النت والتقلبات الدولارية على حساب المشتركين!
تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ما نسب إلى «مصدر في السورية للاتصالات»، بحسب وكالة «سبوتنيك» بتاريخ 4/12/2019، إعادة الحديث عن «الاستخدام الجائر لحزمة الإنترنت»، وعن «الباقات العادلة» و«الاستخدام العادل»، ارتباطاً مع الحديث عن «تخفيف الضغط على الدارة الدولية» و«التبدلات النقدية في سعر الصرف»، وقد لاقى هذا الحديث الكثير من الاستياء من قبل المشتركين بخدمة الإنترنت، خاصة وأن هذا التوجه للسورية للاتصالات ليس جديداً، وقد تم الحديث عنه سابقاً، كما سبق وأنه لاقى نفس ردود الفعل من الاستياء.
بالمقابل، فقد نفى «مصدر وزارة الاتصالات»، بحسب «شام إف إم» بتاريخ 7/12/2019، ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل، مع الإشارة إلى أن التصريحات التي تصدر عن الوزارة يتم نشرها على صفحتها الرسمية، وحين صدور أي شيء رسمي يتم الإعلان عنه مباشرة.
التشكيك لا ينفي التوجه
المواطنون الذين تداولوا الخبرين أعلاه عبر صفحاتهم، بعد أن تم استقاؤها من وسائل الإعلام، لا تعنيهم فكرة تبني معلومات «مصدر السورية للاتصالات» من قبل «مصدر الوزارة» بشكل رسمي من عدمها، فأمر التشكيك بمصداقية «المصدر» من السهل تعميمها على الطرفين (السورية للاتصالات والوزارة) بهذا الصدد إن لزم الأمر، لكن تبقى مصداقية الوسيلة الإعلامية نفسها، وهو أمر تتعامل معه الجهات العامة عادة بالتوجه للوسيلة الإعلامية من أجل تعديل مضمون خبرها أو نفيه وسحبه من التداول بحال كان فيه خطأ، الأمر الذي لم يجرِ مع «سبوتنيك» بل عبر وسيلة إعلامية أخرى بهذه الحالة.
لكن لعل ما يعني المواطنين حقيقة هو محتوى ومضمون هذه المعلومات والتوجهات المتداولة إعلامياً، ومقدار انعكاسها عليهم وعلى الخدمة المقدمة لهم كمشتركين لدى السورية للاتصالات.
فالحديث عن «الاستخدام الجائر» وعن «الاستخدام العادل» وعن «الباقات العادلة» هو حديث قديم مستجد، بل هو توجه لدى السورية للاتصالات لم يتم نفيه سابقاً بل تم تأجيله ليس إلا، وعاد الآن للظهور على أرضية مستهلكة من المعطيات القديمة نفسها، سبق وأن تم تفنيدها، مثل (الضغط على الدارة الدولية- الاستهلاك الأكبر من قبل الشركات والمقاهي ومحال الألعاب-..).
الخدمة وجودتها مسؤولية السورية للاتصالات
المشتركون الذين يعنيهم موضوع خدمة الإنترنت وتحسين جودتها التي تردت إلى أسوأ حال وما زالت، لم يقفوا عند المعطيات المكررة سابقاً، خاصة وأنه لم يتم التطرُّق إلى تحسين الخدمة وصيانة البنية التحتية، وخاصة الشبكات الهاتفية التي تعتبر أحد أسباب سوء وتردي الخدمة من الناحية الفنية، وهي بآن من مسؤولية الوزارة والسورية للاتصالات، وعلى الرغم من ذلك ما زالت هذه الجهات تُحمل المشتركين مسؤولية تردي الخدمة.
أما ناحية نوعية هؤلاء المشتركين، أفراداً أو شركات ومقاهي وغيرها، ومقدار حجم استهلاكهم للسعات، فهو أمر أيضاً ليس من مسؤولية هؤلاء بقدر ما هي مسؤولية السورية للاتصالات نفسها، التي تزيد من أعداد المشتركين وتوسع وتنوع من خدماتها على حساب السعة المستهلكة عبر الدارة الدولية، والتذرع بهذه القضايا بالنتيجة من أجل تقنين السعة على المشتركين، أو تعديل رسوم الاشتراك بالخدمة ارتفاعاً.
المعطى الجديد والخشية من تعميمه
أما الخشية الحقيقية التي تم التوقف عندها بالمقابل من خلال الحديث المنقول عبر «سبوتنيك» مؤخراً، فهو أن «وزارة الاتصالات والتقانة السورية تدفع تكاليف البوابة الدّولية بالعملة الصعبة (الدولار) بينما تتقاضى أجور تقديم هذه الخدمة للمستخدمين السوريين بالليرة الوطنية، ومع التبدلات النقدية في سعر صرف الليرة أمام الدولار، بدأت الخدمة باستنزاف خزينة الدولة».
فهذا المعطى الجديد يعتبر من المصائب بالنسبة للمواطنين، وهو له جانبان كتوجه، الأول أن تتم المقارنة بين الدولار والليرة السورية من بوابة التكاليف وتقاضي الأجور وخزينة الدولة، وهي بوابة إذا ما تم فتحها فإن ذلك يعني تعرض الأجور التي تتقاضها السورية للاتصالات للتقلبات والتذبذب بما يوازي التقلب والتذبذب بسعر الصرف ارتفاعاً، والحرص على خزينة الدولة بهذا الصدد تبدو ذريعة مناسبة جداً لرفع هذه الأجور بالنتيجة، ناهيك عما سيصيب الخدمة نفسها جراء تنفيذ توجه العمل بالباقات أيضاً، في ظل عدم العمل على تحسين البنية التحتية التي أصبحت متهالكة.
أما الكارثة فهي إمكانية تعميم هذا التوجه (رفع أجور الخدمات بالتوازي مع تقلبات سعر الصرف ارتفاعاً) عبر بقية الجهات العامة التي تقدم خدماتها وسلعها للمواطنين، اعتباراً من المحروقات والخبز وليس انتهاءً بالكهرباء والمياه والصحة و...، مع الأخذ بعين الاعتبار ان كافة الجهات (العامة والخاصة) تعترف بهذه «التقلبات الدولارية» بما يتوافق مع مصالحها عند حساب تكاليفها فقط، بينما تغض الطرف عن مصالح المواطنين وانعكاس هذه التقلبات على احتياجاتهم ومعيشتهم وإمكاناتهم الحقيقية على الطرف الآخر، خاصة في ظل التردي المعيشي المستمر ارتباطاً بمعدلات الأجور المعمول بها، والتي لا يتم مقارنتها لا من قريب ولا من بعيد لا بالاحتياجات الضرورية ولا بالتقلبات الدولارية، وقد سبق أن تم رفع أسعار وأجور بعض الخدمات والسلع خلال السنوات السابقة بشكل رسمي بنتيجة هذه المتغيرات والتقلبات تحت عبارات، مثل «تصحيح الأسعار» وغيرها، ناهيك عما يجري في السوق ناحية الأسعار وبشكل مباشر مع كل مُتغير وتذبذب بسعر الصرف.
مثال عن التعميم الرسمي
بهذا الصدد ربما تجدر الإشارة إلى خبر متداول مفاده أن هيئة المخابر التابعة لوزارة الصحة رفعت مؤخراً أسعار جميع التحاليل الطبية المخبرية في كل المخابر إلى نحو 50% من قيمتها.. الأمر الذي قد يخلق صعوبات على مستوى التعامل مع التأمين الصحي الخاص بالعاملين، حيث من المتوقع أن يتم استيفاء فارق التكلفة بين السعر الجديد والسعر المتفق عليه بموجب العقود الموقعة مع الجهات العامة من قبل العاملين المؤمن عليهم، وعلى حساب متطلبات احتياجاتهم ومعيشتهم الأخرى بالنتيجة..!.
فهل تبدو الخشية من تعميم التوجه بالتعامل مع «التقلبات الدولارية» من قبل الجهات العامة والخاصة مشروعة على هذا الأساس، أم أنها ليست بمحلها؟
ولمن سيلجأ المواطن المسحوق معيشياً ودولارياً، استغلالاً وفساداً، بالنتيجة؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 943