تعال على الطلاب وهضمٌ لحقوقهم
أكد معاون وزير التعليم العالي مجدداً، بأن القرار الذي ألزم طلاب المرحلة الجامعية في التعليم العام «المجاني» المستنفذين والمفصولين، بدفع رسوم التعليم الموازي، بأنه: «صدر عن مجلس التعليم العالي ولا رجعة عنه».
التأكيد الجديد أعلاه، ورد عبر إحدى الصحف الرسمية بتاريخ 19/6/2018، على أرضية الاعتراضات المستمرة من الطلاب على مضمون القرار المجحف بحقهم.
هل القرار أهم من القوانين والدستور؟
تصريح معاون الوزير أعلاه يُظهر وكأن قرارات مجلس التعليم العالي ذات قدسية لا يمكن المساس بها، وبحيث لا يمكن الرجوع عنها، في الوقت الذي نشهد به تعديلات على بعض القوانين، وإحداث قوانين جديدة، وإلغاء أخرى، وفي الوقت الذي يتم الحديث عن الدستور السوري نفسه بنفس السياق.
فهل قرارات مجلس التعليم العالي مُحكمة التنزيل، وهي أهم من الدستور ومن القوانين، بحيث لا يمكن أن تخضع للنقد وإعادة النظر بها؟
فرز طبقي!
القرار أعلاه، ليس مجحفاً بحق الطلاب فقط، بل أتى ليُفرغ المرسوم الذي قضى بمنح الطلاب المستنفذين منذ عام 1995 فرصة عام دراسي كامل لاستعادة حياتهم الجامعية، من محتواه، وبحيث لا يستفيد منه بالنتيجة إلا شريحة محدودة من هؤلاء، هم القادرون على تسديد هذه الرسوم السنوية، مع استمرار فاعليته التنفيذية على كل الطلاب المستنفذين والمفصولين لاحقاً.
بمعنى آخر، فإن هذا القرار جيّر المضمون التنفيذي له، لمصلحة القادرين مادياً من الطلاب فقط، في آلية واضحة لتكريس الفرز الطبقي في التعليم الجامعي.
قفز وتعالٍ على الحقوق
الأكثر إجحافاً وتعالياً هو ما جاء على لسان معاون الوزير بقوله: «من غير المعقول أن تبقى الحكومة تتحمل تكاليف دراسة الطلاب المقصرين وغير المهتمين بدراستهم وبتحصيلهم العلمي».
فحديث المعاون أعلاه لا يكتفي بالتعالي على الواقع الصعب لهؤلاء الطلاب، وخاصة غير المتفرغين بشكل تام للدراسة، الذين فرض عليهم العمل من أجل لقمة العيش، بالتوازي مع إمكانية تحقيق طموحهم بالتعلم والتحصيل العلمي بالمرحلة الجامعية، بل بالحكم على هؤلاء بعدم الاهتمام والتقصير، هكذا..
أما الحديث عن تحمل الحكومة لتكاليف الدراسة، فهو أمر فيه الكثير من التوجس على مستوى استراتيجيات وخطط وزارة التعليم العالي ومجلسها، ليس بالنسبة للقرار المجحف أعلاه فقط، بل وبتوجهها العام وفقاً للمضمون التنفيذي لقراراتها المتتابعة، سواء عبر تجفيف جوهر وغاية التعليم المجاني تباعاً من خلال إحداث أنظمة التعليم المأجور، أو من خلال سياسات القبول الجامعي، أو من خلال إبداعات السنة التحضيرية، وغيرها من القضايا الكثيرة الأخرى، بمقابل تشجيع الجامعات الخاصة والتعليم المأجور الذي لا يستطيع تحمل تكاليفه إلا الميسورون من أبناء الشريحة المترفة، الأمر الذي لن يؤدي إلّا للمزيد من الفرز الطبقي.
الحقوق المصانة
أخيراً، نقول: إن التعليم المجاني، بالمراحل الدراسية كافة، هو حق مصان دستورياً، ولا منّية فيه لا للحكومة الحالية ولا لسواها من الحكومات، السابقة أو اللاحقة، فليست الحكومة هي من تتحمل تكاليف التعليم المجاني أو غيرها من النفقات الأخرى، وكأنها تأتي تبرعاً وتعطفاً من جيوب وزراء الحكومة، بل هي خزينة الدولة التي يتم تغذيتها من جيوبنا وعلى حساب معيشتنا وتعبنا، والحكومة تعتبر مؤتمنة على هذه الخزينة وليست وصية عليها، وكل ما يصدر بخلاف ذلك هو مخالفة واضحة وصريحة للدستور ولهذا الائتمان، وهو خاضع لإعادة النظر به والتراجع عنه، بل والمحاسبة عليه، فلا قدسية أعلى من قداسة الحقوق المصانة التي دُفعت بمقابلها أثمان باهظة من التضحيات الشعبية من أجل الوصول إليها.
فكفى تعالياً على أوجاعنا وهمومنا، وكفى استنزافاً واستلاباً لحقوقنا، عبر تكريس المزيد من سياسات الفرز الطبقي المحابية لمصالح الأغنياء على حسابنا وعلى حساب أبنائنا ومستقبلهم.