أرباح التصدير تُغلفها السورية للتجارة
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

أرباح التصدير تُغلفها السورية للتجارة

إيجاد آلية لتسويق المحاصيل الزراعية، داخلاً وخارجاً، بما يحقق تأمين كفاية الحاجة المحلية بالسعر المناسب وتصدير الفائض منها، وبما يؤمن للفلاح تغطية تكاليف العملية الإنتاجية، ويضمن له مستوى معيشياً مناسباً يكفل إمكانية الاستمرار بالإنتاج، كانت وما زالت تعتبر من المطالب الملحة والمكررة بكل موسم زراعي.

 

وعلى الرغم من ذلك ما زالت هذه المشكلة قائمة، كما مازال الفلاح والمستهلك ضحية آليات العمل القائمة على عمليات التسويق المعمول بها، في ظل استمرار هيمنة أشكال الاستغلال المختلفة على هذه العملية، سواء من قبل المسوِّقين داخلاً المتمثلين بسماسرة أسواق الهال، أو من قبل التجار القائمين على عمليات التصدير.
التصدير باسم السورية للتجارة
الأخبار الرسمية الأخيرة، تقول: إن السورية للتجارة دخلت على خط التسويق الخارجي تصديراً لبعض المنتجات والمحاصيل الزراعية، وذلك عبر عقد بعض الاتفاقات مع بعض المصدرين للأسواق المجاورة، عن طريق وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
فقد اجتمع وزير التجارة الداخلية مع عدد من كبار التجار ومصدري الخضار والفواكه، الذين يعملون في مصر والكويت، وتم الاتفاق على إنشاء شركة مشتركة بين السورية للتجارة وهؤلاء التجار لتصدير الفائض من المنتجات إلى خارج سورية، كما ستقدم الوزارة التسهيلات كافة اللازمة لهم، ومنها: إقامة خط فرز وتوضيب ومركز لاستلام العينات وتسليم الشهادات المخبرية للمنتجات التي تحتاج إلى شهادة مخبرية لتصديرها في سوق الهال بالزبلطاني لتسهيل عمليات التصدير.
كما اجتمع الوزير مع فعاليات اقتصادية إيرانية لمناقشة تسويق المنتجات الزراعية السورية، وتصديرها إلى الأسواق الخارجية، وتم الاتفاق على المباشرة بتصدير محصول البطاطا السوري خلال عشرة أيام من تاريخه كمرحلة أولى ريثما تتم دراسة تشكيل شركة مشتركة بين السورية للتجارة ومجموعة العمل الإيرانية، لتصدير الفائض من المنتجات الزراعية السورية إلى دول مختلفة بمساعدة إيرانية، على أن تقوم المؤسسة السورية للتجارة بعمليات الفرز والتوضيب والتعبئة والتخزين في وحدات التبريد التابعة لها، بينما يقوم الجانب الإيراني بنقلها إلى الوجهة التصديرية.
كما تم خلال الاجتماع مناقشة تأمين عبارة بحرية تعمل بطريقة RO-RO (شحن البرادات كما هي) واستئجار طائرة شحن بحمولة /40/ طن لنقل المنتجات الزراعية إلى خارج سورية بشكل مستمر.
مصلحة المصدرين أولاً
الخبر أعلاه، يبدو من خلاله أن السورية للتجارة قد دخلت على خطوط عمليات التصدير لحل مشكلة فائض الإنتاج الزراعي المزمنة، التي يعاني منها الفلاح، إلا أن حيثيات الاتفاقات تشير إلى أن هذا التدخل هو في مصلحة المصدرين، الشركاء للسورية للتجارة بهذه العملية، مع الكثير من التسهيلات بما يضمن الأرباح التصديرية التشاركية أولاً وآخراً.
أما الملفت، فهو: توقيت هذه الاتفاقات، ومواعيد تنفيذها، بالتزامن مع قرب حلول شهر رمضان، ما يعني أن المستهلك على موعد مع ارتفاع جديد بأسعار المنتجات الزراعية المتفق على تصديرها خلال هذا الشهر بالنتيجة، وخاصة البطاطا، ناهيك عن أن هذا الشهر أصلاً يعتبر فرصة أمام تجار أسواق الهال لفرض أسعارهم، سواء على الفلاحين أو على المستهلكين.
لنتساءل كما غيرنا، عن دور السورية للتجارة التدخلي بهذه العملية، ولمصلحة من يصب بالنتيجة؟
دعاية حاجة الاستهلاك المحلي
لعله بات من المفروغ منه، أن جزءاً هاماً من المنتجات الزراعية التي كانت تستهلك محلياً قد أصابها التقلص والتراجع، وذلك بسبب أساسي: هو: ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين، ما أدى إلى تراجع الاستهلاك بشكل عام واقتصاره على الضرورات وبالحدود الدنيا.
فقد خرجت اللحوم الحمراء، وخاصة غنم العواس، بالإضافة إلى الفواكه، من قائمة الاستهلاك اليومي لدى المواطنين تباعاً وبشكل نهائي، وخاصة خلال السنوات الأخيرة، كما تراجعت معدلات الاستهلاك على المنتجات والسلع الأخرى، مما فاقم من مشكلة فائض الإنتاج لدى الفلاحين، وفسح المجال واسعاً للمزيد من الاستغلال على حسابهم، كما على حساب الإنتاج الزراعي بالنتيجة، وصولاً لترك بعض المحاصيل دون قطاف، أو لقطع الأشجار المثمرة، وهجرة الأرض والعمل الزراعي.
على ذلك، فإن الحديث الرسمي عن تأمين احتياجات الاستهلاك المحلي من المنتجات الزراعية، وتصدير الفائض منها، وفقاً لما هو سائد وقائم، ليس إلا ذراً للرماد في العيون، في ظل استمرار تراجع معدلات الاستهلاك، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، بالمقارنة مع الأسعار المتحكم بها في الأسواق، وفي ظل الاستمرار بسياسة تجميد الأجور الرسمية، التي أوصلت المواطنين لحال الفقر والعوز والجوع.
تراجع الإنتاج الزراعي
على ما يبدو ستبقى هذه المشكلة قائمة، كما سيستمر تراجع الإنتاج الزراعي، وذلك بسبب غياب الخطط الزراعية المتكاملة، نوعاً وكماً وإنتاجاً وتسويقاً وسعراً، أو لنقل عشوائيتها، وصولاً لما بات يروج الآن من تشجيع على استبدال الزراعات القائمة، بغيرها من الزراعات ذات الطبيعة التصديرية، بذريعة تحقيق الجدوى الاقتصادية للفلاحين، بغض النظر عن الاحتياجات المحلية، وربما بغض النظر عن المحاصيل الاستراتيجية أيضاً، والتي تعتبر جزءاً من مكونات الأمن الغذائي الوطني، وكل ذلك بغاية تحقيق المزيد من الأرباح في جيوب كبار المصدرين والمستوردين، والمزيد من التحكم والاحتكار من قبل تجار أسواق الهال، وأيضاً بسبب استمرار تراجع الدعم عن الإنتاج الزراعي وحمايته، وخاصة على مستوى تأمين مستلزماته، بما يفسح المجال لاستمرار العملية الإنتاجية ولإعادة الإنتاج، بدلاً من توقفها عجزاً بسبب الخسائر المستمرة التي يتكبدها الفلاحون كل موسم وكل عام.
أخيراً، ربما يسعنا القول للحكومة عبر السورية للتجارة ودورها التشاركي بعمليات التصدير التربحية المزمعة: ما هكذا تورد الإبل!