في العاصمة.. صاحب البسطة مخالف والمستثمر مستثنى!
استفاق مؤخراً مجلس محافظة مدينة دمشق وطالب بإزالة إشغالات البسطات في بعض الأسواق ومن أمام كلية الحقوق بالبرامكة، وغيرها من الأماكن في العاصمة.
ما من شك بأن البسطات والإشغالات المخالفة قد ازدادت خلال سني الحرب والأزمة، حيث لجأ العديد من المواطنين إلى هذه الأعمال نتيجة زيادة أعداد العاطلين عن العمل وعدم توفر فرص العمل الكافية، فكانت البسطات المنتشرة تعبيراً حقيقياً عن الأسلوب الذي اعتمده أصحابها كمصدر للرزق والمعيشة بدلاً عن الحاجة والطلب والوقوف بطوابير الانتظار على فرصة عمل غير متوفرة، بظل تراجع الدولة عن قيامها بهذا الواجب، وتوقفها بشكل شبه كامل على هذا المستوى خلال سني الحرب والأزمة، اللهم باستثناء بعض الإعلانات عن مسابقة هنا أو هناك لفرص عمل محدودة جداً، يغلب عليها الوساطة والمحسوبية.
مصدر رزق خدمي مخالف
لابد من الإشارة إلى أن هذه الإشغالات العشوائية المنتشرة داخل العاصمة، في الأسواق وعلى الأرصفة، كانت مصدر إزعاج للقاطنين بجوارها كما للمارة من المواطنين، خاصة على مستوى ما تخلفه أحياناً من قمامة مبعثرة، وما تستقطبه من حشرات وبعوض وجرذان، بما يساعد على تفشي الأمراض وانتشارها، ناهيك عن لا مبالاة بعض أصحاب هذه البسطات بالجوار، بالإضافة إلى الإزعاجات التي تظهر من بعضهم على مستوى التعامل مع المارة، وخاصة الفتيات والنساء، وهذه الإشغلات تعتبر مخالفة من حيث المبدأ والنصوص القانونية والتعليمات.
على الطرف المقابل لا بد من الإشارة إلى أن هذه البسطات والإشغلات العشوائية هي مصدر الرزق الوحيد للعاملين بها، وبالتالي تعتاش من خلفها آلاف الأسر داخل العاصمة، بالإضافة طبعاً إلى طابعها الخدمي من حيث تأمين بعض المستلزمات الضرورية والأساسية للمواطنين.
مزيد من الإفقار والعوز
المحافظة تعكف بين الحين والآخر على إزالة بعض هذه الإشغلات العشوائية، كما وتقوم بمخالفة أصحابها عبر تنظيم الضبوط اللازمة بحقهم، والتي تقتصر بالنتيجة على الغرامة المالية، بالإضافة إلى مصادرة البضائع ومستلزمات العمل، من بسطة خشبية أو عربة أو ميزان وغيرها، وذلك حسب ما تنص عليه القوانين والتعليمات، بالإضافة إلى أن القائمين على إزالة الإشغالات المخالفة يتعامل بعضهم مع هذه البسطات على مبدأ «خيار وفقوس»، فبعض البسطات تزال، فيما يبقى بعضها الآخر.
وبظل هذا الواقع الاقتصادي المعاشي المتردي، مع عدم توفر فرص العمل، فإن إغلاق مصادر الرزق المتمثلة بالبسطات المنتشرة عبر إزالتها يعتبر مزيداً من الإفقار والعوز لآلاف الأسر، وترك مصير هؤلاء بمهب الريح، بغض النظر عن الموقف القانوني من ناحية المخالفة بالإشغلات أو الإزعاجات المترتبة جرائها أو لناحية النظافة وغيرها.
المحافظة تستثني وتمنع الاستثناء!
على الطرف المقابل نجد بأن المحافظة نفسها شرّعت بعض المخالفات الشبيهة ومنحتها صبغة قانونية، حيث منحت المطاعم ومحلات المأكولات الحق بإشغال الأرصفة بالطاولات والكراسي وغيرها، بمقابل مادي معين، على شكل ريع استثماري لصالح المحافظة، كما منحت حقوق استثمار في بعض الحدائق وفي بعض الوجائب والملكيات العامة الأخرى كذلك الأمر، علماً أن هذه الأعمال الاستثمارية كلها لها مخلفاتها ونتائجها ومنعكساتها السلبية على المواطنين والمارة، كما هي حال البسطات المخالفة، وهي بذلك منحت نفسها حق استثناء بعض الأنشطة التجارية والاستثمارية من القوانين والتعليمات، فيما تعمل على تطبيق هذه القوانين والتعليمات بحذافيرها على أنشطة أخرى.
المحافظة لديها الإمكانات كلها.. ولكن!
ذلك كله يدعونا للتساؤل: هل عجزت المحافظة عن إيجاد حلول أكثر إنصافاً بالنسبة لأصحاب هذه البسطات، بدلاً من قطع أرزاقهم ودفعهم للعوز والجوع هم وأسرهم؟.
أليس باستطاعة المحافظة أن تضع حلولاً مؤقتة تحفظ لهؤلاء مصدر رزقهم، عبر تخصيص بعض الأماكن لممارسة أعمالهم، على أن تمارس الرقابة على ممارساتهم التجارية ونتائجها على مستوى النظافة وغيرها، بمقابل مادي معين، كما غيرهم من المخالفين بالإشغالات على الأرصفة من المطاعم ومحلات المأكولات وغيرهم، الذين تم استثنائهم من قبلها، كما تم غض النظر من قبلها على إزعاجاتهم ومخلفاتهم؟!.
ما من شك بأن لدى المحافظة الإمكانية كلها لتفعل ذلك، ويبقى السؤال: لماذا لا تقوم به؟.
هل لأن هؤلاء من صغار الكسبة وشبه المعدمين، بالمقارنة مع أصحاب الاستثمارت في المطاعم والمحلات وغيرهم؟.
أم أن هؤلاء ليس لديهم من يدافع عن مصالحهم من أولي الأمر والنفوذ، فيما المستثمرين الكبار لديهم من هؤلاء الكثيرون، ممن يدافعون عنهم ولو تجاوزاً للقوانين والتعليمات؟.
أسئلة برسم محافظة مدينة دمشق!