ألبان وأجبان بأقل من التكلفة..
أم يزن ربة أسرة في إحدى عشوائيات دمشق، قررت ترك الرفاهية والعودة لأيام الزمن الماضي، والاعتماد على خبرتها في تأمين مستلزمات العيش، عبر تصنيع ما يمكن تصنيعه يدوياً في المنزل..
ومع رفع جديد، كل فترة للأسعار، والحديث عن استخدام مواد غير مضمونة في تصنيع الجبنة واللبنة، وجدت أم يزن الحل الأمثل والأضمن لصحتها وصحة عائلتها بأن تصنع حاجتهم من هذه المنتجات في المنزل، لتتجنب الغش في السعر والنوعية في آن معاً..
ربات منازل استعن بخبرة الأجداد
أم يزن ليست الوحيدة التي قررت العزوف عن شراء الألبان والأجبان جاهزة التصنيع من السوق، بل لجأت عدة من ربات البيوت إلى ذلك رغبة في التوفير بالدرجة الأولى.
وتعتمد ربات المنازل على أكياس الحليب المجفف غالباً، في تصنيع حاجتهن من اللبن واللبنة أو الجبنة، بسبب صعوبة توفر الحليب الطازج في الأوقات كلها، علماً أن صناعة هذه المنتجات في المنزل، كانت فيما مضى تعتمد على الحليب الخام بشكل رئيسي.
ويباع كيلو اللبن في أسواق دمشق بسعر يصل إلى 275 ليرة، في حين يبلغ سعر كيلو الجبن 1400 ليرة، وكيلو اللبنة 1100 ليرة.
ويقل وجود منتجات مصنعة من حليب الماعز أو الأغنام في مثل هذا الوقت من السنة لقلة إنتاجه، بينما ينتشر في موسم الربيع، حيث من المفترض أن يساهم ذلك في تخفيض الأسعار بالمجمل، وهو ما لم يلمسه المواطن بالمواسم السابقة.
سعر الحليب الخام في صعود
وفي محاولة للتعرف على سبب الارتفاع الأخير في سعر منتجات الألبان والأجبان، تواصلت (قاسيون) مع رئيس جمعية الألبان والأجبان في دمشق وريفها عبد الرحمن الصعيدي، الذي أكد: إن «السبب الأساسي وراء ارتفاع أسعار منتجات الألبان والأجبان في الفترة الأخيرة هو ارتفاع ثمن الحليب الخام لدى المنتجين، حيث يباع بسعر 220 ليرة، وذلك نظراً لارتفاع أسعار الأعلاف وأسعار الأدوية البيطرية وآجار الأرض».
ليعيد ذلك إلى أذهاننا الحديث عن غياب الدعم الحكومي على مستوى مدخلات العملية الإنتاجية، وخاصة الزراعية منها، بشقيها الحيواني والنباتي، وتحديداً بما يخص الأعلاف والأسمدة والأدوية الزراعية والبيطرية، وغيرها، والتي يتم التحكم بسعرها عبر السوق السوداء من قبل بعض التجار والسماسرة والمستوردين.
دمشق يصلها
حوالي 50 طن فقط يومياً
وعن مصادر تزويد دمشق بالحليب الطازج، أوضح الصعيدي: أن «المدينة حالياً تعتمد على ثلاثة مصادر للحصول على الحليب الطازج، هي درعا والقنيطرة والقلمون، علماً أن الكميات التي تردها يومياً لا تتجاوز 50 طن حليب يومياً، في حين كانت تستقبل 300 طن منه قبل اندلاع الأحداث وخروج الريف الدمشقي، الذي يعتبر المصدر الأساسي للحليب سابقاً، فقد ساهم خروج مناطق الريف بنقص كبير في تأمين حاجات المدينة من الحليب وغيرها من منتجات زراعية وحيوانية».
ونوه الصعيدي إلى أن: «تلك المناطق الثلاث تقوم باستهلاك معظم ما تنتجه مواشيها من حليب محلياً، وتصدر فقط الفائض عن الحاجة إلى دمشق».
أجور نقل وحواجز
تعيق وصول المادة
وتطرق الصعيدي في حديثه، إلى أن عوامل أخرى ساهمت بارتفاع أسعار الألبان والأجبان، وقال: إن «ارتفاع أجور النقل وصعوبته، حيث لا تتوفر برادات نظامية لنقل الحليب من مناطق إنتاجه لمنشآت الحرفيين، وبالتالي يتم نقل كميات بسيطة منه خوفاً من فساده، إضافة لوجود الحواجز على الطريق التي تزيد من الصعوبة، ناهيك عن قدوم فصل الشتاء، حيث يقل الإنتاج بشكل كبير عن مواسم أخرى وبالتالي يرتفع السعر لقلة العرض».
هكذا تغش ألبان وأجبان
في أسواق العاصمة
وحول أبرز أساليب الغش المتبعة في تصنيع الألبان والأجبان، بين الصعيدي: أن «بعض المصنعين يقومون بإضافة النشاء والدسم النباتي ومواد مجمدة عند تصنيع الجبنة، وبيعها بسعر أقل من الجبنة البلدية الأصيلة، وهو يعتبر مخالفاً للمواصفة».
وعن سبب انتشار تلك المنتجات المغشوشة، برر الصعيدي ذلك بأن: «الوضع الاقتصادي الصعب للمواطن السوري دفعه للبحث عن المنتج الأرخص، وبالتالي هناك طلب على المنتجات الأقل ثمناً، حيث تباع مثل هذه الأنواع من الجبنة بسعر 650-600 ليرة /كيلو، في حين يبلغ سعر كيلو الجبنة النظامي 1400 ليرة».
وذلك يعني أن الإفقار المتزايد للمواطنين، الذي يدفعهم للبحث عن المنتج الأرخص، يعتبر عاملاً أساسياً في زيادة المعروض من المواد المغشوشة متدنية الجودة والمواصفة، من قبل المستغلين من تجار وسماسرة، وهو ما تتناساه الحكومة، وتغض الطرف عنه، عبر استمرارها بسياساتها المفقرة والمستنزفة للمواطنين.
الحليب المجفف .. ليس غشاً
وعن استخدام الحليب المجفف في الصناعة والذي تعتبره وزارة التجارة مخالفاً، أكد رئيس الجمعية أن لجوء بعض الحرفيين لاستخدام الحليب المجفف في صناعة الألبان والأجبان ليس بالأمر الجديد ولا المخالف، أو الضار بالصحة، فقلة الحليب الطازج وصعوبة تأمينه، دفعت للاعتماد أكثر على الحليب المجفف، وهذا الموضوع موجود منذ عشرات السنين، ومنتشر في الدول كافة، فضلاً عن أن الحليب المجفف يدخل في صناعة الحلويات والبسكويت وغيرها من منتجات».
وقامت الجمعية برفع كتاب لوزارة الصحة والتجارة الداخلية توضح: أن استخدام الحليب المجفف ليس مخالفاً للشروط الصحية، أو المواصفة على الإطلاق، على حد قول رئيسها عبد الرحمين الصعيدي.
ولعل من أهم ما يجب التذكير به بهذا الصدد، هو أن جزءاً هاماً وكبيراً من الحليب المجفف الموجود بالأسواق، والذي يتم استخدامه من قبل بعض هؤلاء المصنعين، غير معروف المصدر، حيث يدخل تهريباً، وهو غير خاضع للرقابة، لا من حيث النوعية والجودة، ولا من حيث مدة الصلاحية، الأمر الذي يعني المزيد من الإضرار بالمواطن على مستوى الأسعار كما على المستوى الصحي.
ويقوم بعض الباعة بالغش أيضاً، عبر الوزن وسعة العبوة، حيث يتم بيع عبوة بسعة 800 غرام بسعر الكيلو الكامل من اللبن الرائب، وعلى أعين أجهزة الرقابة المعنية، حيث تنتشر هذه العبوات بكثرة لدى البائعين جميعهم دون استثناء، والمواطن يقع ضحية لهذا الغبن والغش دون دراية منه.
كما شهدت صناعة الألبان والأجبان في السنوات الأخيرة، أساليب غش تمثلت باستخدام مواد غير صالحة للاستهلاك البشري، عبر إضافة مادة السبيداج، وتحديداً في اللبنة الكريمية.
الأمر الذي يثبت أن هؤلاء المستغلين، والمتواطئين معهم، لا تعنيهم لا مصلحة المواطن ولا صحته، بقدر ما يعنيهم جني أكبر قدر من الأرباح، ولو على حساب صحة المواطن، وبقائه على قيد الحياة.
دراسة تثبت الغش
لتعويض فرق التكلفة
من جانبها قامت جمعية حماية المستهلك، بإعداد دراسة لكلفة صناعة الألبان والأجبان بعد أن وجدت أن أسعار بيع تلك المنتجات غير ثابتة ومتذبذبة، فضلاً عن أنها أقل من التكلفة الحقيقية لصناعتها، وبالتالي التشكيك بجودة ما يباع في الأسواق مع الخوف من اللجوء إلى الغش، لتعويض الفرق بين التكلفة وسعر المبيع وتحقيق الربح.
وجاء في الدراسة التي أعدتها الجمعية، ونشرتها وسائل إعلام عدة، أن سعر تكلفة 1 كغ حليب يعادل سعر 1 كغ علف، مع مصاريف الأدوية والنقل وهامش ربح الفلاح والحلاب.
وذكرت الدراسة أن سعر كغ الحليب اليوم هو 220 ليرة كامل الدسم و190 ليرة لمتوسط الدسم و160 ليرة لمنزوع الدسم.
وبينت أن كلفة صناعة اللبنة اليوم هي وفق الآتي: كل 1 كلغ لبنة يحتاج إلى 3.5 كغ حليب، بالإضافة إلى كلفة إنتاجه ونقله وهامش الربح للمعمل والجملة والتاجر، ليصل سعر كيلو اللبنة كاملة الدسم إلى 1016 ليرة ومتوسطة الدسم إلى 886 ليرة ومنخفضة الدسم إلى 756 ليرة.
كما أوردت تكاليف منتجات أخرى، مثل الجبن البلدي بـين الـ 1264-ـ 1700، والعكاوي بين الـ 1310- 1760، والشلل بين الـ 2170- 2746 ليرة، بنفس الطريقة الحسابية، والتي يتبين بنتيجتها أن الأسعار المتباينة المتوافرة في الأسواق لهذه المنتجات، وخاصة المتدنية منها عن هذه الأسعار، تدلل على وجود غش بالمحتويات والمكونات وطريقة التصنيع، كما تشير بالمقابل إلى الفارق الكبير في هامش الربح المضاف من قبل بعض الباعة والمنتجين على أسعار التكلفة الحقيقية، ما يؤكد حقيقة فلتان السوق ناحية المواصفة والسعر والجودة.
واقع مؤلم
لم يعد مستغرباً الحديث عن ارتفاعات الأسعار وغلاء المنتجات، بالتزامن مع ظهور منتجات مقلدة أو مغشوشة ومضرة بالصحة، لكن التجاهل الحكومي وانعدام رد الفعل الكابح والملائم لمثل هذه الظواهر المتكررة، هو المثير للتساؤل حول مدى قرب المسؤولين من الواقع، وعن حقيقة قيامهم بواجبهم تجاه الناس وتحقيق ما يزعمون بأنهم يسعون لتحقيقه من مصطلحات وشعارات، مثل المصلحة العامة ومصلحة المواطن وحماية المستهلك والمنتج وغيرها.
ليثبت بالنتيجة أن مصلحة المواطن هي الغائبة دائماً، فيما مصلحة التجار والفاسدين هي من تحظى بالأولوية على مستوى الدعم والتغطية، ولو كانت على حساب بقاء هذا المواطن على قيد الحياة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 786