تحسين المستوى المعيشي (جديد الحكومة).. والسوريون يزدادون فقراً!!
"مقاربة تنموية تدخلية"، تبنتها الحكومة خلال عام 2014، والتي تقوم على مجموعة من الأهداف ذات أبعاد ثلاثة، ومن بين تلك الأهداف تحسين المستوى المعيشي، وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين
وهذا يوحي – شكلاً - باختلاف جذري واستراتيجي في سياسات الحكومة، ويعطي انطباعاً باهتمام زائد بتحسين معيشة السوريين، إلا أن هذا الانطباع إذا ما صدق، فإنه يستدعي التساؤل: إذا ما كان الشغل الشاغل للحكومة هو تحسين المستوى المعيشي، وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين، فما كانت أهدافها في السابق إذا؟! ألم تكن السياسات الاقتصادية في خدمة التنمية والمواطن السوري سابقاً؟!
لم يكن هذا الطرح بالجديد من حيث الشكل، حتى وإن اتفقنا أنه لم يكن له انعكاس فعلي ايجابي على السوريين في العقد الماضي رغم كثرة الحديث الحكومي عنه، رئيس الحكومة الأسبق محمد ناجي عطري لفت خلال ترؤسه مجلس الوزراء مرات عدة إلى توجه العمل الحكومي نحو تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، معتبراً أنها من أولوياتها، إلا أن المواطن لم يتلمس يوماً أي تحسن في المستوى المعيشي، فالمنطق واحد، والعبارات والتصنيف بقائمة الأولويات هو ذاته، ولكن هل سيطرأ أي تحسين في المستوى المعيشي للأغلبية الساحقة من السوريين؟! إن لم نقل أن المطلوب اليوم ليس تحسين المستوى المعيشي لهم، لأن ذلك يوحي بانتقال شرائح واسعة من الشعب السوري من حال إلى حال أفضل، بينما الواقع يقول بضرورة انتشال شرائح كبيرة من تحت خط الفقر، وخاصة بعد نزوح ملايين السوريين من منازلهم وتوجههم إلى محافظات أخرى، وهم يصنفون اليوم في خانة المحتاجين لمساعدات غذائية يومية..
تخفيض الأسعار "بشخطة قلم"
إن تحسن المستوى المعيشي يقاس دائماً من خلال علاقة الدخل والأسعار بالنسبة لشريحة واسعة من السوريين، وإذا ما كانت الحكومة جادة في سعيها لتحسين المستوى المعيشي للسوريين، فإن أولى خطواتها على هذا الصعيد هي إزالة العقبات الكبرى من أمام هذا التوجه، عبر خفض أسعار المواد الأساسية التي تمتلك الحكومة قرار رفعها وتخفيضها، لأنها تؤثر بشكل مباشر على عمليات الإنتاج، وعلى السعر النهائي للسلع والمواد المنتجة محلياً، كخفض أسعار المشتقات النفطية، والتي يعد تخفيضها البوابة الرئيسية لتحسين المستوى المعيشي، لأنها تشكل أساساً لتسعير شريحة واسعة جداً من السلع الأساسية، كأجور النقل، وتكاليف التدفئة، وأسعار طيف واسع من السلع الغذائية، بينما ما نراه في الواقع، هو إصرار على قرار رفع أسعار المشتقات النفطية، والتحدث عن الدعم الكبير لتلك المشتقات بين الحين والأخر، بينما الموازنة العامة تتحدث عن دعم بقيمة 40 مليار ل.س في عام 2014، وزياد الأعباء الضريبية على ذوي الدخل المحدود، ورفع تكاليف الاتصالات، وجميعها بيد الدولة قبل التاجر، فإذا ما كانت الدولة عاجزة عن ضبط الأسعار، فإن عليها بالدرجة الأولى إسقاط مبررات وذرائع ارتفاع أسعار السلع الأساسية الأخرى، وعلى الدولة أن تتحمل تبعات العجز الحالي، لا أن يحمّل لأغلبية الشعب السوري، فإذا كانت أسعار بعض المواد الغذائية ترتبط بالتاجر والمستورد والإجراءات الحكومية لضبطها وخفض مستويات أسعارها، فإن هناك من المواد الأساسية ما هو تحت سيطرة القرار الحكومي المباشر، وبإمكانها تخفيض أسعار "بشخطة قلم"، بما توفره من أرضية صحيحة وسليمة تساهم في تحسين المستوى المعيشي للسوريين إذا ما أرادت الحكومة ذلك فعلياً..
التسعير الإداري على المحك..
لم يثمر قرار التسعير الإداري عن نتائج جدية يتلمسها المواطن على أرض الواقع، بعكس ما يروج له البعض، وهذا ما جعله تحت مقصلة الاختبار، كما أن التجار لم يستسيغوا هذا القرار الحكومي، وهم يسعون جاهدين لإفشاله، وهذا ما نحن متأكدون منه، وهناك جهات فاسدة ضمن الجهاز الحكومي تسعى لإفشال هذه التجربة، ووأدها منذ انطلاقتها، وكان تناقل الصحافة خبر إرسال مجموعة من التجار ورجال الأعمال إلى وزير التجارة الداخلية يلتمسون منه الموافقة على طلبهم بوقف قرارات التسعير، وتلميح البعض الآخر بتهريب السلع الغذائية إذا لم توقف التجارة الداخلية تنفيذ قرارات التسعير بما يصب في السياق ذاته، وبما سيشكله هذا من عامل ضغط على الحكومة، ولكن، هل سترضخ الحكومة لمثل هذه الضغوطات مستقبلاً؟! وهل ستوقف قرار التسعير الإداري أم أنها ستعتبره تحدياً عليها أن تتجاوزه بنجاح؟! عبر توفيرها البيئة والأرضية والمقدمات الملائمة والمناسبة لإنجاح هذا القرار؟! عبر انعكاسه الايجابي على الأسعار وعلى معيشة السوريين!!..