حلول ترقيعية!
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

حلول ترقيعية!

سيناريو قديم جديد يتكرر كل مرة، وفي كل مرة بعنوان جديد، فالحديث الأخير عن مواد منتهية الصلاحية بقيمة تقدر بـ 2.5 مليار ليرة سورية، قابلةً للزيادة، وذلك في مستودعات الخزن، والسورية للتجارة، ليس جديداً بفحواه، ولكن لعل الرقم الكبير هو المفاجئ.

 

الرقم المذكور ظهر من خلال عمليات الجرد، التي تقوم بها لجان جرد المستودعات على أثر دمج مؤسسات التدخل الإيجابي (سندس- الخزن والتسويق- الاستهلاكية) بمؤسسة جديدة تحت اسم السورية للتجارة.

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أوضح عبر تصريحات إعلامية: أن الموضوع فيه حالات تلاعب وفساد، مؤكداً أنه ستتم محاسبة كل المتورطين بهذه العقود وبعمليات إدخالها للمستودعات، وبأن الوزارة ستعمل على إعادة هذه المواد لمصادرها (للتجار الذين باعوها للمؤسسة) واستبدالها بمواد ذات صلاحية جديدة.

شراء مباشر وبالأمانة!

من المعلوم أن مؤسسات التدخل الإيجابي تتعامل مع السلع والمواد والحاجات الاستهلاكية اليومية للمواطن، وفي الوقت نفسه، بأن هذه المواد والسلع يتم استجرارها من قبل موردي وتجار القطاع الخاص، سواء كانت بالشراء القطعي المباشر، أو بالشراء غير المباشر، تحت مسمى البيع بالأمانة، باستثناء بعض المواد التي يتم توريدها لهذه المؤسسات، كالسكر المستورد من قبل مؤسسة التجارة الخارجية، والمخصص سابقاً للبطاقة التموينية، والذي تم تناسيه لاحقاً، بل وتغييبه وإلغاؤه بشكل شبه رسمي، والاستعاضة عنه بنسبة معينة من الكميات المستوردة من قبل القطاع الخاص من هذه المادة، لتسلَّم لهذه المؤسسات كي تقوم بدورها ببيعها للمواطنين، بسعر مقبول، افتراضاً.

فقدان للثقة!

لعل الحديث عن التلاعب والفساد ليس بجديد على مستوى حاجات المواطن، واستغلال هذه الاحتياجات، وخاصةً للمواد الغذائية والأساسية منها، كما أن الإشارة إلى وجود شبكات متحالفة بين بعض التجار والسماسرة والمستوردين، وبعض المتنفذين في هذه المؤسسات العامة، المعنية بتأمين الاحتياجات الاستهلاكية للمواطنين، تعتبر معلومةً قديمةً متجددةً، خاصةً في ظل استمرار آليات العمل المتبعة في هذه المؤسسات، بما فيها المؤسسة المحدثة بعد الدمج، والمتمثلة بعقود الاستجرار لهذه المواد من القطاع الخاص، سواء كانت عقود شراء مباشر، أو شراء برسم الأمانة، الأمر الذي وضع هذه المؤسسات، تحت رحمة هؤلاء الموردين وشركائهم من المتنفذين، وبالنتيجة فإن غالبية المواد والسلع المعروضة في صالات ومنافذ البيع التابعة لهذه المؤسسات، لم يكن لها أن تنافس ما هو متوفر في الأسواق، لا من حيث المواصفة والجودة، ولا من حيث السعر، كون مصدرها واحداً وهم التجار والسماسرة والموردون، ناهيك عن وجود مثل هذه الحالات، التي تباع فيها بعض المواد منتهية الصلاحية، أو المشارفة عليها، بالتواطؤ بين الموردين والمتنفذين.

وبالتالي فقد فقدت هذه المؤسسات دورها الإيجابي المناط بها افتراضاً، بشكل تدريجي عبر عشرات السنين، كما فقد المواطن ثقته بها تباعاً.

إعادة المواد ليست الحل؟

بالعودة لتوضيح الوزير، فإنه لا بد من التأكيد على أهمية محاسبة المتورطين، على المستويات كافة، ليس من باب قيمة بضائع المواد منتهية الصلاحية التي ضبطت بالجرد، بل من باب أهم من ذلك هو: باب الاتّجار والسمسرة والتربح على حساب صحة وسلامة المواطنين، التي تحالفت عليها مصالح التجار والسماسرة والمتنفذين كشركاء.

على ذلك فإن حديث الوزير عن إعادة هذه المواد لمصادرها من التجار والموردين من أجل توريد البدائل عنها، قد يحل جزءاً من المشكلة المتمثل بالمبالغ الكبيرة التي يمكن أن تمثل خسارة للمؤسسة، ولكنه لا يحل مشكلةً منع تداول هذه المواد بعد اعادة تسليمها للموردين، وإمكانية إعادة بيعها للمواطنين مرةً أخرى، وبالتالي ما يمكن أن تنعكس على المواطن في  مستوى الصحة والسلامة، ناهيك عن استمرار التربح على حسابه، كون التاجر لا تعنيه هذه الأمور جملةً وتفصيلاً، وجل ما يعنيه هو كم الربح المحقق في جيبه بالنتيجة، وهو لا يعدم الوسيلة من أجل تحقيق ذلك، بما فيه تغيير تواريخ الصلاحية المطبوعة على أغلفة السلع، و«كأنك يا بو زيد ما غزيت»!.

المواطن هو الرقيب!

ذلك كله، يعيد إلى الأذهان ضرورة إعادة النظر بآليات العمل المتبعة من قبل مؤسسة السورية للتجارة، المحدثة على إثر دمج المؤسسات الثلاث، اعتباراً من طرق الشراء، المباشر أو بالأمانة، مروراً بالمواصفة والسعر والجودة، للمواد والسلع المعروضة للبيع، في صالات ومنافذ هذه المؤسسة، بالشكل الذي يحقق الغاية الحقيقية لوجود هذه المؤسسة، ويعيد ثقة المواطنين بها، وليس انتهاءً بآليات الرقابة والضبط، بما في ذلك الأدوات الحقيقية لهذه الآليات والمتمثلة بدور المواطنين أنفسهم على هذا المستوى، كونهم أصحاب المصلحة، بأن تقوم هذه المؤسسة بدورها الإيجابي المفروض، خاصةً وما زالت ماثلةً بالأذهان قصة الفشل الذي واجهته هذه المؤسسة على مستوى تأمين مادة البطاطا خلال الشهر المنصرم، على الرغم من الوعود كلها بتأمينها سعراً ومواصفةً، بما في ذلك وعود الوزير نفسه، ولكن لم يتم ذلك مع الأسف، وما زال الوضع على حاله من تحالف بين التجار والمستوردين وبعض المتنفذين، على حساب المواطنين، كما على حساب مؤسساتهم، افتراضاً.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
807