أرصفة دمشق تُستلب رسمياً
لم نعد نستغرب مضمون بعض التصريحات الرسمية التي لا تعير المواطنين أي اعتبار، بل أصبحت تمر على مسامعنا مرور الكرام دون اكتراث أيضاً، لكن هناك بعض التصريحات التي لا بدّ من التوقف عندها لما فيها من فجاجة.
فقد صرح أحد أعضاء المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، عبر إحدى وسائل الإعلام، في معرض تبريره للغرامة المفروضة على السيارات التي تقف على بعض الأرصفة أن: «الهدف من فرض هذه الغرامة تخفيف الضرر عن الأرصفة، نتيجة وقوف السيارات عليها، والتي تكلف محافظة دمشق لإصلاحها عشرات الملايين».
انتهاك واستلاب للحقوق والسلامة
ربما لسنا بوارد الدفاع عن المخالفين بصف سياراتهم على الأرصفة المخصصة للمشاة، ولا بوارد النقاش حول الغرامة المفروضة بحقهم لقاء هذه المخالفة وقيمتها، فهذه الأرصفة هي حق للمشاة أولاً وآخراً، ومن المفروض على الجهات الرسمية الحفاظ على هذا الحق، ليس من قبيل الالتزام الأدبي بالواجبات فقط، بل من قبيل الحفاظ على السلامة الشخصية للمشاة باعتبار أن الأرصفة أصلاً مخصصة لهذه الغاية.
أما أن يكون التبرير والمسوغ في فرض الغرامة هو موضوع آخر بجوهره وغايته بحسب التصريح أعلاه، وهو تخفيف الضرر على الأرصفة والتكاليف المرتبطة بإصلاحها وصيانتها، دوناً عن الحفاظ على حق المواطنين بها والسلامة الشخصية التي من المفترض أن تؤمنه هذه الأرصفة لهم، فهو ليس خروجاً عن جوهر ومهام المحافظة فقط، بل هو تعالٍ على الحقوق وقفز عليها!
أما المؤسف أكثر فهو أن موضوع فرض الغرامة بمقابل مخالفة وقوف السيارات على الأرصفة تقتصر على بعضها في المدينة فقط، ما يعني أن البقية الباقية من الأرصفة في دمشق أصبحت منتهكة رسمياً.. هكذا في استلاب كامل لحقوق المواطنين بهذه الأرصفة ولسلامهم وأمنهم، حيث أضاف عضو مجلس المحافظة مزيداً من التبرير بهذا الصدد: «لا نملك مرائب كافية، كي نمنع المواطنين من الوقوف على الأرصفة، وكذلك لا نستطيع تأمين مواقف خاصة لجميع السيارات، ولهذا السبب حددنا بعض الأرصفة الرئيسية، كي تشملها الغرامة».
وكأن مسؤولية إيجاد المرائب للسيارات تقع على عاتق المواطنين من أجل إيجاد الحلول لها، وبما أنهم لم يجدوا تلك الحلول فيتوجب عليهم تحمل نتائجها وتوابعها، ولو على حساب سلامتهم وسلامة أطفالهم!.
وبجميع الأحوال فإن الأرصفة سلفاً منتهكة من قبل السيارات، وقد تمت شرعنة هذا الانتهاك رسمياً الآن.
استلاب معزز ومستمر
إنها ليست المرة الأولى التي تستلب فيها المحافظة حق المواطنين بأرصفتهم، فقد سبق لها أن فسحت المجال أمام المطاعم لاستغلال هذه الأرصفة عبر وضع كراسي وطاولات لاستقبال الزبائن فيها لقاء أجور ورسوم سنوية للمحافظة على حساب المواطنين المشاة وحقوقهم، كما تغض الطرف عن الكثير من التعديات التي تقوم بها المحال التجارية على الأرصفة أيضاً على حساب الحقوق العامة للمواطنين، ناهيك عن الأكشاك المنتشرة والمتسعة خارج نطاق المساحات المخصصة لها كذلك على حساب المواطنين وحقوقهم.
وكأن المحافظة لم يعد يعنيها من مهامها المرسومة سوى ما يمكن أن تجبيه من أموال لصالح صناديقها كموارد، ولو كان ذلك على حساب أياً كان، وتحت أية يافطة ذرائعية كانت، فتوسيع رقعة الاستثمار والبحث عن الموارد أصبحت هي الطاغية على عمل المحافظة، بعيداً عن مهامها الأساسية في الحفاظ على حقوق المواطنين ومصالحهم، ولعل الأمر يفتح القريحة للحديث عن الاستثمار في الحدائق والوجائب، وغيرها من الملكيات العامة ذات النفع العام، والتي أصبحت جميعها عناوين قابلة للاستثمار بها وللتربح من خلالها.
فمتى سيتم الكف عن انتهاك حقوقنا من أيدي العابثين بها، الرسميين وغير الرسميين؟