السوريون على وجبة واحدة غير مشبعة!!
أن تأكل دون أن تشبع، وأن تكتفي بوجبة واحدة في اليوم، وأن توفر وجبتك ككبير من أجل أن يأكل الصغير، هو ما أصبح عليه حال السوريين اليوم، في ظل تزايد معدلات الفقر، وتدهور القوة الشرائية لليرة، وارتفاعات الأسعار المتتالية دون مبررات، ودون حسب أو رقيب.
تدهور الوضع الاقتصادي المعاشي، خلال سني الحرب، تزايد بشكل كبير، وأرخى بظلاله السوداء على معيشة عموم السوريين، وخاصةً أصحاب الدخل المحدود، ومن لا دخول لديهم، بسبب انعدام فرص العمل، والبطالة المتزايدة، وبسبب النزوح والتشرد وفقدان الممتكلات، وبسبب مجمل السياسات الحكومية المتبعة، والتي لم تُعِر الشرائح الاجتماعية المفقّرة أي اهتمام، بل زادتهم فقراً.
«أجار البيت لحالو بالمكفى»!.
ومع الانخفاض الكبير للقدرة الشرائية لمتوسط الدخل الفردي، البالغ بحدود 30 ألف ليرة فقط، وبظل حال الفلتان السعري للمواد الأساسية وللخدمات، انخفضت معدلات الاستهلاك بشكل كبير، لدى الأسر السورية، فهذا المتوسط لم يعد يكفي لجزء من المتطلبات الأساسية، للغذاء فقط، مع الكثير من التقشف، ولمدة تتراوح بين 7- 10 أيام فقط، فكيف ببقية المتطلبات المعيشية الأساسية الأخرى، من سكن ولباس وخدمات ومحروقات وطبابة وتعليم، وغيرها الكثير، وكيف ببقية أيام الشهر.
أحد المواطنين قال: «أجار البيت لحالو بالمكفى، اللحمة الحمرا ما بيعرفوها ولادي الصغار، حتى الفواكه نسيوها، ما عم نلحق فواتير كهربا ومي، والله يجيرنا من شي مرض، والله ما قدرتنا لا الدكاترة ولا الأدوية».
مواطنة أخرى قالت: «أي والله صار أكلنا زعتر ومي، لأن الزيت غالي، ولسا الخير لقدام، راحت اللحمه والخضره والفواكه، الله يفرج علينا، وكله بسبب هالتجار اللي ما بتفكر إلا شلون بدا تعبي جيوبها ع حسابنا، حسبي الله ونعم الوكيل فيهم، مافي ضمير».
فقر وعوز ومرض!
أمام هذا الواقع المأساوي، اضطُر المعيلون في الأسر لزيادة ساعات عملهم، حسب ما يتاح أمامهم، حيث أصبح أرباب الأسر يعملون بحدود 18 ساعة يومياً، كما تم زج من يتاح له فرصة عمل، من نساء وأطفال الأسرة، بسوق العمل، من أجل تأمين مصدر دخل إضافي، قد يكون معيناً في تأمين بعض مستلزمات وضرورات المعيشة والحياة، وعلى الرغم من ذلك تبقى مستويات المعيشة لهذه الأسر دون حدود الفقر، مع كل الانعكاسات السلبية ذات البعد الاجتماعي على الأسرة، ومستقبل أفرادها، وخاصةً على المستوى التعليمي، ناهيك عن الآفات المجتمعية السلبية التي يزداد تغلغلُها بسبب الجهل والفقر.
أما البقية الباقية من الأسر السورية، والتي لم يتح لها أية فرصة مساعدة لدعم مصادر الدخل، وهم الغالبية الساحقة من السوريين، فهم من بؤس وشقاء، إلى تراجع مستمر ومتزايد على مستوى الاستهلاك، حتى الاستدانة لم تعد متاحةً أمام هؤلاء، لعدم إمكانية التسديد اللاحق، الأمر الذي جعل عمومُ السوريين عملياً في حالة فقر وعوز مطبق، حيث بات أفراد الأسرة يقننون بعدد الوجبات الغذائية، حتى أصبحت وجبةً واحدةً في اليوم لكبار السن، وربما وجبتان للصغار فقط، مع افتقار هذه الوجبات للطاقة اللازمة لتجديد الحيوية والنشاط، ما أدى للمزيد من الأمراض الناتجة عن سوء التغذية، بالإضافة للأمراض الأخرى الناتجة عن سوء شروط السكن من الناحية الصحية، من هواء وشمس، والانعكاسات السلبية لذلك كله على الأطفال وكبار السن تحديداً.
أحد المواطنين قال: «والله ما عم ناكل إلا وجبة وحد باليوم، أنا والمرة، مشان نطعمي ولادنا، ورغم هيك ما عم نقدر نشبعهم، وأحياناً منبقى ع الخبز الحاف، الله لا يشبع اللي كان السبب، نزحت وراح محلي وشغلي، وصرت عم دبر حالي بشغل الفعالة، يوم في شغل، وأيام بضل بلا شغل، الله لا يعيز حدا لحدا».
الحكومة لا تسأل المواطن كيف يرمم حياته؟!
هذا الواقع المعيشي المتردي لعموم السوريين، كان حاضراً بالشكل الرسمي وغير الرسمي، عبر ما يتم تداوله وإقراره وفقاً للتقارير الرسمية المحلية، والتقارير الدولية، والدراسات الاقتصادية التي تقوم بها بعض الجهات، بما فيها دراسات «قاسيون» الخاصة والدورية عن مستويات المعيشة وتكاليفها، حيث أظهرت آخر دراسة أن مجموع تكاليف المعيشة الضرورية للأسرة السورية، المكونة من خمسة أفراد، خلال شهر واحد، وذلك وفق معطيات نهاية عام 2016، هي 297 ألف ل.س تقريباً.
أما كيف للأسرة السورية أن تؤمن حياتها ومعيشتها، في ظل هذا الفارق الشاسع بين متوسط الدخل، وبين تكاليف المعيشة الضرورية، فهو أمر غائب تماماً عن السياسات الحكومية الليبرالية المتبعة، والتي كانت السبب الأساس في خلق هذه الفجوة وتوسيعها، عبر المزيد من المحاباة لأصحاب الأرباح على حساب أصحاب الدخول، وبقية الشرائح الاجتماعية، وما زالت مستمرةً بالسياسات نفسها، رغم الحرب والأزمة، وكأن أمر المواطنين، ومعيشتهم وخدماتهم وحياتهم وصحتهم وسكنهم، لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد.
الأمر الذي قال عنه أحد المواطنين متهكماً، في استذكاره لإحدى النكات المتداولة، عن دور المسؤولين في إجابتهم عن الفجوة بين الدخل والإنفاق: «نحن لا نسأل المواطن من أين يرمم هذه الفجوة؟!».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 803