جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

فضيحة مرورية على طريق دمشق – حمص... عشرات آلاف العالقين في الثلوج.. وإدارة المرور تنام في العسل! أهكذا تصان كرامة المواطن؟

هي ليست المرة الأولى التي تفضح فيها بركات السماء وتقلبات الطبيعة الوضع المزري لمستوى الخدمات المرورية في بلدنا، وبؤس أغلب القيمين على  سلامة البلاد والعباد من المسؤولين (المروريين) وتردي أخلاقهم وانعدام إحساسهم بالمسؤولية وتخلف الآلية التي ابتكروها واعتمدوها لتنظم عملهم.. مرة أخرى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة طالما الحال على ما هي عليه.. يدفع المواطنون من سلامتهم ووقتهم وطمأنينتهم ثمن تقاعس وإهمال هؤلاء المسؤولين الذين لا يتقنون سوى الثرثرة والتباهي بإنجازات لم ولن يحققوها..

ها هي الطبيعة بانفعالات بسيطة ليس إلاّ، تكشف لنا مجدداً وهَن وقلة حيلة وانعدام كفاءة المسؤولين المروريين الذين من المؤكد أن آخر همّ معظمهم هو القيام بواجبهم تجاه الوطن وتجاه المواطنين.. حيث لم يكن ما حدث مساء الأربعاء 27/12/2006 والذي امتد بتبعاته حتى منتصف نهار الخميس 28/12/2006 إلاّ مثالاً بسيطاً ومتكرراً كل شتاء لضعف لياقة إدارة المرور وقصر نظر مسؤوليها، وتراخيها في تأدية واجبها، وانعدام التنسيق بينها وبين إدارة الأرصاد الجوية.. والنتيجة المتكررة... أكثر من أربعين ألف سيارة تتوزع على نحو ثلاثين/ كم/  تحمل ما لا يقل عن مائة ألف مواطن تقضي بمن تقلهم الليل بطوله (محبوسة) على طريق دمشق – حمص، بين البريج في ريف دمشق وحسيا على أطراف حمص.. وبين هؤلاء العالقين المرضى والمسنون والأطفال الهلعون والنساء الحوامل... إلخ..
العاصفة الثلجية لم تكن سرية ولا مباغتة، وبالتأكيد لم يرسلها لنا على حين غرة أعداؤنا المترصدون لنا!.. الجميع عرف بها... وكان يكفي أن يقوم أي عنصر من إدارة المرور في كل من حسيا والقطيفة، حتى لو لم يكن يحمل ابتدائية، بإبلاغ قادته أن الطريق مغلقة عند نقطة ما ليقوم آخرون في دمشق وفي حمص بإيقاف تدفق السيارات العامة والخاصة شمالاً وجنوباً، وبالتالي منع حدوث ما حدث..
فبدءاً من بعد ظهر الأربعاء راحت الثلوج تتساقط على الجبال وسفوحها ووصل التهطال إلى المناطق التي لا يزيد ارتفاعها عن 900 متر، وبما أن تلك الأيام كانت تزدحم بالمناسبات والأعياد، فقد كان الطريق الدولي دمشق – حمص يعج بالمسافرين والحافلات والسيارات، ورغم أن دوريات المرور ومراكز شرطة الطرق العامة تنتشر بكثافة على طول هذا الخط، إلا أن أي من هذه الدوريات لم يوعز للسيارات بالتوقف والعودة، وهكذا ظلت السيارات تندفع شمالاً وجنوباً، إلى أن وقعت في المصيدة الموجودة في منتصف الطريق تقريباً وتحديداً بين ما بعد حسيا شمالاً وقرية البريج جنوباً، حيث كانت الثلوج قد أغلقت الطريق تماماً معيقة كل حركة إلى الأمام أو الخلف، وزاد من صعوبة الموقف انعدام الرؤية شبه التام وانتشار الذعر والفوضى بين السائقين، الأمر الذي تسبب بعدد كبير من الحوادث وانقطاع الطريق كلياً..
فمع الغياب التام لعناصر شرطة الطرق العامة التي كان من المفترض حضورها بالسرعة القصوى لتنظيم السير وإحلال النظام، عمت الفوضى، وأصبح كل اتجاه على الأوتستراد المتوازي، طريق باتجاهين مع محاولة الكثيرين العودة من حيث أتوا، مما زاد الطين بلة، وأضاف مشكلة جديدة للمحنة القائمة... وهكذا وخلال وقت قصير أصبح من المستحيل على أي مركبة التزحزح من مكانها، واضطر الجميع للاستسلام للأمر الواقع وإطفاء المحركات وقضاء الليل البارد الصقيعي في سياراتهم المتوقفة.. كل ذلك وما من أحد من عناصر شرطة الطرق العامة ظهر.. على الأقل ليطمئن الناس الذين أصيب معظمهم بالخوف والقلق..
الأنكى من كل ذلك أن عزلة العالقين في الثلوج والضباب أصبحت مطلقة وكلية مع انقطاع الاتصال بسبب الضغط الهائل على شبكة الاتصالات الضعيفة والمهلهلة أساساً وقلة الأبراج الموجودة في تلك المنطقة، فنتيجة محاولة أصحاب (الموبايلات) (وهم يقدرون بنحو عشرة آلاف شخص تقريباً) الاتصال في وقت واحد بات من المتعذر على جميع العالقين أن يتصلوا بعائلاتهم ليطمئنوهم أو ليطلبوا الغيث ممن يفترض بهم أي يكون لديهم الغيث..
المهم أن العالقين، أو من بقي منهم سالماً، لم يقفلوا عائدين من حيث انطلقوا إلا مع ظهيرة اليوم التالي، بعد أن قام عدد قليل من رجال الشرطة (الأوادم) بتنظيم السير، وبعد أن كاد القلق يقضي على ذويهم المترقبين الحانقين!
إن هذه المشكلة تطرح أسئلة عديدة:

1 - لماذا لم تقم مديرية الأرصاد الجوية بتوجيه تحذيرات للجهات العامة ذات الصلة عن طبيعة العاصفة ومدى تأثيرها المحتمل كإدارة المرور ووزارة الصحة على سبيل المثال لاستنفار القوى، أو إطلاق تحذيرات عامة للمواطنين العازمين على السفر عبر وسائل الإعلام، وخاصة عبر الهيئة العامة للإذاعة والتفزيون؟؟؟
2 - لماذا تلكأت إدارة المرور في إيجاد الحلول (البسيطة)، حيث كان من المفترض بها على الأقل نشر دورياتها على مشارف المنطقة (المقطوعة)، لمنع تدفق السيارات إلى الهاوية؟؟!!
3 - ما هي الأسباب التي يمكن أن تكون قد أعاقت الدوريات المرورية من التدخل لحل المشكلة طوال الليل وحتى ضحى اليوم التالي؟؟ أتراهم كانوا ينتظرون أن يستيقظ قادتهم النائمون في العسل ليعطوهم أوامر (الإسراع!) لإنقاذ الناس؟؟؟
4 - هل يعقل أن تمتد طوابير (ستة أرتال على الأقل على كلا الجانبين) من السيارات على طول أكثر من ثلاثين كيلو متراً في منطقة تكاد تكون خالية من السكان، ولا يظهر أي من عناصر الشرطة لتقديم يد العون للمرضى والمسنين والمصابين؟؟؟ ماذا يمكن أن يسمى مثل هذا التصرف اللا إنساني واللا أخلاقي واللا مسؤول؟؟؟
5 - لماذا لا يلتفت الإعلام الرسمي إلى مثل هذا الخلل إلا متأخراً ولا يطرح هذه القضايا إلا بكثير من الخجل والخوف من المسؤولين المعنيين؟؟ هل لأنه شريك في التقصير ومتلكئ عن التوعية والتحذير؟
6- أين هي معدات وآليات فتح الطرقات، ولماذا لم تباشر عملها فور انسداد الطريق، خاصة وأن كميات الثلوج الهاطلة لم تكن بتلك الغزارة أو التواصل أو الكثافة التي يمكن أن تجعل فتح الطرق متعذراً أو مستحيلاً؟؟

إن أكثر ما يثير الحنق أن يقوم مدير الإدارة العامة للمرور في صبيحة اليوم التالي بالتندر على العالقين في الثلوج والذين لم يكن قد تسنى لهم العودة إلى ديارهم، وذلك على الهواء مباشرة من إذاعة دمشق قائلاً: «العطلة لسّا طويلة.. وكل اللي راحوا يومين»!!!
مدير إدارة المرور قال إن الإدارة بحاجة لكاسحات ثلج وجليد مجنزرة، ونحن نقول أإلى الآن حتى أدرك ذلك؟؟ ونضيف أن الأمر برمته لم يكن يحتاج في هذه العاصفة تحديداً سوى قليل من الإخلاص والمبادرة والحضور الميداني والسريع، وفي العموم لاتحتاج المسألة أكثر من ذلك، وإلاّ فإننا سنجد أنفسنا في آخر الركب.. ركب الحضارة والتقدم والازدهار..
إنه لمن المؤسف حقاً أن تتعامل جارتنا الصغيرة (الأردن) مع العاصفة ذاتها بمنتهى الجدية حيث أنجزت عمليات إنقاذ مواطنيها العالقين في الثلوج بسرعة ودون ضجة و(منفخة) ومتابعة أحوال الطرقات عبر طائرات (الهيلوكوبتير)، وأن يتعاطى إعلامها بروح عالية من المسؤولية مع الحدث، بينما نحن – العريقين- نتعامل مع المشكلة بهذه الدرجة من الإهمال والتلكؤ والتواكل واللا مسؤولية...