الدقيق التمويني شبكات تهريب ومكاسب كبيرة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

الدقيق التمويني شبكات تهريب ومكاسب كبيرة

كميات كبيرة من الدقيق التمويني المهرب تم ضبطها رسمياً خلال شهر شباط الماضي، كان منها ست عمليات ضبط بكمية إجمالية تقدر بحدود 120 طنّاً من الدقيق المهرب، وبقيمة سوقية تقدر بحدود 350 مليون ليرة بالحد الأدنى، ولك عزيزي القارئ أن تتخيل الكميات التي يتم تهريبها بعيداً عن أعين الرقابة أو بالمواربة منها خلال أشهر السنة الكاملة، وما هي قيمتها الإجمالية الكبيرة المرقومة التي يسيل لعاب شبكة الفاسدين والمهربين لاستحواذها.

الضبوط الرسمية الستة كانت بتواريخ متباينة خلال شهر شباط الماضي، كما كانت مختلفة الكميات وبمناطق مختلفة، ولعله من الواضح أنها كانت تعد لاستخدامات متنوعة لاحقاً، حسب ما هو مبين أدناه:
61 كيس دقيق تمويني تم ضبطها في حمص داخل منشأة لتصنيع رقائق البسكويت.
55 طن دقيق تمويني تم ضبطها في حماة، داخل مستودع مع آلات درز وطابعة لتزوير منشأها.
18 طن دقيق تمويني تم ضبطها بريف دمشق، داخل مجرشة علف لتركيب خلطات علفية.
784 كيس دقيق تمويني تم ضبطها في ريف دمشق، داخل إحدى المداجن.
40 كيس دقيق تمويني تم ضبطها في طرطوس، داخل سيارة نقل.
34 كيس دقيق تمويني تم ضبطها في منطقة صافيتا، داخل مستودع لإعادة تعبئتها وبيعها.
دور المطاحن المُغيب
الحديث عن تهريب الدقيق التمويني والشبكة العاملة فيه والمستفيدة منه بحسب الكميات الكبيرة المضبوطة رسمياً أعلاه، وأنماط وطرق وغايات الاستخدام اللاحق لها، والقيم السوقية العالية المحققة منها، قد تشير إلى أنّ تهريب هذا الدقيق لا يقتصر على ما يتم تهريبه من المخابز والأفران فقط، كما يحلو للبعض أن يسوقه ويروج له، بل ربما على ما يتم تهريبه من المطاحن نفسها، سواء العامة منها أو الخاصة، فالكميات الإفرادية المضبوطة بتواريخ متباينة وبمناطق مختلفة أعلاه تعتبر أكبر من مخصصات أيِّ مخبز أو فرن، ناهيك عما تكشفه الحيثيات حول اعتماد بعض المنشآت على هذا الدقيق كمادة أولية، سواء على مستوى إعادة التعبئة أو إعداد الخلطات العلفية أو صناعة البسكويت، أو على مستوى غيرها من الصناعات والحرف المرتبطة بالدقيق.
بتاريخ 25/2/2018 صرح معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبر إحدى الصحف المحلية بالتالي: «لم يتم ضبط حالات تهريب للدقيق التمويني أو المازوت من المخابز الآلية العامة نتيجة وجود آلية رقابة وضبط تتابع كل مراحل النقل والتسليم والتصنيع» مؤكداً: «أن العقوبات التي تطال المخالفين بالمخابز الآلية العامة مشددة لمنع أية عملية تجاوز للقوانين والتلاعب بالمواد المدعومة».
التأكيد الرسمي أعلاه يبرئ ساحة المخابز العامة من عمليات تهرب الدقيق التمويني ربما، لكنه بالمقابل يعني أيضاً: أن إصبع الاتهام حيال عمليات التهريب الكبيرة يجب أن توجه اعتباراً من المطاحن نفسها، ولعل ذلك ما توضحه الأرقام أعلاه، وهي عينة مما تم ضبطه رسمياً، ولا شك أن ما خفي أعظم وأدهى على مستوى الكميات المهربة وغير المضبوطة.
الشبكات تتفلت من العقاب
البيّن، أن هناك فجوة كبيرة تعمل من خلالها شبكات الاستفادة والتكسب من الدقيق التمويني المهرب، ومن مصلحتها استمرار هذه الفجوة كي تستمر بحصاد الأرباح المرقومة سنوياً من عمليات التهريب الكبيرة تلك، والتي تقدر بالمليارات.
فمن الناحية العملية تنتهي مهمة مديريات حماية المستهلك عند عملية ضبط الكميات المهربة من الدقيق التمويني وتنظيمها بموجب ضبط رسمي، وتسليم الكميات المضبوطة من الدقيق المهرب إلى المطاحن مرة أخرى، ويُحال الضبط بدوره إلى القضاء لاستكمال الإجراءات القانونية وفرض العقوبات المنصوص عنها بموجب القوانين.
وبغض النظر عن العقوبات وشدتها وماهيتها، إلا أن مجمل العملية يقف عند حد تنظيم الضبط والإحالة للقضاء، وكفى الله المؤمنين شر القتال، حيث غالباً ما يكون المدان هو أحد أفراد الحلقة الأخيرة بسلسلة عمليات التهريب التي تجري، ما يعني استمرار شبكات الفساد والتهريب بعملها، واستمرار استنزاف الخزينة العامة وجيب المواطن، خاصة وأن المادة مدعومة بمئات المليارات سنوياً بحسب التصريحات الرسمية المكررة على مسامعنا.
هذه الآلية المعمول بها هي ما تساعد تلك الشبكات من التفلت من العقاب، ومع ذلك ما زالت عمليات الرقابة والضبط تتمحور حول الأفران والمخابز فقط، برغم أهمية هذه العمليات من دون شك.
يطول الحديث ربما عن شبكات الفساد والاستفادة والتكسب العاملة على هامش الرغيف المدعوم وبعمقه، فالموضوع لا يقتصر على الدقيق أو على الرغيف كمنتج نهائي، بل يبدأ اعتباراً من القمح نفسه، سواء كان منتجاً محلياً أو مستورداً. ولعل كامل حلقة إنتاج هذا الرغيف تحتاج لإعادة النظر، وخاصة على مستوى الرقابة والمتابعة والضبط، للحد من تطاول أيدي الفاسدين عليها نهباً وتكسباً بالمليارات سنوياً على حساب الدولة والاقتصاد الوطني والمواطن.

معلومات إضافية

العدد رقم:
903