ملايين الليرات لم تحمِ 1,5 مليون طفل من التسرب المدرسي
أكثر من مليون ونصف المليون طفل متسرب من المدرسة، رغم ملايين الليرات المقدمة من منظمة «اليونيسيف»، والتي قدمت مبالغ ضخمة للجمعيات الأهلية الشريكة لمجرد الترويج والإعلان عن حملات العودة للمدرسة، وفقاً لمصدر في إحدى الجمعيات، وذلك دون وجود أرقام صريحة ومعلنة من وزارة التربية عن حجم الدعم الذي تلقته من المنظمة الأممية، لمحاربة ظاهرة التسرب المدرسي بفعل الحرب.
بيروقراطية وتأخير
حملات العودة للمدرسة، رغم الدعم الكبير المقدم لها، انطلقت بعد بداية العام الدراسي بأكثر من شهر، أي مع اقتراب موعد الامتحانات الأولى، لأسباب متعددة أوردتها إحدى الجهات بالحملات الترويجية للعودة إلى المدرسة، مؤكدة دور الروتين والبيروقراطية الحكوميين، في تأخير عدة أنشطة عن موعدها المقرر.
وانخفض عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الأساسي من 5.634.437 طفل عام 2012 إلى 4.134.047 طفل في عام 2016، بنسبة تسرب تقدر بـ27% أي حوالي 1.500.390 طفل متسرب من المدرسة، وذلك وفقاً لإحصائيات وزارة التربية.
كما ارتفعت نسب الانقطاع من المدرسة لفترات تتراوح بين شهر واحد وسنة دراسية كاملة نتيجة تعرض المدراس للدمار والخراب، أو صعوبة الوصول إليها في بعض المناطق الساخنة أو الخارجة عن سيطرة الدولة.
تشرد وفقر
لم يكن العامل الاقتصادي الذي تعاني منه الأسر النازحة، أو المهجرة، بريئاً من تحمّل مسؤولية ازدياد ظاهرة التسرب المدرسي، حيث تشجع بعض الأسر أطفالها على العمل لإعانتها في تحمل نفقات المعيشة المرتفعة، في حين قد يكون انعدام وجود مكان ملائم للسكن والاستقرار، عاملاً مساهماً في عدم الالتحاق بالتعليم، وهو ما تعاني منه عائلات عديدة، بعد أن خسرت منازلها وممتلكاتها، بسبب الدمار، أو السرقة والنهب، أو غيرها من أسباب خلفتها الحرب والنزاع.
في المناطق الآمنة: النسب «صادمة» وقلة ترحيب بالوافدين
نسب التسرب المدرسي لم تكن محصورة بالمناطق الساخنة، حيث النزاعات والدمار وقلة الأمان، بل لوحظت بنسب مرتفعة في المناطق الآمنة، وتنوعت المسببات بين اقتصادية واجتماعية نفسية تتعلق بالمنطقة المستضيفة للوافدين إليها، وذلك حسب أحد العاملين بإحدى الجمعيات.
ففي بعض المناطق الآمنة مثل السويداء والتي استقبلت أعداداً من الوافدين، وصلت فيها نسب التسرب المدرسي إلى 35%، وتلك نسبة مرتفعة جداً وصادمة، والعامل الاجتماعي وعدم التعامل بالطريقة المناسبة من قبل الكادر التدريسي وتوجيه الطلاب لكيفية معاملة الوافدين كانت سبباً أساسياً في ابتعاد الأهل عن إرسال أطفالهم للمدرسة، حيث لم يتم قبولهم في المدرسة أو لم يلقوا الترحيب و المعاملة الحسنة.
ولا بد من تأهيل الكادر التدريسي وتوجيهه لكيفية التعامل مع الطلاب الوافدين، بما ينعكس على طلاب المنطقة الأساسيين، تفادياً لأية مضايقات أو مواقف تدفع الطفل للابتعاد عن المدرسة.
كما أن بعد مناطق سكن الوافدين (في السويداء) عن المدارس، يتطلب نفقات اضافية مخصصة للمواصلات، الأمر الذي وجدته العائلات الوافدة مرهقا مادياً.
وفيما يخص المناطق الساخنة، فإن الجمعيات غالباً تعتمد على مساعدة السكان المحليين ووعيهم بأهمية متابعة التحصيل العلمي، لأنهم أقدر وأعلم بالوضع في مناطقهم، ومن خلال التواصل معهم تتم عمليات التوعية والترويج، أو العمل في المراكز التعليمية كبديل للمدارس، أو رديف لها.
حلول الوزارة لم تكن كافية
بالمقابل، أوضحت وزارة التربية، على لسان مدير التعليم الأساسي فيها، حسن عاجي: إنها قامت باعتماد خطط وآليات لمحاولة التقليل من اثر النزاع في مجال التسرب المدرسي، عبر اعتماد «أوراق التعلم الذاتي» والعمل مع اليونيسيف والهلال الأحمر على إيصالها للمناطق التي يصعب فيها على الطلاب الوصول للمدراس، فضلاً عن وجود الفئة (ب) بمنهاجها الخاص بالطلاب الذين لم يلتحقوا بالتعليم نهائياً، أو المعادين بعد التسرب.
ولزيادة القدرة الاستيعابية للمدارس، تم اعتماد الدوام النصفي في جميع المدارس تقريباً، والعمل على انشاء غرف صفية جديدة في الباحات ذات المساحة الكافية.
واعترفت الوزارة بوجود اشكالات من ناحية الاندماج الاجتماعي بينما قامت بالتأكيد على دور المرشدين الاجتماعيين والنفسيين في المدارس، وان المدارس ملزمة بقبول كل من يتقدم للالتحاق بها مهما كان عدد الطلاب فيها.
تعلم ذاتي ومنهاج مكثف
وأوضحت وزارة التربية، أن أوراق التعلم الذاتي هي أوراق عمل جرى تصميمها، بحيث تمّ تحويل مفردات المناهج النظامية إلى أنشطة تعلم ذاتي، يقوم بها المتعلم «بدون وجود معلم أو كتاب مدرسي» حيث تقوده هذه الأوراق، المُتَعلم خطوة بخطوة للوصول إلى تحقيق أهداف التعلم واكتساب المهارات المطلوبة.
وتم تطوير هذه الأوراق لمواد (اللغة العربية — العلوم — الرياضيات — اللغة الإنكليزية) للصفوف من (1-9) ، وتساعد هذه الأوراق المتعلمين غير القادرين على الوصول إلى المدارس أو الطلبة الموجودين في مراكز الإيواء، على متابعة دراستهم ولو لم يتمكنوا من الوصول إلى المدرسة من خلال هذه الأوراق.
في حين أكد أحد القائمين على العمل في إحدى الجمعيات أنها لم تتلق بيانات من أي منطقة تعمل بها كوادرها، بأن الأطفال قد حصلوا على مثل هذه الأوراق أو عن استخدامها.
أما المنهاج المكثف / الفئة ب/ الخاص بالطلبة المتسربين من التعليم الأساسي الذين تتراوح أعمارهم بين (8 إلى 15) سنة ولم يسبق لهم الالتحاق في المدرسة(لا زالوا أميين) . أو الأطفال الذين يُعادون إلى المدارس بعد التسرب، بمن فيهم الأطفال الذين خضعوا لبرامج تأهيلية في المراكز التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، المحالون إلى مديريات التربية. حيث يقبل هؤلاء الأطفال في شعب خاصة ملحقة بمدارس التعليم الأساسي، وفق سويتهم التعليمية، ويطبق عليهم منهاج وخطة دراسية، ويجتازون الصفوف من (1 إلى 8) وفق أربعة مستويات تمتد على أربع سنوات أي نصف الفترة.
المسؤولية الحكومية
أخيراً لا بد من الإشارة، إلى أن مسؤولية التسرب المدرسي تقع أولاً وآخراً على عاتق الحكومة والوزارة المعنية، وليست من مسؤولية الجهات الأخرى، سواء كانت منظمات دولية أو جمعيات محلية، اعـتباراً من مسؤولية الدولة تجاه الواقع الاقتصادي الاجتماعي، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسية للتسرب المدرسي، بظل تدهور الوضع المعيشي للمواطنين عموماً، بالإضافة إلى المبررات والمسوغات المقترنة بالحرب والأزمة، والدمار الذي لحق ببعض المنشآت التعليمية، وما يجب القيام به على هذا الصعيد، ناهيك عن مشجعات العودة للدراسة، التي تبدأ بحملات الترويج ولا تنتهي بتقديم ما يلزم، على مستوى الكادر التدريسي والمساعدات التعليمية الأخرى، بما في ذلك المناهج، والمناهج البديلة المؤقتة، ليأتي بعد ذلك دور بعض الجهات الأخرى، وما تقدمه من إمكانات إضافية، كعامل مساعد على مستوى تحقيق الخطط الرسمية الموضوعة لهذه الغاية.