سلام نمر سلام نمر

الرجل المناسب في المكان غير المناسب

لا يخفى على أحد أن الكفاءة في العمل والأداء الجيد، وتحقيق النتائج الجيدة، هي المعايير المطبقة لاختيار الكادر المناسب نظرياً لجميع الوظائف والأعمال مهما كانت نوعية العمل على امتداد المعمورة، فهي إذاً ليست الولاء والمحاباة والجنس واللون والعائلة والمعتقدات..

وما الأحداث الاخيرة التي تدور في طول البلاد وعرضها إلا نتيجة طبيعية لما جرى في سورية خلال العقود الماضية على هذا الصعيد، والذي كان معاكساً لطبيعة الأمور ومنطقها، فكانت المعايير مخالفةً للمعايير وأدت عملياً إلى تحول الواقع الوظيفي بأكمله إلى ما يشبه المسخرة، نتيجة تقديم «الولاء» على «الأداء»، سواء على مستوى الدولة أو الأحزاب أو حتى العائلة الواحدة، وكم من الأفراد عملوا في أماكن لا تناسب قدراتهم وكفاءتهم «العقلية» والعملية، في حين كان من الأولى أن تكون لمصلحة غيرهم من أصحاب العقول النيرة «وما أكثرهم»؟!. أو كما حصل في تاريخ بعض الأحزاب التي تناست مقولتي الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي، لتكون النتيجة الحتمية حسب مبتغاهم وصول بعض الأشخاص إلى مناصب هامة في أحزابهم، لا لحنكتهم السياسية وتاريخهم النضالي وإنما قياساً على مدى قربهم من القائد أو المعلم أو الزعيم!.

إن ما رأيناه من مزاودات ومساومات خلال العقود الماضية كان دليلاً على مدى ازدياد من تنطبق عليهم المقولة الشهيرة «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، وهم كثر طبعاً، ويتخفون وراء إرث عائلاتهم وعشائرهم وقبائلهم ويعيقون التطور في كل مفاصل الحياة.

والمفاجئ أنهم ينقلبون بين ليلة وضحاها من خضم الصراع الطبقي إلى الانفتاح الاقتصادي الليبرالي، وحسب السوق وقوانينها يسوقون، وأينما وضعوا أقدامهم وأيديهم تسبقهم مصالحهم وانتهازيتهم وأنانيتهم المعهودة، ولا يترددون في قول الكذب والنفاق والخداع من أجل الوصول إلى أهدافهم التي كانت على رأس قائمة اهتماماتهم في وقت مضى، حتى ولو أدى بهم المطاف إلى بيع الوطن في سوق «النخاسين»، وهنا كان لابد أن يستخدموا خبثهم من أجل إخفاء صورتهم الحقيقية، وهؤلاء كانوا على مرّ الزمن بوجهين: وجه ينادي بالديمقراطية والحرية والكرامة كما يدعون، ولكن الوجه الآخر وهو الأساس حين عمدوا من وراء الكواليس للعب على جميع الأوتار، والذي طالما كانوا ينجحون في إخفائه.. لكن شخيرهم مؤخراً على الشبكة الالكترونية وسذاجتهم على المنابر الاعلامية، فضح أقوالهم وأفعالهم المزيفة وعرّاهم من ملابسهم الرثة وكشف مسطحات عقولهم ضيقة الأفق.

إنها الحياة والتاريخ بحتميتهما المنطقية التي تعطينا دروساً في الحياة.