ودائع المصارف الخاصة تغرد بعيداً.. والأرباح «السخية» غايتهم

ودائع المصارف الخاصة تغرد بعيداً.. والأرباح «السخية» غايتهم

تصرّ‭ ‬المصارف‭ ‬السورية‭ ‬الخاصة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬التغريد‭ ‬بعيداً‭ ‬خارج‭ ‬ما‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬نشاطها،‭ ‬ومبرر‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬سوقنا‭ ‬المحلية‭ ‬أساساً،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬لعب‭ ‬الدور‭ ‬التنموي‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬والمواطن‭ ‬السوري‭ ‬معاً

وبعيداً‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأولويات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬تسير‭ ‬خطط‭ ‬الإقِراضِ‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اللحظة،‭ ‬ففي‭ ‬الماضي‭ ‬القريب‭ ‬ركزت‭ ‬خطط‭ ‬الإقراض‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬السيارات،‭ ‬وأقله‭ ‬على‭ ‬الشقق‭ ‬السكنية،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فالأولوية‭ ‬ليست‭ ‬للسوريين‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬بل‭ ‬للمغتربين‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬فهم‭ ‬الأكثر‭ ‬حاجة‭ ‬ممن‭ ‬سواهم‭ ‬–‭ ‬بحسب‭ ‬منطق‭ ‬هؤلاء‭ - ‬لامتلاك‭ ‬منزل‭ ‬العمر‭..‬
القرض‭ ‬السكني‭ ‬للمغتربين‭ ‬السوريين،‭ ‬والهادف‭ ‬إلى‭ ‬تمويل‭ ‬شراء‭ ‬منزل‭ ‬أو‭ ‬شقة‭ ‬سكنية‭ ‬داخل‭ ‬سورية،‭ ‬هو‭ ‬أخر‭ ‬ما‭ ‬طالعنا‭ ‬به‭ ‬أحد‭ ‬المصارف‭ ‬الخاصة،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتراوح‭ ‬الدخل‭ ‬الشهري‭ ‬لهؤلاء‭ ‬المقترضين‭ ‬بين‭ ‬2000‭ ‬–‭ ‬2500‭ ‬دولار‭ ‬شهرياً،‭ ‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نعترض‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬المغتربين‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المنازل،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬المنظرين‭ ‬في‭ ‬المصارف‭ ‬لمنح‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬القروض،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬الشكل‭ ‬أولاً‭ ‬دون‭ ‬سواه،‭ ‬هل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المغتربون‭ - ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخول‭ ‬المرتفعة‭ - ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬رواتبهم‭ ‬بين‭ ‬300‭ ‬–‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬ل‭.‬س‭ ‬شهرياً‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬القروض‭ ‬لامتلاك‭ ‬سكن‭ ‬في‭ ‬بلادهم؟‭! ‬أم‭ ‬أن‭ ‬المنطق‭ ‬يقول‭ ‬بوجود‭ ‬شرائح‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬هم‭ ‬الأحق،‭ ‬والأكثر‭ ‬حاجة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية،‭ ‬لمثل‭ ‬عمليات‭ ‬التمويل‭ ‬تلك‭ ‬لامتلاك‭ ‬سكن‭ ‬يأويهم،‭ ‬أوليس‭ ‬المهجرون‭ ‬ومن‭ ‬تهدمت‭ ‬منازلهم‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬هم‭ ‬الاأحق‭ ‬بتلك‭ ‬القروض؟‭! ‬وهم‭ ‬من‭ ‬يتوجب‭ ‬أن‭ ‬تتوجه‭ ‬إليهم‭ ‬خطط‭ ‬المصارف‭ ‬الخاصة‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬علها‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬معاناتهم‭!!..‬

ليس‭ ‬بالتوجه‭ ‬الجديد
التوجه‭ ‬الحالي‭ ‬لأحد‭ ‬المصارف‭ ‬الخاصة‭ ‬ليس‭ ‬بالجديد،‭ ‬بل‭ ‬سبقته‭ ‬محاولات‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬قبل‭ ‬سبع‭ ‬سنوات،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬عام،‭ ‬يكرّس‭ ‬سعي‭ ‬المصارف‭ ‬الخاصة‭ ‬إلى‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الدور‭ ‬التنموي‭ ‬الذي‭ ‬رُسمَ‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المنظرين‭ ‬لضرورات‭ ‬دخولها‭ ‬السوق‭ ‬السورية،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الإقراض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السكن،‭ ‬بقي‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬متناول‭ ‬الشرائح‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬السوري،‭ ‬بينما‭ ‬وفرت‭ ‬تلك‭ ‬القروض‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬القريب،‭ ‬الفرصة‭ ‬أمام‭ ‬الأغنياء‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المساكن،‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشروط‭ ‬والضمانات‭ ‬التعجيزية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬طالبي‭ ‬القروض‭ ‬السكنية‭ ‬من‭ ‬محدودي‭ ‬الدخول‭..‬
أبت‭ ‬تلك‭ ‬المصارف‭ ‬الخاصة‭ ‬–‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقتها‭ ‬–‭ ‬خوض‭ ‬غمار‭ ‬الإقراض‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المشاريع‭ ‬الإنتاجية‭ (‬زراعية،‭ ‬صناعية‭)‬،‭ ‬وسعت‭ ‬بكل‭ ‬جهودها‭ ‬لتمويل‭ ‬المشاريع‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬كقروض‭ ‬شراء‭ ‬السيارات‭ ‬أو‭ ‬امتلاك‭ ‬العقارات‭ ‬بشروط‭ ‬معقدة،‭ ‬مبتعدين‭ ‬بذلك‭ ‬عن‭ ‬حاجات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬وجرى‭ ‬إهمال‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأخرى،‭ ‬منطلقين‭ ‬من‭ ‬نظرية‭ ‬الفريق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬حينها،‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬فرضية‭ ‬أن‭ ‬قطاع‭ ‬البناء‭ ‬خصوصاً،‭ ‬والقطاع‭ ‬الخدمي‭ ‬عموماً،‭ ‬هو‭ ‬قاطرة‭ ‬النمو،‭ ‬وإهمالهم‭ ‬هذا‭ ‬اتكأ‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬انخفاض‭ ‬نسبة‭ ‬المخاطرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬البناء،‭ ‬وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬القناعة‭ ‬الراسخة‭ ‬لدى‭ ‬أصحاب‭ ‬تلك‭ ‬المصارف،‭ ‬بأن‭ ‬الربح‭ ‬السريع‭ ‬هو‭ ‬هدفهم‭ ‬فقط،‭ ‬وبما‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬دخولهم‭ ‬سورية‭ ‬أتى‭ ‬لتحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأرباح‭ ‬لحساباتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬حاجات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬وهم‭ ‬يكرسون‭ ‬السياسة‭ ‬ذاتها‭ ‬حالياً،‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬القرارات،‭ ‬فالأزمة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬اليوم‭ ‬تتطلب‭ ‬اتباع‭ ‬سياسات‭ ‬مغايرة‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تلك‭ ‬المصارف،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الدور‭ ‬التنموي‭ ‬لها‭ ‬يتطلب‭ ‬منها‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المصارف‭ ‬بالباحثة‭ ‬عن‭ ‬قنوات‭ ‬توظيف‭ ‬لودائعها‭ ‬المتراكمة،‭ ‬فإن‭ ‬الأزمة‭ ‬ونتائجها،‭ ‬وحاجات‭ ‬السوريين‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬لإعادة‭ ‬تنمية‭ ‬قطاعاتهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وتعمير‭ ‬ما‭ ‬دمرته‭ ‬الحرب،‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬بتلك‭ ‬الودائع‭ ‬والأموال‭..‬