صحف بلا قراء.. صحفنا لا تقول الحقيقة

اعتاد المواطن السوري طوال ثلاثة عقود على قراءة ثلاث صحف يومية وبعض المحليات، وصحف المحافظات التي غالباً ما تشبه نشرات داخلية لا تتناول سوى نشاط الدولة والحزب، وأخبار عن افتتاح وتدشين المشاريع، وزيارات مسؤولي الدولة للقرى والبلدات  وتصويرها إخبارياً وإعلامياً للتسويق المحلي دون أن يتغير من واقع الحال شيء، ولم تستطيع هذه الصحف طوال السنوات الماضية أن تنقل الصورة الصحيحة عما يعانيه مواطننا السوري من مشاكل وصعوبات في مجمل أمور حياته،

وبقي المواطن متعطشا للصحف العربية، التي وجدت قراءها دون أي تنافس يذكر من قبل صحفنا الغارقة في التكرار والملل، لا تقدم للمواطن مادة صحفية تستحق القراءة، بل استطاعت الصحف العربية أن تتناول شأننا الداخلي بمصداقية وسرعة أكثر منها.

خارج السرب

 وبعد صدور قانون المطبوعات ظهرت صحف جديدة في أسواقنا، منها الدومري التي حلقت خارج السرب وأغلقت، وذلك كان إنذاراً لجميع الصحف بأن لا تتجاوز الخطوط «الحمراء» وتبقى داخل السرب الذي لا يحرك ساكناً، علماً أن أكثر من 90 بالمئة من الصحف المرخصة مؤخراً هي صحف إعلانية أو رياضية، عدا صحف أحزاب الجبهة وهي الصحف الحزبية المنطوية تحت لواء الجبهة، وهي عموماً أسبوعية أو نصف شهرية، وتقتصر على فئة معينة محددة من القراء، ولم تستطيع الخروج من منطق النشرة الحزبية الداخلية، وبالتالي بقيت كما هي صحيفة حزبية لا جماهيرية على الرغم من الدعم الحكومي لها، حيث خصصت ملايين الليرات السورية لتطويرها لكن يبدو أن التطوير يجب أن يطال أصحابها أولاً أي أحزاب هذه الصحف، وبقيت كما هي تكرر ما هو موجود دون أن تأتي بجديد.

حكي جرائد

 يقول خالد كمال: «لا يمكن لنا أن نضع جميع الصحف في خانة واحدة فهناك تطور ملحوظ في الصحف اليومية الثلاث، مما ساعد على ارتفاع عدد القراء، وهذا مؤشر على وجود القارئ، والمطلوب هو رفع مستوى هذه  الصحف كي تلبي حاجات جميع الفئات.

حسين: لا يجد جديداً في الصحف الموجودة، ولا يعرف جرائد غير تشرين والبعث والثورة، ويضيف: كيف أقرأ جريدة وأنا أعرف مسبقاً مواضيعها، فهم يكذبون في أتفه المواضيع يعني حكي جرائد ولا أحد يصدقهم.

عبير: «الصحف ضعيفة عموماً ولا ترتقي إلى مستوى كسب القراء، علماً أن هناك زاوية في تشرين لحسن م يوسف تستحق القراءة، والاقتصادية فيها بعض المواضيع التي تتناول قضايا الفساد وألاحظ جرأتها في ذكر بعض الأسماء والأرقام، مثل قضية مياه الشرب في محافظة الحسكة، وتورط  جهات كثيرة فيها وعلى رأسهم محافظ الحسكة، الذي تدخل علناً في فصل الصحفي «خلف» كاتب التحقيق، من صحيفة الثورة، أما الصحف الأخرى الحزبية مثلا فهي للنخب التي تصدرها». 

صحفهم لا تقرأ

فهد: «هناك صحف حصلت على رخص مؤخراً ولم تجد طريقها إلى القراء، وبقيت الصحف اليومية هي المنتشرة بدون منازع وتوزيعها المجاني يساعد على وصولها إلى كل الفئات ويلاحظ بأن هذه الصحف تتبادل الأدوار، فمرة تجد تشرين أفضل وأخرى الثورة والآن البعث أعتقد أنها سياسة كي تبقى الصحف الثلاث ماشية».

علا: «تتساءل: أليس من الغريب والمعيب أن يتصفح أحدنا هذه الجرائد من أولها إلى آخرها ولا يجد مادة تقرأ، ليس هناك أية جاذبية في صحفنا، فموادها قوالب جامدة، ومنوعاتها تافهة، وليس غريباً أن يهجر الناس مثل هذه الصحف، ولولا الدوريات العربية وخاصة اللبنانية لكنا ابتعدنا أكثر عن قراءة الصحف، فهل أصحاب هذه الصحف يدركون بأن صحفهم لا تقرأ؟». 

محمود: «أنا شخصيا لا أقرأ سوى الصحف الرياضية وبعض الصحف الإعلانية، لأنني مدرك سلفاً طبيعة هذه الصحف، التي لا تقول سوى الكذب ولا تحترم رأي الجمهور المتلقي لهذه المعلومة الكاذبة ولست مستعداً قبول هذا الاستخفاف».

الصورة النمطية

أبو عبيده يعمل في إحدى المؤسسات الثقافية ويهتم بالقضايا الفكرية والدراسات: «عندما نتحدث عن أداء صحفنا فهذا يعني أنه علينا الالتفات إلى سوية إعلامنا، وهي قضية شائكة تحتاج إلى بحث، وهنا حكماً سنضطر إلى انتقاد أداء الحكومة والدولة بمجملها، مما يعني أننا بحاجة إلى إصلاح حقيقي شامل، لكن ما يجري اليوم هو حجب الحقائق عن المواطن، وهذا ما تعلمناه جيلاً بعد جيل، وتبقى الصورة النمطية لإنساننا وإعلامنا وصحفنا هي السائدة لتبقى صحفنا صورة مشوهة عن واقعنا المشوه». 

أحمد بائع صحف عالماشي: «أقف هنا عند الكراجات لبيع تشرين والثورة والعديد يسألونني إذا كانت الجريدة تحتوي على الكلمات المتقاطعة أو الأبراج وأحيانا اليانصيب».

صحف الدولة والجبهة لها حصانة

إبراهيم طالب في كلية الإعلام: «أعتقد أنه ليس لأحد الحق في انتقاد صحف الدولة والجبهة، فهذه الصحف لها قراءها، ولها حصانة وليس لها منافس، والدولة ساعدت الاتحادات لتكون لها صحف ناطقة باسمها فمثلا اتحاد شبيبة الثورة يملك صحيفة المسيرة الناطقة باسمه والشرط الوحيد لمراسلتها أن يكون الشخص شبيبي. 

ويحق للشبيبي فقط أن ينتقد سياسة هذه الصحيفة».

تصلح لتنظيف البلور

فادي: «هناك تعتيم في صحفنا اليومية وغير اليومية، وهناك مقالات مؤلفة من آلاف الكلمات دون معنى، يعني صف حكي والعديد من هذه الصحف تباع لتكون نهايتها مأساوية لتتحول إلى مادة لتنظيف البلور، وأغلب عناوين هذه الصحف لا تشجع القارئ».

علي: «عندما تصبح هذه الصحف مكررة  ومملة ولا تتحدث إلا عن لغة المنجزات والتدشين تتحول إلى عبء على أصحابها، أما الصحف الحزبية التي كانت تصدر في الظل فكان الأفضل لها أن تبقى في الظل، لا أن تخرج في هذه الصورة الضعيفة الهزيلة والمكررة والمكملة للنماذج الموجودة، تحت يافطة التعددية، لكنها في حقيقة الأمر تشوه مفهوم التعددية، وهي صحف رفع عتب على الرغم من الأموال التي وضعت في خدمتها وكما يقول المثل الشعبي العين لا تعلو على الحاجب».

منير: «الحقيقة أن صحفنا لا تلبي حاجات قرائنا، وشراؤنا للصحف العربية  لا يعني في أي حالٍ من الأحوال بأن وضع الصحف العربية أفضل من وضعنا، لكن عندما يكون هناك حدث معين نجد تغطية وتحليلات أفضل في هذه الصحف، ولاسيما اللبنانية منها».

كلها في سلة واحدة

 رياض: لا يقرأ الصحف الموجودة لأنها لا تستند إلى أدنى شروط المصداقية والعمل الصحفي «وفي اعتقاده بأن هذه الصحف جميعا تسير وفق سياسة الرقيب، الذي هو الدولة سواء كانت الصحف خاصة أو حزبية أو مستقلة فهي كلها في سلة واحدة أمام الرقيب».

 هيثم: «أنا لا أقرأ سوى الاقتصادية رغم أنها انتقائية في نقدها اللاذع لمشكلات البلد، وأقول انتقائية لأنها تخصص صفحات عديدة لأشخاص وفعاليات اقتصادية معينة ومعروفة ومدعومة جداً كشركات الخليوي وأصحابها، وهذا يعني بأنها غير صادقة، فهي لا تستطيع توجيه أي انتقاد لأداء هؤلاء علماً أنها تفتح ملفات ساخنة بين الحين ولآخر لقضايا الفساد والسرقة والنهب، ولاسيما في القطاع الحكومي أي قطاع الدولة».

الشعارات التي لم تعد تنفع

 مراد طالب جامعي: «ما يهمنا نحن السوريين هو أن نسمع أخبارنا في صحفنا، لكن ما نراه اليوم هو أن الصحف تخلت عن مهمتها التحريضية كوسيلة ضغط على الجهات المعنية لحل قضايا المواطنين، والدفاع عنهم، إلى وسيلة دعائية ودفاعية عن هذه الجهات، وكأن مهمتها تنحصر في تجميل صورة هذه الجهات، وللتسلية أيضاً وتمضية الوقت، وهناك صحف حديثة لازالت غارقة في الشعارات التي لم تعد تنفع». 

عادل: «بالرغم من وجود وصدور الكثير من الصحف في الفترة الأخيرة إلا أنها ظلت أسيرة المكتبات، دون أن تباع وهي في الغالب مرتجعة لأصحابها، وبقيت جريدة تشرين هي الأفضل بين الصحف الموجودة، ومؤخراً الثورة، لتبقى البعث في المرتبة الثالثة بين هذه الصحف الأكثر رواجاً وكانت انطلاقة جريدة النور جيدة، لكنها الآن لا تختلف كثيرا عن الصحف اليومية الموجودة، وأنا شخصيا  أتابع  بعض المواضيع في تشرين، لاسيما عن دمشق القديمة للدكتورة ناديا خوست، أو إذا وجدت بعض العناوين المثيرة، وهناك بعض الصحف العربية تستحق القراءة لكنها غالية ولا نستطيع متابعتها». 

حازم طالب سنة ثانية في كلية الإعلام: «صحافتنا قديمة مستهلكة غير ناقدة أكل الدهر عليها وشرب والرقيب القاسي أفقدها المصداقية، وهذا ينطبق على الصحافة الأخرى سواء لجهات خاصة أو حزبية، فهي اليوم تتوجه إلى القراء بلغة السلطة أو الحكومة بدل أن تنتقدها، وتخلت عن دورها الذي كان يجب أن يمثل الآخر».

الانتهازيون في صحفنا

أبو جبل: ليس عنده أي تفاؤل تجاه الصحافة الموجودة ويعتبرها بلا طعم ولا لون. 

بريفان: «تنتقد أداء الصحف  الموجودة من المحلية والعربية، وضيق مساحة الحرية المتاحة في هذه الصحف، «حتى لو وجدت فسحة معقولة لطرح الآراء الجديدة والجريئة فهي تجهض من قبل بعض الانتهازيين في صحفنا، ومخاوف المحررين في هذه الصحف تضيق الخناق على العديد من المواضيع التي يجب أن ترى النور، وهم طبعاً بذلك يبيضون صفحتهم أمام رؤسائهم طمعاً بمناصب جديدة، وهناك العديد من الخطوط الحمراء يبتدعونها من خيالهم كي تبقى الأمور هكذا، ومنذ أن تعرفت على «قاسيون» أحسست أنني قد وجدت الصحيفة التي تشبع نهمي للمعلومة الصحيحة والمتحيزة للمواطن طبعاً ووجدت الجرأة في المواضيع السياسية وفي المحلية التي يخاف الكثيرون من طرحها بهذا الشكل الحر».

ماهر: «نحن لم نعتد على رؤية هذا العدد الكبير من الصحف من قبل، وأنا شخصيا لا أتابع في هذه الصحف سوى الأمور المسلية والكلمات المتقاطعة وبعض القضايا  الثقافية، وإذا فكرت في شراء جريدة عربية، لا أشتري الحكومية منها إنما أفضل جريدة مستقلة».

الصحف الحزبية كلها مرتجعة

عامر: «لا أعتقد بأن صحفنا تسد جوع مواطننا للثقافة عموماً، وحرام أن يهدر كل هذا الجهد والمال في صحف لا تقرأ، ليس هناك أي حرية في تداول المعلومات في الصحف، والكذب سيد الموقف وقد كشف المستور في ندوة ال بي بي سي مع وزارة الإعلام منذ فترة قصيرة، حيث أكد الجميع على القمع الذي يتعرض له الصحفيون،  وكيف تحجب عنهم المعلومات تحت العديد من الحجج الواهية».

نهى سيدة تملك مكتبة وتبيع الصحف تقول: «الصحف اليومية تباع، وبالأخص تشرين والثورة أما البعث فهي أقل مبيعاً، وكذلك الصحف الرياضية وبالأخص الملونة منها، وكذلك بعض الدوريات العربية مثل المحرر والحياة، أما الصحف الحزبية فهي كلها مرتجعة بلا استثناء، وعندما طلبت من مؤسسة توزيع المطبوعات عدم جلبها قيل لي بأن الجميع ملزمون بطرحها وعرضها، والغريب لم يجرب أحد شراء عدد واحد من هذه الصحف، ولو من باب التجريب، برأيي هناك صحيفة جيدة تستحق المتابعة وهي الموقف الأدبي، لكن للأسف لا تباع، أعتقد بأن المشكلة كبيرة وبحاجة إلى حوار يشارك فيه الجميع للوصول إلى حل معقول لهذه الأزمة».

حسين صاحب كشك لبيع الصحف يضم صوته للسيدة التي وصفت المشكلة بدقة ويضيف: «لولا زبائن محددون يأتون لشراء هذه الصحف لتكدست كلها في مكتباتنا وأكشاكنا وأنا شخصيا أعرف زبائني بالاسم وعموماً هناك صحف بعينها ترتجع وأصبحت معروفة».

أسعد يملك كشكاً لبيع الصحف: «عموماً الصحف اليومية الثلاث تباع وأيضا الصحف اللبنانية أما المصرية والخليجية فهي أقل مبيعاً لأن المواطن السوري لا يلتفت إلى هذه الصحف لا من قريب ولا من بعيد، والخليجية تحديداً تتكدس وترتجع لحين موسم الصيف عند قدومهم (أي السواح الخليجيين) للسياحة فيشترونها، وأغلب الصحف الحزبية لم أبع منها عدداً واحداً حتى الآن».

وتبقى جميع الأسئلة مشروعة في ظل هذا الوضع البائس الذي وصلت إليه صحفنا، فلم يعد المواطن يثق بصحفه، والهوة تزداد وكأن الصحف الموجودة ليست لمواطننا، والجميع يؤكد على وجود المشكلة، لكن لا أحد يتصدى لإيجاد الحلول المناسبة، وتتراكم الأزمة لتولد أزمات جديدة أخرى، وتستمر لعبة إبعاد المواطن عن المشاركة ليبقى بعيداً مغيباً ويبقى هناك من يفكر عنه، ويقرر عنه، دون أخذ رأيه في مصيره .

 ■  إبراهيم نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.