التهريب.. «تراخٍ» والخزينة أكبر الخاسرين
بعد انتشارها بشكل كبير، واعتياد المواطنين على تداولها، تدخلت مديرية التجارة الداخلية في حمص متأخرة، لتضبط كميات كبيرة من المياه المعبأة والمهربة من لبنان إلى المحافظة، تبين أنها «غير صالحة للاستهلاك البشري» نظراً لارتفاع تعدادها الجرثومي.
سكان حمص اعتادوا على هذه المياه، وأكدوا للصحف المحلية التي رصدت الظاهرة، أن سعر هذه العبوات وطعمها لا يختلف عن المياه السورية (فيجة وبقين) التي «لا تصل المحافظة رغم كثرة الطلب عليها» على حد تعبيرهم، أي: أنها المياه المهربة لم تجد حتى منافساً، ومن عمل على تهريبها كان مرتاحاً جداً واستطاع إغراق السوق بها دون رادعٍ، حتى وصلت هذه المياه إلى «مقاصف وأكشاك الكليات» بحسب السكان.
قانون لِدسّ التجاوزات
عبوات المياه هذه كشفت فعلاً حجم تقصير الجهات المسؤولة عن ضبط التهريب، الذي انتشر مؤخراً لمواد مختلفة، منها: غذائية وأخرى صحية، كالأدوية إضافة للملابس وصولاً للمخدرات، وباعتراف تلك الجهات لا يمكن بحسب الآلية المتبعة ضبط المهربات كلها، حيث قال مصدر في مديرية الجمارك لصحيفة «تشرين»: إن الكشاف الذي يكشف على البضائع يقوم بكشف 10% من البضاعة فقط و90% من البضاعة الأخرى تكون من مهمة المخلص الجمركي الذي يتم تجريمه في حال التأكد من وجود تجاوز.
المصدر الذي لم يفصح عن اسمه قال: إن «هذا التشريع الخاص بكشف 10% فقط من البضاعة الذي تم إقراره مؤخراً من قبل إدارة الجمارك لم يوضع إلا من أجل دسّ التجاوزات، وضمان دخول المواد المهربة بشكل قانوني»، مشيراً إلى وجود 16 معبراً غير شرعياً في سورية.
مؤشرات على «التراخي»
في إشارة أخرى إلى وجود تراخٍ من قبل ضباط الجمارك بخصوص عمليات التهريب، كشف الآمر العام للضابطة الجمركية العميد سعيد صبيح مؤخراً، عن حركة تنقلات في الضابطة الجمركية طالت نحو 30 ضابطاً، منهم رؤساء ضابطات جمركية ورؤساء مناطق جمركية، مبيناً، أن حركة التنقلات تأتي «في إطار تطوير وتصويب العمل الجمركي، واختيار القيادات الأكثر كفاءة، والحد من حالات أو مظاهر لبعض المخالفات والتجاوزات».
إن كانت المهربات يمكن أن تعبر الحدود بهذه السهولة عبر المنافذ الشرعية، فكيف هي الحال في المنافذ غير الشرعية؟، ربما أرقام الضبوط يمكن أن تجيب أكثر، حيث كشفت حصيلة الشهر الماضي من القضايا المحققة في الضابطة الجمركية عن 157 قضية بقيمة 190 مليون ليرة، في حين بلغت قيمة الغرامات المتوجبة على هذه القضايا نحو 906 ملايين ليرة، منها: نحو 200 مليون ليرة تم تحصيلها، بينما لم يتم تحصيل 706 ملايين ليرة.
أهم المواد المهربة الشهر الماضي، شملت 41 قضية مواد غذائية بقيمة 20 مليون ليرة و18 قضية ألبسة بقيمة 123 مليون ليرة ونحو 6 قضايا لتهريب أدوية بقيمة 3.2 ملايين ليرة، و8 قضايا خردة بقيمة 2.5 مليون ليرة في حين تم تحقيق قضيتي دخان وقضية لتهريب الغاز.
تشير الضبوط أعلاه إلى عدم قدرة جهاز الضابطة الجمركية على ضبط حجم المهربات الكبير، إضافة إلى تراخي وزارة التجارة الداخلية بهذا الصدد، فقضيتا تهريب الدخان فقط خلال شهر، وسط انتشار كبير للدخان المهرب في الأسواق، تعتبران مؤشراً واضحاً لذلك، في ظل وجود أسواق تعتمد بحد ذاتها على هذا النوع من المهربات مثل: «السومرية».
من المؤشرات أيضاً، انتشار أنواع أخرى من المهربات في الأسواق مثل: المفرقعات، حيث أعلنت الضابطة الجمركية نهاية آب الماضي عن ضبط شاحنة تحمل نحو 250 كيلو غراماً من الألعاب النارية والمفرقعات كانت تتجه إلى أسواق دمشق، قيمتها مع الغرامات نحو 5 ملايين ليرة، وهي الضبط الثاني فقط للضابطة منذ بداية العام لهذا النوع من المهربات، علماً أن هذه الشاحنة دخلت الحدود وكانت في طريقها إلى دمشق، أي: أنها كادت تصل إلى الأسواق كما وصل غيرها.
التهريب بالأرقام الرسمية
ووصل عدد القضايا التي حصلت الجمارك رسومها وغراماتها منذ بداية العام للغذائيات 327 قضية بقيمة 160,9 مليون ليرة برسوم محصلة بقيمة 42,4 مليون ليرة وغرامات محصلة بقيمة 569 مليون ليرة سورية، إضافة إلى 38 قضية أدوية بقيمة 27,9 مليون ليرة سورية، برسوم محصلة بقيمة 5,6 ملايين ليرة وغرامات محصلة بقيمة 98,9 مليون ليرة سورية و3 قضايا عملات ومعادن وآثار بقيمة 4 ملايين ليرة برسوم محصلة بقيمة 1,7 مليون ليرة وغرامات محصلة بقيمة 17,5 مليون ليرة و124 قضية ألبسة بقيمة 70,2 مليون ليرة سورية، ورسوم محصلة بقيمة 20,9 مليون ليرة وغرامات محصلة بقيمة 209 ملايين ليرة سورية.
هذا ما يضيع على الخزينة
في دراسة صدرت العام الجاري في شهر أيلول بعنوان «أثر التهريب على الاقتصاد السوري»، تبين أن التهريب يضيع على الخزينة العامة كحد أدنى 600 مليار ليرة، ما بين التهريب في الاستيراد أو التصدير، وأن الاقتصاد السوري خسر نحو 6 مليارات دولار خلال 2015 بسبب هذه الظاهرة السلبية.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن حجم الصادرات السورية في عام 2015 بلغ حوالي 600 مليون دولار، لكن التقديرات غير الرسمية تبين أن حجم الصادرات بلغ حوالي 1,8 مليار دولار، أي: أن 1,2 مليار دولار خرجت تهريباً (66% من الصادرات السورية خرجت بطرق غير مشروعة)، مثل: غنم العواس والخضار وغيرها.
ويفرض القانون على الصادرات رسماً يبلغ واحداً بالألف من قيمة الصادرات، ما يعني أن الصادرات المهربة فوتت 1.2 مليون دولار، كان من الممكن أن تنفقها الحكومة على دعم الصادرات أو نشاطات أخرى.
وبحسب الدراسة، بلغت قيمة المستوردات في عام 2015 أقل من مليار دولار، لكن بيانات mirror data تبين أن المستوردات السورية خلال العام نفسه تقارب 3 مليارات دولار، ما يعني أن سلعاً بقيمة 2 مليار دولار دخلت سورية بطريقة غير نظامية، وباعتبار أن معظمها سلعاً استهلاكية فإن رسومها تبدأ من 5% وتصل إلى 30%، ما يعني تقريباً أن رسوماً جمركية تقدر بحوالي 200 مليون دولار خسرتها الخزينة، كان من الممكن أن تستخدمها الحكومة أيضاً في مشاريعها الخدمية والتنموية وغيرها.
قد تكون أخطر المهربات حالياً، هي الأسلحة والمخدرات، ولا توجد إحصائيات رسمية عن الأولى، بينما بينت الإحصائيات المعلنة حتى الشهر السادس من العام الجاري بحسب وزارة الداخلية، ضبط 612,923 كغ حشيش، و11,507 هيروئين مخدر و30 غرام كوكائين مخدر، و850 غرام الأمفيتامين، و1,70 كغ مسحوق أوراق الحشيش، و43 غرام ماريجوانا، و843504 حبات كبتاغون، و10683251 حبة من حبوب دوائية نفسية، و90 غراماً مواد أولية لصناعة المخدرات، وهذه الأخيرة تشير إلى وجود عمليات تصنيع المخدرات ضمن سورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 831