أسراب الثراء أمامهم أخضر وخلفهم يباس
موجات جديدة من ارتفاع الأسعار أتت على غالبية السلع والبضائع في الأسواق، والذريعة دائماً وأبداً هي ارتفاع سعر صرف الدولار الذي يلقي بأحماله على جيوب المفقرين وعلى معاشهم، وخاصة مع المتغيرات الأخيرة التي تجاوزت كل العتبات المتوقعة ولم تتوقف بعد، وكلّ الإجراءات المتَّبعة والتي تم الترويج لها على أنها حلول ذكية ومبتكرة.
تعاني الغالبية المفقرة من السوريين سلفاً من سوء الوضع المعيشي وترديه لدرجة الجوع والعوز، والذي يتجلَّى بتخفيض سلة الاستهلاك اليومي والشهري، كماً ونوعاً، ومع الارتفاعات الأخيرة على الأسعار، فإن ذلك يعني أن مزيداً من الضغوط المعيشية ستصيب هؤلاء، مع المزيد منها دون توقف وسقوف.
مزيد من الجوع والحكومة غائبة
الحديث عن أسعار السوق السوداء للدولار وسقوفه «المبخوشة» برغم الإجراءات الحكومية المتعاونة مع قطاع التجارة والصناعة أخذ حيّزه من النقاش والتفنيد عبر وسائل الإعلام، ومن خلال الكثير من الأحاديث المنقولة على ألسنة الخبراء الحكوميين وغير الحكوميين بهذا الشأن، أمّا الحديث عن الانعكاسات السلبية لتذبذب سعر الصرف صعوداً ودون توقف على عموم المواطنين، والمفقرين منهم بشكل خاص، فلم يتم التطرُّق له على المستوى الرسمي، بل يتم التغاضي عنه والتعالي عليه غالباً.
فإذا كانت بيانات المكتب المركزي للإحصاء قد أوردت أن نسبة 66,8% من السوريين غير آمنين أو معرضين لانعدام الأمن الغذائي، وذلك من خلال المسح الديمغرافي في عام 2017، فما هي النسبة الآن بعد كل ارتفاعات الأسعار التي جرت خلال عامين، وخاصة بالنسبة للمواد والسلع الغذائية؟!.
وما هي الإجراءات الحكومية التي من الممكن خلالها أن يتم تخفيض هذه النسبة، التي أصبحت مخيفة الآن بلا شك؟.
فمنذ سنين والحديث الحكومي الرسمي يقول أنْ لا زيادة على الأجور، وسيتم العمل على تحسين الوضع المعيشي من خلال ضبط الأسعار في السوق، فأين هذا الضبط في ظل هذا الانفلات المبرر «دولارياً»؟
وهل سيستمر التغنِّي الحكومي بالحديث عن الدعم ومبالغه المرقومة سنوياً، في الوقت الذي وصل فيه الناس لحدود الجوع؟.
توحش السياسات
الحكومة لا تعترف بالسعر الدولاري في السوق السوداء، فهو سعر «وهمي»، وعبارة عن تضخيم إعلامي «فيسبوكي»، لكن كل ما يتم تكبُّده من المواطنين على السلع والخدمات، يتم تقديره بهذا السعر الأسود الموهوم عملياً، في الوقت الذي يتم استنزاف الجيوب من قبل نفس الحفنة من كبار التجار والمستوردين الذي يتلاعبون بالأسعار «الدولارية وغيرها» كما بالبضائع والسلع المتحكم بها في السوق، أمام أعين الحكومة، بل مع الكثير من الدعم والتغطية، ومع الكثير من التجاوب مع متطلباتهم عبر المزيد من الامتيازات التي تحقق لهم المزيد من الأرباح، والذريعة أيضاً موجودة دائماً «الحرب والأزمة والحصار والعقوبات و..»، مع عدم إغفال كل أوجه الفساد المستتر والمعلن، بالإضافة إلى كل أشكال الغش والاحتكار و...
الأمر ليس غياباً غير مبرر للحكومة وأدواتها وأدوارها المفترضة، بل هو تخلٍّ رسمي عن هذه الأدوار تباعاً، وصولاً ربما إلى غياب دور الدولة التام عن حياة المواطنين ومعاشهم ومتطلباتهم وحاجاتهم، وهو ما يتوافق تماماً مع السياسات الليبرالية المتبعة، ومع مصالح مَنْ خلفها مِنَ المستفيدين منها تربحاً وفساداً.
فأين المفرّ..؟ وكيف للمواطن أن يستمر بالعيش في ظل هكذا أوضاع، وفي ظل هذا التخلي الحكومي عن الدور الرسمي المفترض؟.
لقد وصل الأمر بالسياسات المتبعة- مع غض الطرف الرسمي عما يجري، والدعم المفتوح لكل من هبَّ ودبَّ باحثاً عن جني الأرباح من جيوب الناس ومن مقدرات البلد- لمرحلة التوحش الذي أتى على الأخضر واليابس، تماماً كما سرب الجراد «أمامه أخضر وخلفه يباس».
أخيراً، ربما غير المشكوك فيه أنَّ «الجوع كافر»، ومن المؤكد بأنه لن تقف بوجهه أسراب الثراء، مهما تكالبت وعظم حجمها ودورها ووزنها، فهل من عاقلين قبل فوات الأوان؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 940