عمليات الإجهاض في العيادات والمشافي الخاصة قوانين بحاجة الى إجهاض..

يبدو أن مقابر الأمس التي اتسعت لأموات الأمس، لن تتسع كثيراً لتضم أمواتنا المستقبليين، فيما ينتج العالم يومياً مئتين وخمسين ألف طفل، عداً ونقداً… ولن نكون مالتوسيين بطرحنا إذا قلنا أن العالم قد بات مهدداً بما يسمى «قنبلة سكانية». تزيد من السكان الذين لا مكان لهم، لسوء توزيع الثروة في عالم يبحث عن مقبرة…

مشافي الـ 5 نجوم: عشرة آلاف ليرة.. عن كل شهر من عمر الجنين
سياح النفط يزرعون.. والفندقة الصحية تجني.. والشرف مصون

الحد من (الفضائح)
وإذا ما اعترفنا بمسألة تنظيم الأسرة، على أنها ضرورة اجتماعية تأتي بشكل طوعي ومرتبط بارتفاع مستوى المعيشة، فلن نستطيع أن نغفل طرائق الحد من الإنجاب، كإحدى  الحوامل الرئيسية لتلك المسألة، ولنقل بالتحديد (الإجهاض)، فالإجهاضات قد أصبحت أكثر وسائل التنظيم الأسري اتباعاً وانتشاراً في كافة بلدان العالم ـ بما فيها بلدنا ـ رغم إجازتها في بعض الدول، وعدم شرعيتها في دول أخرى كإحدى وسائل الحد من الإنجاب أو الحد من (الفضائح).
ولعل تشريع الإجهاض قد يتناول زوايا عدة، بعضها يصطدم بالشارع الديني، والآخر يصطدم بالأعراف الاجتماعية، إلا أن زيارة واحدة إلى عيادة طبيب مختص بالتوليد والنسائية، ترينا حجم انتشار الظاهرة، كضرورة لها مسبباتها ونتائجها.
فعمليات الإجهاض لا تقتصر على المؤسسة الزوجية بل تتعداها إلى خارج تلك المؤسسة ولأسباب عدة:

الإجهاض خارج المؤسسة الزوجية:
إن العوامل التي تؤدي إلى حدوث حالات الحمل غير المشروعة تتزايد يوماً بعد يوم، فدخول الحياة العصرية وتنامي الحريات الفردية ــ التي أخذت شكلاً إلكترونياً ــ جعلت مراهقاً لم يتجاوز السادسة عشرة، يوصد باب غرفته ليمارس الجنس عبر الإنترنيت، ثم يخرج منها ليقابل أناساً غريبين عن مجتمعه الإلكتروني.
والكثير من المحللين الاجتماعيين يرون في تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية،السبب الأول في تزايد الظاهرة، بما له من انعكاسات خطيرة في تأخير سن الزواج. فمتابعة الدراسة وتكاليف الزواج تحول دون الإقدام على الزواج في السن المثالي له، وذلك بوجود استثناءات قليلة تتمثل في المجتمعات المتخلفة ومجتمعات الأثرياء.
وإن شكل الاختلاط الواضح بين الجنسين، والذي بدأ يشق طريقه في مجتمعاتنا، يزيد من فرص الصلات غير المشروعة بين الجنسين.
ذلك بالإضافة إلى ممارسات الدعارة المنتشرة نسبياً، والمنظمة في بعض المدن الكبرى والتي تتغاضى عنها الدولة بشكل أو بآخر دون منع مسبباتها ولا سيما في الفترات التي تتزامن مع قدوم (سياح النفط) فكثيراً ما يوجد أولئك في نوادي المدينة الليلية، وقليلاً ما نراهم في تدمر مثلاً!!
عداك عن العلاقات الجنسية  التي تأخذ شكل الاغتصاب بدءاً بوسائل الترهيب والتغيب انتهاءً بالقوة والعنف، والقليل منها يصل إلى المحاكم.
وجميع تلك الحالات قد تؤدي إلى حدوث حمل غير مشروع تلجأ فيه الحامل إلى الإجهاض تلافياً لما هو أعظم منه.

إجهاض المتزوجات
إن (35 ـ 40%) من مجموع الحمول تسقط، وقسم كبير منها دون معرفة السيدة الحاضنة للحمل، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الإسقاطات المتعمدة، نظراً لأن الكثير من المشافي التي تقوم بعمليات  التجريف تسجل الإسقاط على أنه إسقاط تلقائي، إلا أن الإجهاض بالنسبة للمتزوجات لا يمثل المشكلة الكبرى، فبعضهن يسقطن دون معرفة الزوج بينما بعض الأزواج يجبرون زوجاتهم على الإسقاط.
وفي حالات كثيرة يكون الإسقاط نتيجة اتفاق الزوجين وذلك باتباع طرق شعبية أو عقارات أو عن طريق قابلة أو طبيب مختص، والطبيب يوقع المرأة الحامل على ورقة تتضمن عدم مسؤوليته باعتبارها جاءت إليه وهي في حالة يشكل الحمل فيها خطورة على حياتها.
تكلفة عملية الإجهاض
يمنع قانون مزاولة مهنة الطب السوري قيام الطبيب المختص بإجراء عمليات التجريف والإجهاض إلا باسثناءات قليلة، وذلك في حال كان الحمل يشكل خطراً مباشراً على حياة الحامل، وذلك بغية  الحفاظ  على حياتها، وبالرغم من ذلك فإن الكثير من الأطباء المختصين يجرون عمليات التجريف بأسعار مختلفة تتراوح بين الخمسة آلاف والخمسين ألف ليرة سورية ولاشك أن ذلك يترك مساحة كبيرة للنهب في ذلك المجال.
** ولبعض الأطباء أعذارهم، فأحد الأطباء يقول لنا:
«باعتقادي أن تكلفة عملية الإجهاض لا تكمن في العملية بحد ذاتها، بل تتعداها إلى نواحي أخرى، فالظروف التي تتم بها العملية الجراحية تتطلب وحدة طبية تتمتع بخدمات معينة لا تستطيع العيادة أن تفي بمتطلباتها، إضافة إلى الظروف النفسية التي يعمل الطبيب فيها باعتبار العملية التي يجريها عملاً غير مشروع في نظر القانون ناهيك عن طبيعة المشكلة التي يساهم الطبيب في حلها ولاسيما في حال كان الحمل غير مشروع».

خصخصة الإجهاض
استناداً إلى نظرية «يجوز للست ما لا يجوز للجارية» تقوم المشافي الخاصة بإجراء عمليات التجريف، بحيث يجري قانون منع تلك العمليات على المستشفيات العامة دون الخاصة، فأغلب المستشفيات الخاصة تستقبل عمليات الإسقاط إذا كانت الحامل لم تتجاوز الشهور الثلاث الأولى من الحمل، والكثير منها أيضاً يستقبل تلك العمليات في أي شهر كان فيه الحمل.
والسعر الشائع الذي تطلبه المشافي الخاصة هو عشرة آلاف ليرة سورية عن كل شهر من شهور الحمل، وذلك ما لا يستطيع إلا «أبناء الست» أن يدفعوه لقاء إجراء العملية.
وجميع الحالات التي تسجل فيها الإسقاطات في تلك المشافي، تعتبر إسقاطات تلقائية كشكل من أشكال الالتفاف على القانون
اعرف قانونك..

يطرأ حالياً، تحول كبير في مفاهيم الناس حول قضية الإنجاب، وكثير من دول العالم استطاعت  أن تسن قوانين صارمة في هذا المجال بحيث تضمن معدل نمو سكاني يتناسب مع ظروفها الاقتصادية، فالصين مثلاً أعلنت في السبعينات وبشكل رسمي سياسة الطفل الواحد، وأندونيسيا اتبعت أساليب مختلفة في التوعية الإعلامية داعية النساء إلى استخدام موانع الحمل وذلك للتحكم بعملية التحول الديموغرافي، والكثير من الدول الأخرى كالهند ودول امريكا اللاتينية قد اتبعت المنحى نفسه.
أما في القوانين السورية فهناك ما يتطلب النظر في المسألة وذلك من زاويتين:
أولهما: مسألة الإجهاض، فبعض القوانين الجزائية المتعلقة بإجراء  عملية الإجهاض تنص على أن:
* «كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل آو استعمله غيرها برضاها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات».
* «من أقدم بأية وسيلة كانت على أجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات».
علماً ان عمليات التجريف والإجهاض تنتشر كما ذكرنا سلفاً بشكل كبير في المشافي الخاصة والعيادات الطبية، حيث يجري بعض اطباء النسائية أكثر من  /12/ عملية إجهاض شهرياً،  مما يعكس الكثير من المدلولات عن تحول الإجهاض لضرورة اجتماعية بشكل أو بآخر.
الناحية الثانية: مسألة المتاجرة بموانع الحمل ووسائط الإجهاض، حيث ينص القانون:
* «كل دعاوى بإحدى الوسائل المنصوص عليها في الفقرتين 2و3 من المادة /208/ يقصد منها نشر أو ترويج أو تسهيل استعمال  وسائط الإجهاض يعاقب عليها بالحبس من شهرين إلى سنتين».
* «من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع أية مادة من المواد المعدة لمنع الحمل أو سهل استعمالها بأية طريقة كانت، عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة سورية».
فبالرغم من أن الدولة نفسها تؤمن مساعدات هامة لتنظيم الأسرة والحد من الإنجاب عن طريق مراكز رعاية الأمومة والطفولة، من موانع حملية بمختلف أشكالها، مازال القانون يعاقب بالسجن كل من يروج أو يبيع تلك الموانع الحملية من اطباء وصيادلة.
فلابد من إعادة النظر في القوانين التي لم تعد سارية المفعول، وإجراء التعديلات اللازمة عليها بما يتناسب ومتطلبات الواقع المعاش. فعملية تطوير القوانين تتطلب إدراك المفاصل الأساسية التي تتركز فيها حاجات المجتمع أو مواقع تخلفه، لتكون القوانين منسجمة مع بعضها من جهة، ومع حاجات الناس من جهة ثانية.
ويبقى من حق الجميع أن يسأل:
* هل ستتخذ خطوات إيجابية لتنظيم ظاهرة الإجهاض بأبعادها الصحية والديموغرافية والاجتماعية؟
* هل سنستفيد من تجارب دول اخرى استطاعت تطوير قوانينها، ورفع سوية الوعي الأسري بين أفراد مجتمعها إلى حالة يقتربون فيها من النقاء والمدنية أم سنترك الساحة خالية لعمليات النهب والاستغلال التي تجري تحت راية الإجهاض؟
فرانز كافكا كان يقول:
«لا تيئسوا حتى من ألا تيأسوا»!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
168