«الامتحان الوطني» اختبار موحد لمناهج «مختلفة»..
شهد الامتحان الوطني لطلاب كلية الطب البشري في دورته الأخيرة التي جرت خلال تشرين الأول الجاري، ما وصفه الطلاب بـ»إشكالية» تمخضت عن حذف أكثر من 30 سؤالٍ عقب الامتحان مباشرة، لعدم وجود إجابة محددة لهم أو تدني نسب الإجابة عليهم.
في وقت لا يزال هذا الامتحان يشكل معاناة لطلاب الكليات الطبية السورية، مع عدم توحيد المناهج المقررة في الجامعات كافة، ما يعكس السياسة التعليمية نفسها التي تفرض على الطلاب تناقضات لم يتمكنوا من استيعابها.
حتى في الطب..
إجابات متعددة لسؤال وحيد
في تواصل لجريدة «قاسيون» مع عدد من طلاب الطب البشري، وتحديداً في جامعة تشرين، تبين أن معاناة الطلاب تتلخص في وجود امتحان موحد دون منهاج موحد بين مختلف الجامعات، حيث يشعر الطلاب بالضياع في مرحلة تقرير أي منهاج سيدرسون، في ظل شائعات تقول بأن قسم الأطفال يجب دراسته من منهاج جامعة حلب، في حين من الأفضل دراسة قسم النسائية من جامعة تشرين، أما الداخليات فيفضل دراستها من منهاج جامعة دمشق، وفي النهاية كانت الأسئلة للامتحان العام الحالي والأعوام السابقة بمعظمها تعتمد على منهاج جامعة دمشق.
الغريب في الموضوع أن مثل هذه الإشكالية تحدث في كلية الطب التي يفترض ألا يكون فيها اختلافات بالمناهج بين الجامعات، لكن للأسف فالاختلاف موجود حتى بين المواد في الجامعة نفسها، على سبيل المثال التهاب لسان المزمار الحاد، يختلف علاجه بين قسمي الأذنية والأطفال في منهاج جامعة دمشق نفسها.
أسئلة تخصصية لطلاب لم يتخرجوا
في هذا العام أسئلة الجراحة العامة كانت خالية من أي سؤال عن تشخيص التهاب الزائدة الدودية، وهي أكثر شيء يهم الطبيب العام بالجراحة العامة، كما ورد من ضمن أسئلة القلبية سؤال عن علاج قصور القلب درجة ثالثة، الذي يعتبر اختصاصياً بالمطلق، في حين لم يرد أي سؤال عن احتشاء العضلة القلبية أو خناق الصدر، اللذان يفترض على الطبيب العام بالدرجة الأولى تشخيصهما إسعافياً للمحافظة على حياة المريض لحين تواجد طبيب مختص.
ما يرغب الطلاب بقوله، أن أسئلة الامتحان الموحد لا تُقيم معلومات يجب توافرها بالطبيب العام، بالرغم من نسبة النجاح والمعدلات العالية التي وردت بهذه الدورة، لكن النتائج، وفقاً للطلاب، كانت فقط للمحافظة على ماء وجه الوزارة، فقد شاب الفحص الكثير من العشوائية، وتم حذف أكثر من 30 سؤال لعدم وجود إجابة محددة لهم، وتوزعت علامات الأسئلة المحذوفة على باقي الأسئلة، ما أضر بعدد من الطلاب.
سلم التصحيح «مخفي»
اتهم الطلاب مركز التقويم والقياس في التعليم العالي بعدم الالتزام بالمعايير التي وضعها للامتحان بنسبة 70%، وتساءلوا عن سبب عدم نشر سلم التصحيح، الأمر الذي يمنع الطالب من معرفة الإجابات الصحيحة للأسئلة، واكتشاف أخطاءه التي ممكن أن ترافقه طويلاً في مسيرته المهنية.
واعتبر الطلاب أن إضافة العلامات للطلاب جزافاً وبشكل عشوائي أدى لرفع معدلات الاختصاصات بالنهاية، الأمر الذي لا يصب في مصلحة الطلاب.
اللغة العربية مشكلة طلاب الجامعات الخاصة
أما طلاب الجامعات الخاصة، فكانت لهم شكاوى خاصة بهم مضافة لمعاناتهم المشتركة مع طلاب الجامعات الحكومية، حيث كان اعتماد اللغة العربية في الامتحان تحدياً كبيراً لهم، كون دراستهم بالغالب في جامعاتهم الخاصة باللغة الإنجليزية، ما يعني مزيداً من الجهد فيما يتعلق بالمصطلحات العلمية.
وتطرق طلاب الجامعات الخاصة في شكواهم إلى أن عدم وجود أساتذة الجامعات الخاصة كأعضاء باللجنة المشرفة على وضع أسئلة الامتحان، يؤدي لاختيار مناهج ومصادر أسئلة مختلفة عن تلك التي يجهدون في دراستها طوال سنوات.
ويجب على طلاب الجامعات السورية الخاصة في الطب البشري دفع مبالغ مالية على مبدأ الموازي، للالتحاق بالاختصاص، مما ينفي مبدأ العدل والمساواة الذي وضع على أساسه الامتحان الموحد، بحسب الشكوى، إضافة إلى أن مواعيد الامتحان الوطني يتم تحديدها بما يتلاءم مع مواعيد امتحانات الجامعات الحكومية، والتي قد لا تراعي مواعيد وجداول الجامعات الخاصة.
حذف الأسئلة ذات
نسب الإجابة المتدنية
من جانبها قالت، مدير عام مركز القياس والتقويم في وزارة التعليم العالي، الدكتورة ميسون دشاش في تصريحات إذاعية: “لاحظنا أثناء التصحيح أن الطلاب عانوا من بعض الأسئلة، لذا وفي حال كانت نسبة الإجابة على مثل هكذا أسئلة متدنية في الجامعات كافة، فقولاً واحداً سيصار إلى حذفها من قبل مركز القياس، كما ستتم مراجعة اللجنة للاستفسار منها عن هذا الأمر”.
الوطن يحتاج
جراحي العظمية والصدرية
وحول شكوى الطلاب من زيادة نسبة الأسئلة التخصصية، أوضحت دشاش: «وصف بعض الطلاب عبر «فيسبوك» الأسئلة بالـ (مريخية)، أود القول أنه هنالك ما يقارب الـ 20 ألف سؤال في مركز القياس والتقويم، نحذف أكثر من نصفهم مما يتناول أمراض وراثة وأمراض مزمنة وأمراض نادرة أو متلازمات نسبتها قليلة جداً، وذلك كله بهدف مساعدة أبنائنا الطلبة، لكن بالمقابل على سبيل المثال: فإن الوطن يحتاج اليوم إلى الإلمام بالجراحة العظمية والصدرية، لذا قمنا بزيادة نسبة أسئلة هذه الاختصاصات قليلاً، ومع ذلك يتم الأخذ بعين الاعتبار نسبة الإجابة الصحيحة علن هذه الأسئلة عند تحليله».
ونوهت دشاش إلى أن كل ذلك يمكننا من «تمييز وفلترة» الطلاب لتوزيعهم على خمسين اختصاص، فعلى الطلاب أن يهتموا بالأسئلة التخصصية، لأنّ الممارس العام للمهنة عليه الإلمام بها، والأسئلة التخصصية لا تتجاوز عموماً في كل امتحان وطني نسبة الـ 5 بالمائة”.
أما عن وجود أسئلة ليس لها إجابة واضحة محددة، قالت دشاش: «قد يرد أحياناً خياران متقاربان، والطالب المتمكن من المعلومة سيجيب بشكل دقيق، وهنا سيتم تمييزه من الطالب غير المتمكن”.
الوطني شرط التخرج
و40% من الاختصاص
يشار الى أنه كان الأساس في وضع أسئلة الامتحان الوطني، من قبل الجامعات الأربع وبنسب متساوية بين كل من جامعة دمشق وحلب وتشرين والبعث، أي كل جامعة لها جزء من الأسئلة بنسبة 25%.
ويعتبر الامتحان الموحد شرطاً للتخرج، حيث يعطى خريجو كليات الطب البشري في الجامعات الحكومية السورية نسبة 40% لعلامة الامتحان الوطني الطبي الكتابي الموحد و 60% لمعدل الإجازة الجامعية الأولى، ويتم التفاضل بناءً على هذا المعدل، وعند تساوي المعدل التفاضلي عند الحد الأدنى للقبول، يُنظر إلى علامة الامتحان الوطني الطبي الكتابي الموحد.
بينما يتم تفاضل خريجو كليات الطب البشري في الجامعات الخاصة السورية والجامعات غير السورية على أساس نتائج الامتحان الوطني الكتابي الموحد، ويتم القبول على أساس التعليم الموازي فقط.
غاية ومطلب
جدير بالذكر أنه في حال كانت الغاية من الامتحان الوطني الموحد، رفع سوية الخريجين وسوية الاعتراف بالشهادة الجامعية السورية، فمن الأولى تعديل المناهج نفسها من البداية، وتوحيدها على مستوى الاختصاصات في الجامعات كلها، عوضاً عن هذا التفاوت والاختلاف، الذي ينعكس بالنهاية على المخرجات العملية للكليات الطبية.
وكما قال أحد طلاب الطب: «لا نطالب بإلغاء الامتحان لأنه يسمح بتخريج طبيب عامل فاعل بالحياة العملية، لكن الطريقة المعتمدة في وضع أسئلة هذا الامتحان هي المشكلة!».