المركزي و«إنسانيته»
أصدر المصرف المركزي ما أسماه «سعراً تفضيلياً» للدولار مقابل الليرة السورية يقدر بـ 700 ليرة مقابل كل دولار أمريكي، وهو ممنوح ومخصص للمنظمات الدولية فقط.
وقد أوردت سانا بتاريخ 10/12/2019، أن المصرف أوضح في بيان تلقت نسخة منه: «أنّ تساؤلات وردت له حول القرار القاضي بمنح الحوالات الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة سعراً تفضيلياً، وعليه نبين أنّ هذه الحوالات تشكل حالة خاصة لغايات إنسانية وتمثل جزءاً من العمليات التي تجري بالقطع الأجنبي، بالتالي سيمكن ذلك من زيادة قدرة المنظمات على تقديم دعم أكبر للأسر المتضررة جرّاء الحرب وتحقيق الأهداف الإنسانية المنوطة بها»، مع التأكيد على أنه: «لم يغيِّر سعر الصرف ويبقى كما هو محدد وفق نشرات أسعار الصرف اليومية الصادرة عنه».
إنسانية مجتزئة
لن نتحدث عن الجوانب الاقتصادية والمالية المتعلقة بالدولار والليرة السورية وما جرى بهذا الشأن خلال الفترة القريبة الماضية، تراكماً مع كل ما جرى بهذا الشأن خلال السنوات الماضية، لكن سنقف عند عبارات «الغايات الإنسانية» و«دعم الأسر المتضررة» الواردة في بيان المركزي.
فالكثير من المواطنين تساءلوا عن عدم أخذ المركزي بمبررات «الغايات الإنسانية» و«دعم الأسر المتضررة» بما يتعلق بسعر الدولار المخصص للتحويلات من الخارج، وخاصة تلك التي لا علاقة لها بالعمليات التجارية والمالية التي يقوم بها الكبار والحيتان والمضاربون، بل الموجهة كدعم للسوريين في الداخل من قبل ذويهم وأبنائهم في الخارج، في ظل تدهور الواقع المعيشي وترديه إلى أبعد الحدود.
فمعايير المركزي «الإنسانية» فيها شكل من أشكال الازدواجية عندما يتم «تفضيل» المنظمات الدولية بسعر خاص للدولار مقابل الليرة، وبفارق كبير بين السعر الرسمي وبين هذا السعر، على المواطنين «المتضررين» أيضاً الذين استهلكتهم ظروف الحرب والأزمة، كما استنفذتهم أساليب النهب والفساد، والذين يعانون «إنسانياً» على كافة المستويات، مع استمراره بتسعير الحوالات وفقاً للنشرات الصادرة عنه دون تغيير.
اعتراف ومواربة
أمّا الملفت بهذا الشأن فهو أن المركزي، كما الحكومة، على أتم العلم بأن الجزء الكبير من هذه التحويلات المالية أصبحت تدخل من خارج المسارب المصرفية الرسمية عبر السوق السوداء، وذلك للحصول على السعر الأعلى للدولار مقابل الليرة، أي إن المركزي من الناحية العملية يفقد جزءاً هاماً من التحويلات المالية بالدولار الموجهة للمواطنين من ذويهم، مع ترك هؤلاء عرضة للاستغلال من قبل القائمين على السوق السوداء للعملة.
والملفت أكثر، أنَّ المركزي بهذا الشكل من التعامل «الإنساني» و«التفضيلي» للمنظمات الدولية يعترف ضمناً بالفارق في سعر الدولار، بين النظامي الرسمي، وبين التفضيلي الخاص، وهو بالحد الأدنى أقرّ بسعر 700 ليرة لكل دولار، أي إن كلَّ ما قيل سابقاً عن «الوهم» وعن «الحالة النفسية» و«المضاربات» وغيرها، تم تجاوزه رسمياً من قبل المركزي والحكومة لمصلحة المنظمات الدولية.
تساؤلات مشروعة
الكثير من التساؤلات تتبادر للأذهان، منها:
لماذا لا يتم تعميم هذا «السعر التفضيلي» ليشمل تحويلات السوريين من الخارج لذويهم في الداخل؟.
أليس في ذلك جانب «إنساني» و«دعم للمتضررين» أيضاً؟.
أليس في ذلك أيضاً استقطاب لهذه التحويلات بدلاً من تسربها عبر السوق السوداء؟.
أليس في ذلك حد لنشاط السوق السوداء والمضاربة في العملة؟.
وبعيداً عن الخوض بالشأن المالي والنقدي والاقتصادي، فلا شك أن الأسئلة كثيرة وكبيرة وعميقة، جزء هام منها مرتبط بالسياسات المالية والنقدية، وبمجمل السياسات الاقتصادية الاجتماعية المتبعة، ذات الجوهر الليبرالي المحابي لمصالح حيتان الثروة والفاسدين، باختلاف تسمياتهم ومواقعهم، على طول الخط.
ولعل الكثير من الإجابات نجدها في متن الكثير من الدراسات الاقتصادية والتحليلية الخاصة المتعلقة والمرتبطة بهذه الجوانب وغيرها، والتي وردت على صفحات قاسيون سابقاً، والمستمرة حكماً مع كل متغير مرتبط بمصلحة المواطن والوطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 944