في حلب.. معاناة إضافية إلى جانب التصعيد العسكري
تزداد معاناة الحلبيين مع كل يوم يمضي، بظل اشتداد المعارك والأعمال الحربية التي لم يسلم منها أي حي من أحياء المدينة ومحيطها، القريب والبعيد، كما تزداد عليهم الضغوط على مستوى الخدمات العامة المتراجعة، بظل طغيان التراخي واللامبالاة، تجاه المطالب اليومية الحياتية، ومنها موضوع المياه، الذي تم إدخاله حيز الصراع.
يعود ملف المياه في حلب للواجهة من جديد، ومن زاوية الضغط الإنساني أيضاً، في ظل التصعيد الميداني والسياسي، وقد لجأ المواطن الحلبي إلى البدائل معتمداً على المناهل المنشأة من قبل اليونيسيف أو بمبادرات أهلية.
ولكن وكما أي ملف في المدينة هو باب للفساد والنهب، أصبح تأمين المياه مصدراً للتربح والإتجار من قبل البعض من المستغلين، حيث وصل سعر صهريج المياه 1000 ليتر إلى 2000 ل.س وسيطاً، قد يقل أو يكثر حسب المنطقة، أما من لم يستطع على ثمنه اضطر إلى تشغيل أفراد عائلته كاملة في هذه المهمة لتأمين حاجات أسرته.
تدنٍ بالاستهلاك وتكلفة مرتفعة
معدل استهلاك الفرد بالحالة الطبيعية للمياه 140 ليتر يومياً، أما العائلة فمعدل استهلاكها التقريبي هو 900 ليتر، وذلك حسب الدراسات العلمية، لكن في ظروف حلب الاستثنائية صار الاستهلاك في حدوده الدنيا، حيث وصل وسطي استهلاك عائلة مكونة من 5 أفراد إلى 3500 ليتر بالأسبوع فقط، علماً أن جزءاً كبيراً من المنازل تقطن فيها عائلتان على الأقل، وهو ما يوجب تأمين 8000 ليتر تقريباً تصل كلفتها إلى 16000 ل.س أسبوعياً، وهي كلفة مرتفعة تتكبدها الأسر على خدمة من المفترض أنها من الخدمات الأساسية التي من واجب الدولة تأمينها، بعيداً عن الابتزاز والاستغلال.
تفشي أمراض
المدينة اليوم تعيش ضغطاً سكانياً كبيراً، وهي تعيش عدة أزمات متشابكة ومتكاملة فيما بينها تفرض واقعاً مأساوياً على الأهالي، وجاء نقص المياه ليزيد من تفاقم أزماتها وخاصة على المستوى الصحي، العام والخاص، لارتباط المياه بعوامل النظافة بشكل مباشر، من غسيل وحمامات وغيرها، حيث أدى نقص المياه إلى تكاثر الأمراض وسرعة انتشارها، وخاصة بين أوساط الطلاب والتلاميذ في المدارس، ولاحقاً لأهلهم وذويهم، وتحديداً القمل، الذي بدأ بالظهور والانتشار.
بالإضافة إلى ذلك كان الجفاف في المجاري وقنوات الصرف الصحي، حيث تحولت إلى ما يشبه مستنقعات المياه الأسنة والراكدة، ما يسهم في تكاثر الحشرات، وخاصة البعوض، وهي من أهم وسائل نقل الأمراض، خاصة أننا في فترة عدم استقرار لدرجات الحرارة وارتفاع نسبة الأمراض الناتجة عنها، والخشية من انتشار وتفشي أوبئة يكون تأثيرها أكثر فتكاً على مستوى الصحة العامة بظل استمرار النقص بالمياه.
مساومات وابتزاز
المواطن الحلبي يدفع الثمن مضاعفاً، وبكلف باهظة، على مستوى معيشته وأمنه، بسبب استمرار المساومات على أزمته وكارثته الإنسانية بين القوى المتصارعة، مع أساليب الابتزاز السياسي والعسكري لهذه الكارثة بين مختلف الأطراف، لتستمر معاقبة المدنيين في المدينة وتعميق أزماتهم وتعقيدها، دون وجود محاولات أو نوايا جدية للحل من خلال الذهاب إلى حل جذري للمشاكل والأزمات وإزالة أسبابها، أي العمل على تكريس الحل السياسي والمضي به.