أ. د. اسماعيل شعبان أ. د. اسماعيل شعبان

دورالسكن الجامعي في التعليم العالي  (بين الواقع الكائن والأماني الممكنة)!

مع بداية كل عام دراسي تطفو الى السطح مشكلة السكن الجامعي، و معها تطرح بحدة العديد من الأسئلة التي تحتاج الى حلول سريعة وجذرية..

فيما يلي دراسة بقلم أ. د: اسماعيل شعبان حول هذا الموضوع، اضطررنا آسفين الى حذف مقدمتها لضيق المساحة:

 7 ـ من المشكلات الكثيرة جدا التي يعاني منها التعليم العالي في الوطن العربي بشكل عام وفي سورية ضمنا، سأقتصر الآن فقط على التعرض لمشكلة السكن الجامعي (بين الواقع الكائن والأماني الممكنة)، لكونها المشكلة الأكثر سخونة في مطلع العام الدراسي الجديد 2002/2003، (كما كانت في بدايات الأعوام الجامعية السابقة).

 آ - يتزاحم على شغل السرير السكني الواحد عدة طلاب، وخاصة من أبناء المحافظات السورية العشر (غير الحاضنة للجامعات الأربع)، الذين يعانون من أزمة السكن الجامعي المرعبة للطالب ولأهله طيلة سني الدراسة الجامعية (حيث إن انعدام توفر السكن الجامعي يعني حتمية انعدام متابعة التعليم العالي وبالتالي قبر طموحات الكثيرين من الطلاب وخاصة الطالبات على أبواب المدن الجامعية التي لاتستقبلهم).

 ب - وبالتالي تعذر الدوام والتعليم والتعلم النظري والعملي للمقبولين للسكن.. الخ بسبب تأخر إصدار قوائم الأسماء، إذ كيف يداوم طالب جامعي أو يدرس أو ينجز وظائفه العملية قبل أن يسكن، وإن السكن غالبا ما يتأخرللكثيرين لفترة طويلة بعد بداية العام الجامعي في 15/ 9 / من كل عام، وقد يقتصر الدوام والحالة هذه (إذا تم)على أبناء المدن الأربع الحاضنة للجامعات الأربع (دمشق، حلب، حمص، اللاذقية)، بينما يبدأ الدوام الفعلي في جامعات العالم المتقدم في 1/9/ من كل عام، وفي هذه الحالات ينعدم تكافؤ الفرص بين من حظي بسكن طلابي وبين من لم يحظ، وبين من تمكن من الدوام اللازم في حينه وبين من لم يتمكن.

 جـ - ولا سيما أن الطلاب الجدد والقدامى في الجامعات والمعاهد العالية في سورية يتزايدون سنة بعد أخرى بنسب هندسية، بينما السكن الطلابي يتزايد بنسبة أقل من حسابية، لا بل صفرية /ستاتيكية في الكثير من السنين، وأحيانا سلبية بسبب الإصلاحات والترميمات.. الخ.

 د- وإنه لمن رابع المستحيلات تأمين سكن طلابي خاص مأجور في المدن الأربع الحاضنة للجامعات إلا لمن كان أبوه من ذوي (الجيوب المنتفخة بالمال المجموع من فروقات الراتب ؟؟؟..).

 8- هذا وبسبب المنافسة الجماعية على الفوز بالسرير الواحد، يمكن رؤية الصور المخيفة التالية في مطلع كل عام جامعي، والتي منها على سبيل المثال لاالحصر، التالي:

 آ - تزاحم الطوابير الطلابية عند التسجيل أو الفحص الطبي أو ظهور قائمة سكن جديدة.. الخ، وبشكل بدائي…

 ب - طلاب ينامون في الحدائق انتظارا لقوائم الغد أو بعد الغد.. لأن المعنيين لايملكون أجور الطريق الى محافظاتهم البعيدة والعودة انتظارا للقائمة الموعودة..

 ج - طلاب يبكون ويرتجفون هلعا خشية القضاء على حلمهم الجامعي شبه الوحيد على مذبح السرير غير المتاح…

 د- الوساطات من كل الجهات والمستويات للتسكين، وتعرض الكثيرين من المسؤولين للصداع والإحراج في مطلع كل عام جامعي (وأعرف ذلك من خلال تجربتي السابقة كنقيب للمعلمين في الجامعة، وتحملي الذاتي لمسؤولية تسكين أبناء الزملاء النقابيين من المحافظات الأخرى.. الخ).

 هـ - ولكن لو تم توفير السرير اللازم لكل طالب محتاج إليه وفي حينه وبسعر الكلفة (المربح للدولة وللطالب وللمجتمع وللتعليم وللتطور.. الخ)، لما كانت كل هذه الصور المأساوية المفزعة والمحبطة والمذلة والمحزنة بآن واحد.

 9- هذا وإذا سألت أحدهم عن سبب أزمة السكن الجامعي؟.

 تكون الأجوبة السقيمة البائسة التالية: لأنه لا توجد مدن جامعية كافية؟.

 س 2: ولماذا لا تبنى مدن جامعية جديدة وكافية؟

 ج 2: لأنه لا توجد السيولة الكافية، ولا توجد مخصصات لذلك ، ولا سيما نحن نسكن الطالب فقط بـ 25 ل. س شهريا (أي شبه مجاني).

 س 3 : ولماذا لا يؤخذ من الطالب سعر التكلفة الحقيقية وتبنى المساكن الطلابية اللازمة وتحل المشكلة المزمنة والمتفاقمة؟ (ولاسيما لاأحد يعترض على ذلك طالما تحل مشكلته أصولا؟).

 ج 3 : حتى يستمر التباهي أمام وسائل الإعلام بأننا نسكن الطالب الجامعي بـ 25 ل. س شهريا فقط (أي بثمن علبة كولا واحدة،أو نصف علبة سجائر أجنبية) وبالتالي يبقى الطلاب والطالبات وأهاليهم بحاجة إلى الوساطات بشكل دائم … وتبقى احتمالات الابتزاز مفتوحة.. الخ

 س4: وما ذنب الكثيرين الذين لم يحظوا بسكن طلابي؟؟؟

 ج4: عليهم الصبر، وتحمل ذلك، والمحاولة في السنوات المقبلة، أو التسجيل في الجامعات المأجورة، أو السفر للدراسة في الخارج… الخ المهم عدم الشوشرة بوسائل الإعلام.. الخ الخ

 10- والحالة ماتقدم: فإن المدخلات العلمية ومخرجاتها تتناسب طردا مع حالة الطالب السكنية التي لاتقل برأينا عن حالة المحاضرة والمكتبة والمختبر والكتاب الجامعي.

 11- وقياسا على ذلك:

 آ- يمكن تذكر أيام الثمانينات في القرن الماضي عندما كانت شركة (الكرنك) الحكومية/ للنقل/ بباصاتها المحدودة والمتناقصة (بسبب الاستهلاك)، وعدم التوسع بها رغم الحاجة الماسة والمتزايدة على خدماتها، حيث كان حجز البطاقة الواحدة يحتاج إلى واسطة وربما رشوة وبوسة يد وقبل 24 ساعة من السفر (وكثيرا ما كان الباص يتعطل في الطريق)، في الوقت الذي كان بالإمكان توسيع الشركة وحل مشكلات المواطنين التنقلية وبشكل مريح، وتحقيق الأرباح الهائلة للخزينة وللشركة، وتشغيل المزيد من العاطلين عن العمل.. الخ، ولكنها لم تفعل، لأن الشركة كانت احتكارية /عامة وبإدارة بيروقراطية متخلفة عن قوانين السوق الديناميكية في العرض والطلب.. الخ.

 وكذلك كانت شركة (محارم الكنار الوحيدة في مجالها) حيث كان تأمين علبة محارم واحدة يقتضي أسبوعا كاملا أحيانا من البحث والتقصي.. الخ الخ.

 وقس على ذلك حالات سلع ضرورية أخرى كثيرة كالحديد والخشب والكاوتشوك.. الخ لاموجب لاستعراضها الآن، في حين كان بالإمكان تأمينها أصولا وحل مشكلة المواطن الملحة وتأمين الدخل لخزينة الدولة وتوفيرمتطلبات التنمية، (وقس على ماتقدم حالة السكن الطلابي).

 ب - ولكن لما طُوّر التشريع، وصدر قانون الاستثمار رقم / 10 / لعام 1991 (رغم ثغراته الكثيرة) أصبحت شركات النقل تملأ الطرقات، وشركات إنتاج المحارم الكثيرة وغيرها تبحث عن المستهلك لمنتجاتها المتعددة والمتنوعة.. الخ الخ.

 جـ - ولاشك إن تأمين المتطلبات في حينها يحقق المصلحة العامة للخزينة والمستثمر والمستهلك والوطن والمواطن والتطور الاجتماعي والاقتصادي.. الخ.

 12- هذا وإن حل مشكلة السكن الجامعي الملحة جدا، تقتضي برأينا وبالسرعة الفائقة:

 آ - إحداث جامعة أو مركز جامعي على الأقل في مركز كل من المحافظات العشر غير الحاضنة للجامعات، بحيث يتحقق لكل حوالي 5.1 مليون نسمة جامعة أومركز جامعي كما في دول نامية كثيرة، ولكن هذا غير ممكن في الوقت الحاضر على الأقل، بسبب التكاليف الباهظة وعدم كفاية المدرسين الجامعيين اللازمين لذلك.

 ب - ولكن الحل الممكن هو: بناء المدن الجامعية الكافية، لتأمين السكن الطلابي اللازم لكل طالب يحتاجه وفور طلبه إياه (ولكن بسعر الكلفة وبما يتناسب مع مستوى السكن).

 ج - وكذلك بناء وحدة سكنية للأساتذة الجدد والمحتاجين منهم لفترة محددة (وبسعر الكلفة).

 د - وبذلك تحل مشكلة السكن للأستاذ، والطالب وأهله (كمشكلة اجتماعية اقتصادية كبيرة)، وكذلك مشكلة التعليم العالي الجدّي، بالبداية الجدّية بالعام الدراسي الجديد من بدايته، وكذلك مشكلة الدخل للخزينة، ومشكلة البطالة (بتشغيل أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل لخدمة ذلك، وخاصة من الخريجين) الخ.

 13 - ولكن السكن الجامعي المعاصر ليس فقط في تأمين (السرير، والمغسلة، والمرحاض..)، وإنما هو أيضا:

 آ - تأمين المجال الحيوي اللازم للطالب أثناء العام الدراسي، حيث (التدفئة المركزية، الماء الساخن، المطعم الطلابي ذو الوجبات الساخنة الثلاث يوميا، المكتبة، قاعة المطالعة، مغسلة الثياب، الهاتف العمومي، السوبر ماركت الطلابي، قاعة التلفزيون، صالة السينما، المسرح الطلابي، مقاهي الإنترنيت، مكتبات الطباعة والتصوير.. الخ الخ والتي لا تقل أهميتها لخدمة الطالب عن أهمية قاعة الدرس، أو المكتبة العامة أو مخبر الكلية أو الكتاب الجامعي .. الخ)، وكل ذلك لخدمة الطلاب الجامعيين وأيضا خدمة الأساتذة، والعاملين في الجامعة وبسعر الكلفة.. وحتى الساعة العاشرة مساء ما أمكن.

 ب - وذلك لإتاحة الفرصة للطالب لتحقيق كل ما يلزمه وبسعر الكلفة وبأسرع وقت وأقل جهد.. الخ.

 جـ - وبالتالي توفير الوقت الكبير والثمين الضائع (هدرا في الطرقات بحثا عن وسائل المعيشة الطلابية، والطبخ الفردي ، والتلويث البيئي وطوابير الانتظار واستغلال المستغلين.. الخ الخ)، بالإضافة إلى الجهد الهالك في ما تقدم، مقابل القليل القليل من الجدوى.. الخ.

 د - واستغلال ذلك الوفر من الوقت والجهد في: الدراسة والجد والاجتهاد والمطالعة والبحث والتحليل والكمبيوتر والأنترنيت، وسماع المحاضرات العلمية والمتخصصة والعامة، وتنمية المواهب والمعارف و المؤهلات والهوايات عبر الدورات المتعددة. الخ الخ.

 14- وكل ذلك يمكن تحقيقه وبسرعة كبيرة ، وبشكل علمي ومنظم وحضاري واقتصادي وفني، وفي إطار القوانين الاقتصادية العلمية القائلة: (بارتفاع إنتاجية تقسيم العمل الاجتماعي) و(ربحية وفر العمل الكبير).. الخ.

 15- إن إنجازالمطلوب مما تقدم، يعتبر مسؤولية كبرى تقع على عاتق الجميع (وخاصة ذوي القرار في التعليم العالي وغيرهم)، ينبغي تحملها لخدمة أولادنا أكبادنا التي تمشي على الأرض، وساعتئذ فقط يمكننا أن نطلب من أجيالنا الجديدة: الدراسة الجدّية النظرية والعملية منذ بداية العام الدراسي، وبالتالي تخريج العلماء، والمبدعين، والمخترعين، والمفكرين ،والمؤهلين بجدارة والرياضيين ، والمتفائلين الخ الخ، والممتلئين حبا وامتنانا لمجتمعهم، ووطنهم المهتمين بقضاياه وتطويره والعاملين بحماس لدفعه نحو الأمام والأعلى..

 16- هذا وقد كنت كتبت هذه المقالة في أواخر الثمانينات (عندما كنت نقيبا لمعلمي الجامعة) وأرسلتها إلى كل الجهات المعنية في حينها (تنفيذا لتوجيهات المعلم الخالد الرئيس حافظ الأسد : بعدم السكوت عن الخطأ ، أو التستر على العيوب والنواقص ….)، ولكن بدون جواب واحد. وأعيد كتابتها وإرسالها الآن (لاطمعا في… ولاخوفا من…) وإنما إرضاء للضمير وإظهارا لحقيقة المعاناة التي يقاسيها أبناء الكادحين في قضية السكن الجامعي (بدون ذنب منهم، وإنما بسبب تقصير المعنيين بالأمر)، وانعكاس ذلك سلبيا على مجمل عملية التعليم العالي في القطر وبالتالي على تطوره.