من هو المشغل الخفي للمطابخ الخيرية؟

من هو المشغل الخفي للمطابخ الخيرية؟

أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية حملة «لقمتنا سوا»، للعام الثالث على التوالي، هذه الحملة غير واضحة التفاصيل الإدارية لجهة دور وزارة الشؤون فيها، إذ تضم حوالي 113 فريقاً تطوعياً وجمعية بحسب إعلان الوزارة، علماً أن هذه الجمعيات والفرق تعمل بشكل مستقل سواء في جمع التبرعات أو توزيع الوجبات أو حتى استقطاب المتطوعين.

بشكل عام، رمضان الحالي شهد ضخاً إعلامياً كبيراً من قبل هذه الجمعيات والفرق، وأغلب الضخ كان يعتمد على تلميع صورة مسؤول الفريق والقائمين عليه، ويستفيد منها بشكل غير مباشر المشغل الرئيس، مع دعايات تجارية لبعض المنتجات، حيث استغل التجار هذه الحملات للترويج لمنتجاتهم.
استجرار العطف
يقول مصدر في إحدى الفرق التطوعية لـ قاسيون: إن الفريق خصص «مكتباً إعلامياً» منذ عامين، مهمته العمل على استجرار عطف المواطنين لجذب التبرعات ووضع أخبار الفريق على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي التابعة لهم وغير التابعة لهم، فحتى صفحات بيع وشراء السيارات لم تسلم من نشر أخبارهم.
ومن مهمة «المكتب الإعلامي» أيضاً: التواصل مع فنانين معروفين وشخصيات حكومية لزيارة المطبخ، و«ضرب عصفورين بحجر»، فعندما يأتي الفنان أو الشخصية الحكومية تتم دعوة وسائل إعلام على شرف حضورهم لإجراء لقاءات معهم إضافة إلى تغطية عمل الفريق وما يتم تقديمه.
إعلام هذه الفرق أثبت فشله المهني هذا العام، فالتركيز كان أكثر، على أمور لا تختلف نهائياً عما يرمي إليه التجار من مبادراتهم «الخيرية»، وباتت المنافسة بين «فريق» و«فريق» على الاسم لجذب أموال وتبرعات أكثر، كأن يروج بأن هذا الفريق لا يفطر حتى يقوم بإطعام المحتاجين، أو أن هذا الفريق تزوره شخصيات مهمة أكثر من غيره، ويقدم عدد وجبات أكثر من غيره.
الوزارة تقع بمطب الصور!
الشارع السوري انتقد كما انتقد الأعوام الماضية كلها، أسلوب التقاط الصور للمحتاجين وهم يحصلون على وجبات الإفطار أو السحور، ولم تقع الجمعيات والفرق التطوعية في هذا المطب فقط، بل وقع فيه إعلام وزارة الشؤون الاجتماعية نفسه، حيث تقوم صفحة «لقمتنا سوا 3» بنشر صور المحتاجين يومياً وهم يأكلون أو يحصلون على وجبات الإفطار، في سبيل إظهار جهد الوزارة في متابعة عمل هذه الجمعيات والفرق بغض النظر عن الأثر النفسي الذي قد يترتب على ذلك.
ويعمل إعلام الفرق والجمعيات أيضاً، على التقاط صور التحضيرات والمتطوعين والمتطوعات، ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، لتكون عامل جذب للتطوع دون مقابل، ونشر صور التبرعات العينية مع ذكر اسم التاجر المتبرع أو إظهار شعاره ضمن الصور، لتكون دعاية تقابل التبرع بشكل غير مباشر.
تلميع صورة
لا يمكن الجزم بأن مشغلي هذه الفرق يحققون عائداً مادياً من حملات الإطعام، لكن وبزيارة بسيطة لإحدى هذه الفرق يتبيّن بأن البعض يستغل تشغيل الفريق غير المرخص، وجذب التبرعات دون حساب بنكي ليقوم مدير الفريق بإدارة الأموال على الحملة مع عدة أشخاص فقط، فلا أحد من المتطوعين يعلم بحجم الأموال التي دخلت، اللهم سوى التبرعات العينية من سمنة وزيت ورز وغير ذلك.
ويروّج أمام متطوعي الفرق أن التبرعات المالية مرفوضة، لكن الواقع يشير إلى تحول واضح في المستوى المادي لبعض مدراء الفرق ومن حولهم، علماً أنهم متفرغون تماماً «للعمل التطوعي» منذ سنوات!
أحد رجال الأعمال بعد افتتاحه مطبخاً على حساب التجار والمتبرعين، واعتمد على شبان تطوعوا من أجل التطوع فقط، لم يكن الوحيد، فهناك مثله كثيرون، أحدهم مثلاً، أدار فريقاً تطوعياً لسنوات ثم حوله لجمعية ورخصها، وبعد تنظيم حملات إطعام رمضان، استغل ذلك لأمور أخرى!.
أين التراخيص؟
العديد من الفرق التطوعية حالياً، تعمل دون تراخيص عكس الجمعيات الخيرية، ولايوجد رقيب على ما تجنيه من أموال، بينما يتهافت الشبان السوريون للتطوع من أجل المساهمة في الأعمال الخيرية دون مقابل، وتضفي وزارة الشؤون الاجتماعية الشرعية لهذه التصرفات والأعمال من خلال جولاتها الميدانية عليها، وإطلاق التصريحات من المطابخ وكأن الوزارة هي المنظم الأساسي والضابط للعمل، علماً أن الوزارة أطلقت حملة «لقمتنا سوا» منذ 3 سنوات أي عام 2015، بينما بدأ العمل بموضوع الطبخ والتوزيع في شهر رمضان عبر الفرق التطوعية غير المرخصة قبل ذلك بسنوات، والسنوات السابقة لم تشهد إنضمام كل الفرق والجمعيات للحملة التي لم توضح الوزارة لماذا سمتها حملة علماً أنها غير منظمة ومتدخلة بأسلوب عمل الفرق عبر خطة واحدة!
ولو قامت وزارة الشؤون الإجتماعية بتنظيم هذه المطابخ باسمها وجذب المتطوعين للعمل في مطابخ تابعة للوزارة، بينما تجبى التبرعات لحساب حكومي وتدار برقابة صارمة، وتقدم الحكومة إضافة إلى ذلك دعمها المادي والمعنوي، لأخذت الوزارة دورها الصحيح، وساهم ذلك بتحسين صورة ولو جزء بسيط من النشاط الحكومي أمام المواطنين، بدلاً من أشخاص بعينهم.
غياب دور الدولة الرسمي
نهايةً، لا يمكن إنكار حجم الفائدة التي تعود على المحتاجين من هذه الفرق والجمعيات، ولا جهد الشبان السورين الثمين من أجل إنجاح العمل، لكن لا يمكن أيضاً إهمال حجم الفائدة الذي يعود للمشغلين في الخلفية على حساب المتطوعين، نتيجة عدم الرقابة الصارمة.
والأهم أنه لا يمكن غض الطرف عن غياب دور الدولة الرسمي على مستوى الرعاية الاجتماعية والاقتصادية، والذي لا يقتصر على وزارة الشؤون، بل يمتد ليشمل كل السياسات الحكومية المتبعة، والتي أوصلت الحال لما هو عليه من عوز مستثمر من قبل البعض بالنتيجة، فأولاً وأخيراً لولا غياب هذا الدور الحكومي الرسمي عن هذه المستويات الهامة لما استطاع أن ينفذ عبرها أيٌّ من المتسلقين الساعين للاستثمار على حساب آلام وحاجات السوريين.
ورمضان كريم...!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
814