الحكومة وأزمة المشتقات النفطية
برغم «الطمأنة» الحكومية، ما زالت أزمة المشتقات النفطية قائمة وتفعل فعلها، ينتفع منها المستغلون وتجار الأزمة والفاسدون، فيما يحصد آثارها ونتائجها وتداعياتها المواطنون المغلوب على أمرهم، على حساب معيشتهم، بل وصحتهم، مع عدم إغفال عوامل الإذلال المباشر من أجل الحصول عليها، والمِنّة المكررة عن مبالغ الدعم عليها.
من الموقع الحكومي، وفي الجلسة المنعقدة بتاريخ 13/1/2019: «طمأن مجلس الوزراء المواطنين بأن أزمة المشتقات النفطية في طريقها إلى الانحسار، وعملية توزيعها مستمرة، وسيتم تعزيز الكميات خلال الأيام القادمة.. موضحاً أنه خلال الأيام القادمة سيلحظ جميع المواطنين أثر الإجراءات المتخذة على أرض الواقع».
بين الواقع والوعود
من مجريات الجلسة الحكومية، لقد: «أقر مجلس الوزراء «خطة بديلة» لتأمين كميات كافية من المشتقات النفطية عن طريق إبرام عقود جديدة تضاف إلى الكميات التي وصلت خلال الأيام الماضية والعقود الموقعة مسبقاً بهدف تعزيز المخزون، كما تم وضع تصور لزيادة الكميات وتخزينها لمنع أي تناقص مستقبلاً».
أسبوع من الزمن مر على الوعد الحكومي عن انحسار الأزمة، التي كان من المفترض أن يلحظها المواطن خلال أيام، ولكن دون جدوى من الناحية العملية، فما زالت السوق السوداء بأسعارها الاستغلالية هي الحكم والفيصل بين الوعد الحكومي وتأمين احتياجات المواطنين من مادة الغاز والمازوت، بالرغم من كل الحديث الرسمي عن المخالفات والإغلاقات والمصادرات، وما لمسه المواطنون من «إجراءات» لم تحل مشكلتهم، كما لم تعفهم من الاستغلال والإذلال.
وهكذا على ما يبدو ستمر الأيام والأسابيع القادمة لتخف وطأة الأزمة بشكلها الطبيعي من خلال انخفاض معدلات الاستهلاك التي ستترافق مع حلول فصلي الربيع والصيف، تماماً كما هي الحال كل موسم شتاء منذ أعوام طويلة، في ظل الاستمرار بنفس الوعود وبنفس آليات العمل والسياسات المسببة للأزمات.
إستراتيجيات ورؤى وبرامج خلبية
لن نعود كثيراً للخلف، فمن موقع وكالة سانا بتاريخ 17/7/2016، عن الاجتماع الذي ترأسه رئيس الحكومة مع وزارات الكهرباء والنفط والثروة المعدنية والاقتصاد والتجارة الخارجية ومصرف سورية المركزي، نقتبس: «وضعت الحكومة رؤية تنفيذية لتأمين متطلبات المشتقات النفطية ومستلزمات الطاقة في قطاعات الاستهلاك المنزلي والصناعي والكهربائي خلال الفترة القادمة مبنية على برامج قريبة ومتوسطة المدى ووفق أولويات محددة».
ومن موقع مجلس الشعب بتاريخ 6/2/2017، حول بدء أعمال دورته العادية الثالثة، ورد التالي: «فيما يخص تساؤلات بعض أعضاء المجلس حول خطط الحكومة وعملها وإستراتيجياتها وأدائها أوضح المهندس خميس أن: «هناك معاناة في الخدمات والكهرباء والمازوت والطاقة وهي من مفرزات الحرب، ولكن هناك خططاً وإستراتيجيات واضحة موضوعة من الحكومة»، وورد أيضاً: «لفت المهندس خميس إلى أن المواطن السوري عانى ويعاني البرد ونقص الكهرباء والغلاء الكبير وتحديات الحرب» متسائلاً: «هل السبب وراء واقع التحديات الذي وصلنا إليه اليوم هو الحكومة والدولة؟..»، موضحاً: «أن استيراد المشتقات النفطية لا يتم خلال يوم أو يومين.. مشيراً إلى أن هناك أولويات ولكن يتم حالياً إدارة الإمكانات الموجودة ضمن تراتبية معينة حتى تستمر الحكومة بمواصلة تقديم هذه الخدمات للمواطنين».
وخلال اللقاء مع أساتذة الاقتصاد في جامعة دمشق وعمداء كليات الاقتصاد في الجامعات السورية العامة والخاصة والإعلاميين الاقتصاديين في قاعة المؤتمرات في جامعة دمشق بتاريخ 9/4/2017، أشار رئيس الحكومة حول قطاع الطاقة إلى أن: «هذا الملف يحظى باهتمام حكومي بالغ، وإصلاحه هو أهم ملف بإصلاح العمل الحكومي، وتم توقيع اتفاقيات عديدة لإعادة البنى التحتية النفطية، وعقود طويلة الأمد لتأمين المشتقات النفطية».
وفي موقع سانا بتاريخ 8/12/2018 ورد التالي: «أقرت لجنة الموارد والطاقة في رئاسة مجلس الوزراء إستراتيجية وزارة الكهرباء المتضمنة زيادة استطاعة الشبكة الكهربائية 5 آلاف ميغا واط حتى العام 2023 لتلبية الطلب المتزايد، بالتوازي مع إستراتيجية وزارة النفط والثروة المعدنية لتأمين متطلبات توليد الطاقة الكهربائية من الغاز والفيول حتى العام 2023».. «وأكد رئيس مجلس الوزراء أن سورية مقبلة على إعادة الإعمار في جميع المجالات مما يتطلب وجود إستراتيجية مستقبلية لقطاع الطاقة واجتراح حلول وخطوات نوعية لمواجهة تحديات تأمين الطاقة».
أخيراً، ومن صفحة رئاسة مجلس الوزراء الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» بتاريخ 14/1/2018: «المهندس خميس يكلف مجموعة عمل تتضمن حاكم مصرف سورية المركزي ووزيري النفط والمالية ومكتب تسويق النفط لمتابعة توريدات المشتقات النفطية والاجتماع بشكل يومي لرصد المخازين الإستراتيجية لها منعاً لحدوث أي اختناق».
الكرة في ملعب السياسات
أخيراً، نتساءل كما غيرنا: إذا كانت الحكومة معترفة بأن: «المواطن السوري عانى ويعاني البرد ونقص الكهرباء والغلاء الكبير»، وبأن: «إصلاح ملف قطاع الطاقة هو أهم ملف بإصلاح العمل الحكومي»، فأين: «الرؤية التنفيذية لتأمين متطلبات المشتقات النفطية ومستلزمات الطاقة في قطاعات الاستهلاك المنزلي والصناعي والكهربائي»، وأين: «اجتراح الحلول والخطوات النوعية لمواجهة تحديات تأمين الطاقة»؟
فواقع الحال يقول: إن أزمة المشتقات النفطية مستمرة، والمستفيدون منها من تجار أزمة وفاسدين ما زالوا هم المتحكمون بالسوق السوداء استغلالاً لحاجات المواطنين، وعلى حسابهم، ومفردة «اختناقات» المتداولة رسمياً ما هي إلا محاولة لتغليف الأزمة وتقزيمها، ولتبرير التقصير الحكومي المزمن بحل المشكلة من جذورها، وبهذا الصدد ربما يحق لنا أن نعيد السؤال الذي طرحه رئيس الحكومة منذ عامين تحت قبة البرلمان في معرض الحديث عن أزمة المشتقات النفطية: «هل السبب وراء واقع التحديات الذي وصلنا إليه اليوم هو الحكومة»؟.
ولعل السؤال الأبسط والأعمق والأهم هو: هل من الممكن للسياسات المفرزة للأزمات أن توجد الحلول لها، علماً بأنها لا تقتصر على المشتقات النفطية فقط، أم أن الاستمرار بها لا يعني إلا خلق المزيد منها، والتي لا يدفع ضريبتها إلا المواطن المُفقر، كونها محابية لحيتان المال والفساد أصلاً؟!