وقف الخدمات للاجئين والمقيمين خارجاً واستنزافهم!
احتار اللاجئون السوريون، والمقيمون، في دول الجوار وبلدان العالم الأخرى، بوضعهم ومآلاتهم، سواء عبر الممارسات بحقهم من قبل حكومات دول الاستقطاب واللجوء، أو بالضغوطات الممارسة عليهم من قبل حكومتهم نفسها، سواء بسواء.
فاذا كانت قضية اللاجئين قد أصبحت بازاراً للمزاودات والاتجار بوضع هؤلاء من قبل الدول المستقطبة، أو سواها من البلدان الأخرى، بالإضافة إلى مجموعات الضغط الدولية الأخرى، وذلك وفقاً لأهداف وأجندات سياسية واقتصادية بعناوين إنسانية، فإنه من المستغرب أن تصبح هذه القضية مرتكزاً للأليات نفسها من الاتجار بمعاناة هؤلاء من قبل حكومتنا العتيدة أيضاً، ولأسباب مجهولة، وغير معلنة.
سلعة للاتجار السياسي والاقتصادي!
ظروف الحرب والأزمة التي دفع هؤلاء ضريبتها تهجيراً، بعد استحكام وسائل الموت المحيطة بهم، وتدمير بيوتهم وفقدان ممتلكاتهم، جعلت منهم ومن مأساتهم وبؤسهم وشقائهم، سلعةً سياسيةً واقتصاديةً وإعلاميةً، على أيدي الكثير من القوى الفاعلة، محلياً وإقليمياً ودولياً، وخاصة في بلدان اللجوء، التي باتت تتاجر بمأساة هؤلاء علناً، وبكل فجاجة، إما من أجل تحقيق بعض المآرب والغايات السياسية، أو من أجل جني بعض العوائد الاقتصادية والنفعية باسمهم، وبعيداً عن مصلحتهم.
للضغط أشكال!
اعتباراً من إغلاق السفارات السورية في الكثير من هذه البلدان، مروراً بالتعقيدات التي توضع أمام هؤلاء اللاجئين من أجل تثبيت وضعهم القانوني فيها، وصولاً إلى وضع العراقيل من أجل الحصول على فرص عمل تكفيهم شرور الفاقة والعوز، وليس انتهاءً بالاستغلال المباشر وغير المباشر لوضعهم، وخاصةً على مستوى الأمان في ظل تفشي ظاهرة العنصرية، والتعبئة السياسية والإعلامية، الصريحة والمعلنة والمتبناة، من قبل الكثير من القوى السياسية في هذه البلدان، لتأتي أخيراً، وبعد كل ذلك، القرارات الصادرة عن الحكومة، لتزيد الطين بلةً على هؤلاء بالمزيد من الضغط.
آخر ما حرر رسمياً وحكومياً على هذا الصعيد هو: وقف تمديد جوازات السفر للمواطنين السوريين في كل من تركيا والأردن، وذلك اعتباراً من تاريخ 24/4/2017 وحتى إشعار آخر، ولا ندري إذا كان هناك ثمة دول أخرى ستشملها قائمة وقف الخدمات للسوريين فيها.
وقف التمديد أعلاه، في كل من الأردن وتركيا، بشكل متزامن، لا يمكن أن يكون لأسباب ذات طابع إداري إجرائي، خاصة مع عدم ذكر الأسباب، ومع ترك المدة مفتوحة، بعبارة «حتى إشعار آخر».
من المأساة إلى الانتكاسات!
الغالبية العظمى من هؤلاء اللاجئين بدأت رحلتهم في التشرد منذ ستة أعوام، على أثر اشتداد المعارك في الداخل السوري، هرباً من الموت والدمار وبحثاً عن ملاذات آمنة، بالإضافة إلى تداعيات الحرب والأزمة الكثيرة الأخرى، بتشابكها وترابطها، وانعكاساتها السلبية التي طالت السوريين جميعاً، دون استثناء، وخاصةً على المستوى الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والأمني، وقد كانت تركيا والأردن ولبنان من البلدان المجاورة الأكثر استقطاباً لهؤلاء، حيث تم وضع الغالبية العظمى منهم في مخيمات، ما زال معظمها قائماً حتى الآن باكتظاظه وسوء خدماته، على الرغم من مضي سنين على الواقع المزري داخل هذه المخيمات.
هؤلاء اللاجئون تقطعت بهم السبل أعواماً طويلةً، في ظل توقف عمل السفارات والقنصليات السورية في الكثير من البلدان، لحين صدور قرار بعام 2015 عن وزارة الخارجية والمغتربين، يقضي بالسماح للقنصليات والسفارات السورية في دول العالم، بمنح وتجديد جوازات ووثائق السفر السورية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على هؤلاء، ليس على مستوى تجديد الوثائق فقط، بل على مستوى تثبيت المتغيرات الطارئة على الواقع الأسري والعائلي، وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية، من معاملات زواج وطلاق وتسجيل المواليد، بالإضافة للمصادقة على الوكالات، وغيرها الكثير من المعاملات التي كانت متوقفةً طيلة هذه السنين، طبعاً والأهم من ذلك كله هو قوننة وضع هؤلاء عبر تلك الوثائق العديدة بمحتواها وغاياتها، والتي تفسح المجال أمامهم من أجل العودة، عند استقرار الأوضاع، مع ضمان الوضع القانوني والجزائي، بما يضمن حقوقهم ومستقبل أبنائهم.
ليأتي القرار الأخير الخاص بالسوريين، الموجودين في كل من تركيا والأردن، بمثابة الانتكاسة على هذا الشكل من القوننة والانتظام بالنسبة لوضعهم ومستقبلهم، خاصةً مع إغفال الأسباب، وعدم تحديد موعد لاستئناف العمل بتجديد الوثائق في هذه البلدان.
مصدر تمويل!
لم يقف الأمر عند هذا الحد بالنسبة للاجئين السوريين، والمقيمين بالخارج، فقد سبق وأن تم إصدار مرسوم يقضي بتعديل الرسم القنصلي لمنح وتجديد جوازات ووثائق السفر للمواطنين السوريين، ومن في حكمهم، المتواجدين خارج أراضي الجمهورية العربية السورية.
حيث حدد الرسم القنصلي عند منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للمواطنين السوريين، ومن في حكمهم، المتواجدين خارج الجمهورية العربية السورية، بشكل فوري ومستعجل، بمبلغ 800 دولار أمريكي.
كما حدد الرسم القنصلي عند منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للمواطنين السوريين، ومن في حكمهم، المتواجدين خارج الجمهورية العربية السورية، ضمن نظام الدور، بمبلغ 400 دولار أمريكي.
الأمر الذي تم بموجبه اعتبار جواز السفر السوري الأغلى عالمياً، على الرغم من أنه احتل المرتبة الـ95 عالمياً من أصل 199 دولة وإقليما، وفقاً لمؤشر جوازات السفر لبعض المؤسسات الدولية المعنية بهذا الأمر.
فهل من الممكن أن نعتبر أن الحكومة بموجب قراراتها آنفة الذكر تمارس ضغوطاً، إدارية واقتصادية، على مواطنيها في الخارج، لاجئين ومقيمين، أم أنها تسعى لتجبي منهم أكبر قدر ممكن من العائدات بالقطع الأجنبي لصالح خزينتها، أم أن لديها غاياتٍ وأهدافاً أخرى، بعيدة وغير مدركة، لا من المواطنين، ولا من أصحاب القرار، وبالتالي هي مغفلة وغير معلنة؟!.
بجميع الأحوال فإن الحكومة بكل ذلك تتعامى عن أنّ غالبية السوريين المعنيين في القرارات والتوجهات آنفة الذكر، هم لاجئون ومعوزون ومستهلكون استغلالاً من قبل سواها من الحكومات، كما كانوا بالأصل مستغلين ومستهلكين خلال الحرب الدائرة بنتائجها السلبية المدمرة التي أتت على حاضرهم وتعب ماضيهم، وبمثل هذه التوجهات والقرارات الحكومية الرسمية ربما سيطال التدمير مستقبلهم أيضاً.
كفى عبثاً!
أليس من الأجدى، أن تقوم الحكومة بتقديم التسهيلات اللازمة كلها لمواطنيها في الخارج، بعيداً عن أوجه الاستغلال لأوضاعهم، والاستعلاء على مآسيهم وبؤسهم؟ هذا بحال أغفلنا دورها على المستوى الاقتصادي المباشر لهؤلاء، عبر تقديم الدعم العيني أو النقدي لهم، كون غالبيتهم من اللاجئين المعوزين، في ظل نغمة نقص الموارد المكرورة على ألسنة القائمين على السياسات المالية والنقدية!
وبالحد الأدنى، عدم رفع الرسوم على هؤلاء، ووضع العراقيل الإدارية بوجههم، والسعي الجاد من أجل استعادتهم بأسرع وقت ممكن، كي يخرجوا من حيز الاستغلال والبازارات السياسية باسمهم، وبمعاناتهم الإنسانية، من قبل الدول والقوى الفاعلة والضاغطة.
وأخيراً أليس صحيحاً أن نقول: كفى عبثاً بالسوريين، لاجئين ومقيمين في الخارج، ونازحين ومشردين في الداخل، من قبل الجميع، دون استثناء؟!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 808