع التقنين في بقية المحافظات، والعشوائية فيها.
سيناريوهات مكررة ولا حلول
سيناريوهات التقنين لفترات طويلة تتكرر بقساوة أكثر فأكثر في كل شتاء، وأصبح واضحاً لدى الجميع أن كل التصريحات والوعود بتحسين وضع الكهرباء في سورية بأنها «حبر على ورق».
فقد أضحت ساعات الانقطاع الطويلة كابوساً مستمراً لدى السوريين، وحولت حياتهم إلى جحيم، فالكهرباء تعد من الضرورات التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولا سيما في فصل الشتاء، حيث يكون الاعتماد عليها بشكل أساس على وسائل التدفئة، في ظل أزمات الغاز وارتفاع سعر المازوت، والذي لا يتناسب مع الأجور المتدنية للمواطن، وللأسف بات اليوم مصطلح «زيادة معدلات الاستهلاك» حجة وذريعة لدى مسؤولي الكهرباء، بل أصبح التندر حيال المفاجئة بقدوم فصل الشتاء والبرد على كل لسان، خاصة مع عدم وجود خطط واضحة لحل المشكلة بشكل نهائي، أو إيجاد بعض الحلول الجزئية للحد منها فعلاً، وبالحد الأدنى الإنصاف والعدالة في توزيع الكم المنتج منها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 948