سكان (شام المعارف).. مهجرون طي النسيان!
هي منطقة يخال من يبصرها للمرة الأولى أنها خارج التاريخ والجغرافية السورية.عدة أبنية متقاربة، أشبه بجزيرة نائية، تحوطها الأراضي المقفرة من كل الجهات، وتبعد عن أقرب دكان أو محل تجاري مسافة آلاف الأمتار من الجرود، التي لا تصل إليها خدمات البلدية أو وسائل المواصلات، وتقطنها عشرات الأسر المهجرة من داريا، والمكونة من مئات النساء والأطفال والعجزة، وقلة قليلة من الرجال يتقاسمون معاً ظروف حياة، أقل ما يقال عنها أنها مأساوية، فلا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحي، وقائمة طويلة مفقودة من أبسط مقومات الحياة الإنسانية.
ففي جنوب صحنايا وقريباً من مدرسة شام المعارف الخاصة، وجدت عشرات الأسر مأوى لها في بضع شقق «على العضم»، لتصبح هذه الشقق غير المجهزة ورغم افتقارها إلى الخدمات ملاذهم الوحيد الذي يقيهم من أن يفترشوا الطرقات، ويناموا في العراء مع أطفالهم.
مأساة تتحدث!
بيوت هي أبعد ما يكون عن المنازل البشرية، فما إن تألف عيناك ظلمتها «الناجمة عن الانقطاع شبه الدائم للكهرباء» حتى تبصر الأرضية الإسمنتية الخشنة التي تغطيها النسوة بما تيسر من حصر بلاستيكية وصفائح كرتون، علها تحمي أرجل الأطفال من النتوءات الحادة، ونوافذ مغطاة بقطع من البطانيات حائلة الألوان بفعل حرارة الشمس، وقطع أثاث مرتجلة من ألواح الخشب وحجارة البناء، توضع عليها أدوات الأسرة وممتلكاتها البسيطة، التي لا تتعدى بضعة فناجين وأوعية وأمشاط وبقايا من ألعاب الأطفال، ولا شيء أكثر، وبالطبع فمن المستبعد أن تجد ثلاجة أو غسالة أو تلفازاً، إذ باتت بالنسبة إليهم كماليات بعيدة المنال، في حين تتركز مساعيهم الأكثر إلحاحاً على تأمين خزان للمياه أو أسطوانة غاز للطهو، أو مستلزمات للأطفال.
إهمال لا يخفى على أحد!
لا تتوقف معاناة الأسر المهجرة عند هذا الحد، فالخدمات لا تصلهم إلا بحدودها الدنيا، إذ أن صهريج مياه واحد يخدم جميع السكان، ولا يأت إلا لماماً ويكلفهم نفقات أكبر مما يطيقونه، وسيارة القمامة التابعة للبلدية لا تأخذ نفاياتهم إلا إذا دفعوا لها مبلغاً من المال، كما لو أن كل ما يعانونه لا يكفي لتؤدي بلدية صحنايا أبسط واجباتها تجاههم، أضف إلى ذلك أن الطريق إلى مساكنهم يخلو من أية وسيلة مواصلات، رغم بعدها عن المناطق المأهولة، إلى جانب معاناة الأطفال من بعد مدارسهم، وطرقها غير المعبدة، التي تتحول إلى برك من الوحل مع أول تساقط للأمطار، وهو ما تؤكده طفلة في السابعة مصرّة على أنها لا تريد الذهاب إلى المدرسة هذه السنة لأنها تُرهق من المشي وتخشى الكلاب الضالة.
وعن الجمعيات حدث ولا حرج!
السؤال عن دور الجهات المعنية بالعمل الإنساني في تحسين واقعهم أو تزويدهم بما يلزم من أساسيات الحياة أثار حفيظة النساء المنهكات، فالجمعيات ومنها على سبيل المثال لا الحصر منظمة الهلال الأحمر وجمعية البركة، لم تقدم لهم شيئاً يذكر سوى الزيارات والوعود والتقاط الصور لبؤسهم اليومي قبل أن تذهب بعيداً، ما يضطر الأهالي إلى طرق أبوابها مراراً، واستجداء المعونات، رغم المعاملة التي تفتقر إلى الاحترام.
«يشحدون علينا ولا يعطوننا من الجمل أذنه».. عبارة مقتضبة تختصر بها إحداهن واقع الجمعيات اليوم.
وين نروح؟
سؤال مؤلم تطرحه عشرات النسوة الحائرات اللاتي يفتقدن المعيل، فمدينتهن داريا غدت أثراً بعد عين، ورجالهن بين قتيل ومفقود، وفي عنق كل واحدة منهن مسؤولية بضعة أطفال.
ورغم أن البعض منهن يعملن في المعامل، إلا أن أجورهن زهيدة بالكاد تكفي قوت أسرهن، وليس في وسعهن استئجار بيوت أو البحث عن بدائل.
كل الحلول تبدو بعيدة المنال، والجهات المعنية تغالي في إهمال هؤلاء المهجرين، كما لو أنه كتب عليهم أن يستسلموا لمصيرهم المجهول.
«لسنا متمسكين بهذا المكان، فهذه البيوت هي ملك أصحابها وحق لهم» تؤكد إحدى النساء «كل ما في الأمر أننا نريد بديلاً نلوذ به مع صغارنا، حتى لو كان بيتاً على العضم أو خيمة على أنقاض بيوتنا في داريا، إلى أن نعيد بناءها بأيدينا».
حل لا يرضي الجهات المعنية، وسط تداول شائعات حول مشاريع تهدف إلى استثمار داريا، وتستبعد ضرورة عودة أهلها المهجرين إليها، كما لو أنهم ليسوا ضمن حسابات إعادة الإعمار.
فما مدى صحة هذه الادعاءات، وهل يعقل أن تسلم مدينة بأكملها إلى المستثمرين الأثرياء، في حين يعاني أهلها المهجرون ويلات التشرد والفقر؟.
أليس حرياً بالجهات الرسمية، بعد أن تم استعادة داريا من الإرهاب، أن تسمح بعودة أهلها إليها، بدلاً من تشريدهم هنا وهناك؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 825