المناسبات وسياسات البؤس المعمم
لا شك أن مناسبات عيد الأم والمعلم، التي نعيش أجواءها «المبهجة» خلال الأسبوع الحالي، تعتبر فرصة مؤاتية للتجار، عسى يتحرك الركود الحاصل بالأسواق من خلالها، حيث تسابقت المحال التجارية في الإعلان عن التنزيلات على بعض بضائعها وسلعها، وخاصة محال الألبسة الجاهزة والجزادين والكنادر، بغاية استقطاب الزبائن.
وكذلك كانت تلك المناسبات فرصة أمام السورية للتجارة لتقديم عرضها للعاملين في الدولة، والمتضمن فتح باب التقسيط على التشكيلة السلعية المتوفرة في صالاتها بمبلغ 50 ألف ليرة، على أن يتم تسديدها لمدة 10 أشهر، وذلك خلال شهر آذار الحالي.
خارج سلسلة الانفاق
الاحتفال بهذه المناسبات، كما غيرها من المناسبات الأخرى، يعتبر جزءاً من تقليد اجتماعي متوارث، وهي فرصة اجتماعية سنوية للتعبير عن التقدير والاهتمام، المجتمعي والفردي، بالأم وبالمعلم، وقد لا يقتصر هذا التقدير والعرفان بالجميل بما يتم تقديمه من هدايا فقط، بل من خلال إقامة الاحتفالات أيضاً، سواء كانت جماعية في المدارس والصفوف للمعلمين، أو في البيوت بكامل أفراد الأسرة للأم ربة الأسرة، وحتى أحياناً لمن هم بمثابة الأمهات في بعض الأسر.
لكن واقع الحال يقول: إن الأسواق الراكدة لا يمكن لها أن تتحرك بما تشتهيه رغبات أصحاب المحال والتجار، أو كما ترغب به السورية للتجارة، وذلك لسبب أصبح واضحاً وضوح الشمس يتمثل بمستوى المعيشة المتردي في ظل تدني الأجور الحاد، مع الكثير من الأسباب الأخرى المرتبطة بالعنوان نفسه، إن كان على مستوى انخفاض معدلات الاستهلاك لكافة السلع، بما في ذلك الغذائية منها، أو توجيه الإنفاق لما هو أكثر ضرورة للبقاء، على مستوى الغذاء والدواء والكساء والخدمات و.. بحيث أصبحت المناسبات الاحتفالية في آخر سلسلة الانفاق الأسري، بغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال عن أهميتها ومقدار ما تحمله من تقدير واهتمام بأصحابها، أو ما تمثله من قيم.
مناسبات تفقد بريقها وأخرى إلى النسيان
النتيجة مع الأسف، أن مناسباتنا واحتفالاتنا فقدت بريقها ووهجها، برغم استمرار أهميتها واستمرار رغباتنا بإحيائها مع تقديم الهدايا الرمزية بها للمحتفى بهم، حيث بات غالبيتنا يقتصر على تقديم عبارة «كل عام وأنتم بخير.. مع أطيب التمنيات» فقط لا غير، بسبب قصر ذات اليد، بل بدأت بعض المناسبات والأعياد تدخل في بوابة النسيان بسبب مشاغلنا ومشاكلنا وأزماتنا اليومية، وما تُفرخه من ضغوط نفسية، تنسينا أسماءنا أحياناً.
وبعيداً عن الخوض حول أسعار السلع المعروضة في الأسواق بهذه المناسبات مع تفاصيلها المرتبطة بالنوعية والجودة والمكان، فلا الأوكازيونات والدعايات، وبغض النظر عن جديتها وصدقها، ولا فتح بوابات التقسيط على الأجور الهزيلة، قادرة على تغيير سلم أولويات الإنفاق الأسري، الذي أصبح موجهاً فقط للضروري والضروري جداً فقط لا غير.
فجاجة رسمية
أما الفجاجة الأكبر من كل ذلك، وبكل اختصار، فهي أن السياسات الحكومة نفسها هي التي عمدت إلى تجميد الأجور وصولاً لما آل إليه حال المستوى المعيشي لعموم المواطنين الذين أصبحوا مفقرين ومعوزين، بسببها وبسبب بقية السياسات المتبعة الأخرى.
ولعل مثال فتح باب التقسيط للعاملين في الدولة وفقاً لما ورد أعلاه من قبل السورية للتجارة، وأيضاً بغض النظر عن دورها وبعيداً عن تقييمه، يعتبر دليلاً فاقعاً وواضحاً على ما سبق ذكره حيال واقع الأجور والضرورات، فمبلغ الـ 50 ألف ليرة الذي يعتبر أعلى من متوسط الأجور الرسمي، سيتم تقسيطه على 10 أشهر، وبنفس الوقت فإن هذا المبلغ «المرقوم» بالكاد يمكن أن يغطي قيمة هدية فردية ليس إلا!.
فهل من بؤس معلوم ومعمم رسمياً أكثر من ذلك؟!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 905