الدكتور عدنان شومان جمعية العلوم الاقتصادية السورية الدكتور عدنان شومان جمعية العلوم الاقتصادية السورية

الجمعيات والمنظمات الأهلية التطوير والتحديث أيضا إلى الوراء؟

عكفت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على تحديث وتطوير الأنظمة والإجراءات فيما يتعلق بتأسيس الجمعيات وفق القانون رقم 93 لسنة 1958 وتعديلاته. وبالرغم من مضي حوالي خمسين عاماً على صدور هذا القانون فإنه يعتبر بصورة عامة مقبولاً ولا تؤدي نصوصه غلى عرقلة تأسيس الجمعيات والمنظمات الأهلية. غير أن الإجراءات التي تتبعها الوزارة منذ صدور هذا القانون تراوحت ما بين وضع العصبي في العجلات لتأخير عمليات التأسيس وبين حظر التأسس بالكامل. فقد عطل القانون وأوقفت عمليات التأسيس بقرار جائر مخالف لروح القانون والدستور من جهة وللصالح العام من جهة أخرى. والسبب الأساسي لحظر تأسيس الجمعيات والمنظمات الأهلية هو التخوف من تنامي قدرة هذه المنظمات التي تشكل ما يعرف «بالمجتمع المدني» أو المجتمع الأهلي الذي اعترفت بها الأمم المتحدة وصنفتها بالبيئات غير الحكومية «NGOS» التي تشكل الدعامة الأساسية لتقدم المجتمعات ثقافياً واجتماعياً وحتى سياسياً. وبما أننا نعيش في مجتمع لا يعترف بالآخر ولا يشجع التكتلات الاجتماعية خوفاً من تألبها على النظام وتحسباً من «فضح» ممارسات السلطة التنفيذية وتجاوزاتها وكي لا تتحول هذه المنظمات إلى عين ساهرة ترقب وتطالب بمحاسبة المقرين فقد تم حظر تأسيسها. وبعد إطلاق مسيرة التطوير والتحديث ألغي ذلك القرار وافسح المجال لتأسيس الجمعيات والمجتمعات ضمن شروط أمنية معينة واعتبر ذلك خطو إلى الأمام. غير أن الإجراءات القديمة القاسية والمضنية للتأسيس لم تتغير ولم تتبدل ويمكن أن توصف بالإرجاءات التعجيزية كي «يزهق» الراغبون في التأسيس ويصرفوا النظر عن فكرتهم. مثل على ذلك نورد فيما يلي إجراءات (تأسيس جمعية) المتبعة الآن حسب تعليمات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تتضمن المراحل التالية:

أولاً ـ إجراءات التأسيس وتشمل:

1 ـ تقديم طلب تأسيس على أربع نسخ توقع من جميع المؤسسين على أن لا يقل عددهم عن 11 مؤسساً

 2 ـ عقد تأسيس الجمعية يبين فيه أهدافها ومصادر تمويلها ويوقع من كافة المؤسسين (يلاحظ هنا تكرار الأهداف ومصادر التمويل في وثيقتين متشابهتين).

3 ـ نظام داخلي وفق النموذج المعد من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل دون أدنى تغيير ما عدا ما يتعلق في الأهداف ومصادر التمويل، تنظم على أربع نسخ توقع من كافة المؤسسين. ويبدو ذلك كأنه إملاء من الوزارة على المؤسسين.

4 ـ عقد اجتماع للمؤسسين وانتخاب مجلس إدارة تأسيس ينظم محضر الاجتماع على أربع نسخ ويوقع عليه كافة المؤسسين.

5 ـ يعين مجلس الإدارة التأسيسي مندوب عن المؤسسين لمراجعة الدوائر الرسمية لاستكمال إجراءات التأسيس. يوقع على المحضر كافة المؤسسين.

6 ـ تنظم قائمة على أربع نسخ بأسماء المؤسسين تحتوي على بيانات كاملة عن هوية كل منهم ونوع عمله وعناوين إقامته وعمله وأرقام هواتفه توقع من كافة المؤسسين.

7 ـ تملأ نشرة إعلامية عن كل مؤسس  تبين كافة البيانات عن هويته وعمله وعناوينه (تكرار للبيانات الواردة في البلد 6) مع لمحة عن حياته منذ الولادة إلى الآن بما فيها مراحل الدراسة والشهادات التي حصل عليها والأعمال التي مارسها والجمعيات والأحزاب التي انتسب إليها وإلصاق صورة شخصية على النشرة.

إن تحضير الوثائق المبنية أعلاه وتأمين تواقيع المؤسسين على أربع نسخ من كل منها يتطلب جهداً ووقتاً طويلاً قد يعجز عنه كثيرون. هذا بالإضافة إلى التكاليف التي ستنفق في سبيل تأمين ذلك. وقد تستعرق عملية تحضير هذه الملفات عدة أشهر.

ثانياً ـ يقدم الملف الكامل إلى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل لدراسته ومطابقته مع متطلبات التأسيس ثم تقوم بتحضير كتاب رسمي إلى مديرية المالية لاستيفاء رسم التأسيس. يسلم الكتاب إلى مندوب المؤسسين للذهاب إلى الدائرة المالية المختصة والتي تبعد عن دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل طبعاً للقيام بدفع الرسم المطلوب والحصول على إيصال رسمي موثق يشعر بذلك والعودة إلى دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل لتسليم الإيصال المذكور لضمه إلى إضبارة التأسيس. تبدأ الدائرة المختصة عندئذ بتحضير ملفات التأسيس لترسل إلى السيد المحافظ للدراسة وإبداء الرأي. يرسل السيد المحافظ الملف إلى فرع جزب البعث العربي الاشتراكي للدراسة وإبداء الرأي. وتقوم قيادة الفرع بتعميم فكرة تأسيس الجمعية على أجهزة وشعب الحزب في المحافظة لاستمزاج الرأي الحزبي هذا بالرغم من وجود تعميم حزبي عام يؤكد على عدم تدخل الحزب بالعمل اليومي للسلطة التنفيذية. إن عملية إرسال ملف تأسيس جمعية إلى الحزب تسيء إلى الحزب لأنها تشير إلى اعتباره إحدى الجهات الرسمية مثله مثل الدوائر المالية أو المحافظة... وفي ذلك انتقاص من مكانة الحزب. وقد تأخذ هذه العملية عدة أشهر.

إذا عاد الملف من فرع الحزب بتوصية إيجابية يحال ملف التأسيس إلى الجهات الأمنية لتقوم بالتحريات اللازمة عن الأشخاص المؤسسين. و تشمل هذه التحريات الماضي الأمني لكل منهم على حده وقد تستغرق هذه التحريات عدة أشهر أيضاً.

بعد استكمال المراحل السابقة يرسل الملف مع آراء الجهات الثلاث إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لاتخاذ القرار النهائي في أمر تأسيس الجمعية وقد يأخذ ذلك وقتاً يتراوح ما بين أسبوعين وأربعة.

ثالثاً ـ يعاد الملف إلى المديرية المعنية لإبلاغ المؤسسين بقرار الوزارة وقد يستغرق ذلك إسبوعاً على الأقل.

هذه صورة عن الإجراءات الروتينية التي أطلقت عليها لفظة «التعجيزية» وإن دلت على شيء فإنها تدل على عدم رغبة السلطات الرسمية في تسهيل تأسيس الجمعيات والمنظمات الشعبية الطوعية التي يود بعض الأفراد من خلالها القيام بنشاطات تهدف إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية والثقافية عن طريق التثقيف والإرشاد وإلقاء المحاضرات وإصدار النشرات والمجلات والصحف والنشرات التوضيحية وعقد الندوات وورشات العمل بمشاركة خبراء ومتخصصين محليين وعرب وأصدقاء أجانب لشرح وتوضيح قضايا اجتماعية وثقافية تساهم في رفع المستوى الحضاري للأعضاء والمجتمع.

إن نشاطات الجمعيات والمنظمات الثقافية والرياضية والاقتصادية وغيرها تصب في خندق مشاركة المجتمع الأهلي في مسيرة التطوير والتحديث التي أطلقها سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد في خطبه وتصريحاته منذ توليه المنصب كما تساهم في عملية الرقابة الشعبية على ممارسات السلطة التنفيذية إلى جانب مجلس الشعب وهيئات الرقابة الأخرى. فإذا كانت أهداف الدولة العليا الحفاظ على مصالح المجتمع ورفع مستواه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي فإنها تلتقي مع أهداف المجتمع الأهلي أو «المدني» كما يحلو للبعض أن يسميه لخدمة المجتمع و تأسيس مصالحه وحاجاته للوصول إلى مجتمع العدل والرفاهية. ومن هذا المنطلق يكون من واجبات الدولة تسهيل عملية تأسيس الجمعيات والمنظمات الشعبية ودعمها وتأهيلها لتصبح الأداة الفعالة القادرة على المساهمة في تحقيق مصالح المجتمع بالتعاون مع سلطات الدولة المختلفة. ولتأمين هذا الغرض أقدم الاقتراح التالي إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وهو «تأليف لجنة من المختصين في الوزارة والجامعات والقضاة وبعض الخبراء المحليين والعرب والأصدقاء الأجانب لدراسة قانون الجمعيات والقوانين ذات الصلة واقتراح التعديلات اللازمة للقانون وللإجراءات المتعلقة بتطبيقه لتسهيل تأسيس الجمعيات والمنظمات الشعبية العاملة على خدمة مصالح المجتمع».