لماذا على الفقراء أن يدفعوا الثمن دائماً؟
طالعتنا الزميلة تشرين في عددها الصادر يوم الأحد 21/1/2007 بمقالة بعنوان (مخالفات بناء بالجملة.. وتسيّب في تطبيق القوانين والأنظمة)، حملت توقيعين صريحين لشخصين يدّعيان الحرص على سلامة الوطن والمال العام، ونقول (ادعاء حرص) لأن الحرص الحقيقي لا يتم بالتهجم على الفقراء والمعدمين وتحميلهم مسؤولية وقائع وأحداث وسلبيات هم بريئون منها ولايتحملون أي جزء من تداعياتها ونتائجها.
بدأ الكاتبان مقالهما بالتذكير بقانون قمع مخالفات البناء، ليشنا بعدها وبشكل مثير للريبة هجوماً شرساً على سكان حي (وادي المشاريع والرز) واتهامهم بالطمع والجشع والاستهتار بالأنظمة والقوانين والسرقة والاعتداء على المال العام ووو... الخ، ولو اتسع المجال لربما كانا اتهموهم بالخيانة أيضاً!!!!
الأخضر واليابس
وهكذا تحوّل هؤلاء السكان البسطاء، ومعظمهم من العمال والحرفيين والموظفين والمهمشين والعاطلين عن العمل، على يد صاحبي المقال إلى لصوص ومخربين وخارجين عن القانون، وهم بالكاد يستطيعون تأمين ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم وذويهم..
لا شك أن كاتبي التقرير!! عفواً، المقال، يعلمان أن الذي أوصل الإيجار الشهري لغرفتين مع (منافعهما) إلى أكثر من 6000 ليرة في أسوأ الأحياء هم الفاسدون الكبار الذين ابتلعوا الأخضر واليابس تحت حجة تطبيق الأنظمة والقوانين، وليس هؤلاء الدراويش الذين بالكاد يستطيعون البقاء على قيد الحياة، ومن اللؤم والتجني والغباء الحط من كرامتهم ووضعهم في خانة هؤلاء الفاسدين، وهم الشرفاء الكرماء والوطنيون المخلصون على رغم كل ما قيل في المقال كذباً وزوراً عنهم، وتحميلهم مسؤولية ما لا ذنب لهم فيه. إن الأحياء المهمّشة وأحزمة الفقر التي أصبح عددها في دمشق العاصمة وحدها 26 حيّاً، وهي تؤوي عدداً كبيراً جداً من فقراء الوطن، تأخذ بالاتساع وسكانها لا يستطيعون حل مشكلة السكن لديهم سوى بمحاولة إضافة غرفة أو غرفتين لبنائهم المخالف، وهذه ليست جريمة أبداً حتى وإن كان القانون يقول غير ذلك، فمن يريد تطبيق القانون فليطبقه كاملاً، وليبدأ بتطبيقه على الأثرياء واللصوص والمتنفذين أولاً، وليوفر – عبر القانون – سكناً يكفي للفقراء..
عمى الألوان
إن الكاتبين أصيبا بعمى الألوان فلم يكترثا لكل الأبنية البرجية التي بنيت بطرق ملتوية هنا وهناك وبمباركة العديد من الجهات (القانونية)، وأخذا على عاتقهما قضية الدفاع عن الوطن عبر الهجوم على المعدمين الذين يوصلون ليلهم بنهارهم حتى يؤمنوا لقمة عيشهم وعيش أولادهم بشرف وكرامة، وغض النظر عن السرقات الكبيرة واللصوص الكبار..
فاقد الشيء لايعطيه
إن الإهمال واللا مبالاة والتسيب في تطبيق القوانين والأنظمة النافذة لا تنطبق على سكان الحيين (وادي المشاريع والرز)، بل تنطبق على الذين من واجبهم تقديم أبسط الخدمات الضرورية لحي مرّ على وجوده أكثر من 25 عاماً وما زال يفتقد إلى الكثير. «إن فاقد الشيء لا يعطيه».
ألا يعلمان أنه لا يوجد في الحي ولا حتى مدرسة واحدة مما يضطر أبناءها للذهاب إلى عدة مناطق (مشروع دمر ـ دمر البلد ـ ضاحية قدسيا) لإكمال دراستهم؟؟
أليس من حق هؤلاء الذين يصل تعدادهم إلى عشرات الآلاف الحصول على مستوصف طبي؟؟
هل فكرت المحافظة طوال هذه السنين بالقيام بزيارة الحي والوقوف على معاناة قاطنيه؟؟؟.
ألا يحق للأموات قطعة أرض تؤويهم في الثرى بعد مماتهم؟ ألا يعرف أصحاب المقال أن المسجد الوحيد في الحي قد بني على حساب سكان المنطقة، ولم تدفع المحافظة والبلدية أي قرش للمساعدة في ذلك؟؟
لو كانت الكهرباء كافية ونظامية كالتي تبعد عنها مائة متر فقط في الجهة المقابلة (مشروع دمر)، فهل كان أبناء الحي سيلجؤون للمخالفة؟ ألم يشاهد الكاتبان اللذان يدعيان أنهما يسكنان هناك الانقطاع المستمر للكهرباء صيفاً وشتاءً، فيما الآخرون ينعمون بها.
إن هذا الحي البائس عانى الكثير من سوء الخدمات والإهمال وانعدام الشروط الإنسانية طوال سنوات، فهل بات مطلوباً اليوم إعدامه بسكانه نهائياً، علماً أن قاطنيه من عمال ومهنيين وحرفيين ساهموا في إشادة معظم الأحياء الحديثة (الفخمة) في دمشق ومن بينها مشروع دمر الذي يطل عليهم ليظهر التناقض الكبير والتباين الواسع بين سكن الفقراء وسكن الأغنياء؟؟؟
حَملة المهدات
الكاتبان لا يمثلان الحي وربما لم يسكنا فيه على الإطلاق!!، وإلا لكانا أكثر موضوعية وصدقاً في تصوير وتوصيف حاله وحال سكانه، وما كانا ليتسببا في الهجمة الشرسة التي شنها رجال البلدية والمحافظة على الحي بعد نشر المقال، خصوصاً وأن (حمَلة المهدّات) ليسوا بحاجة أصلاً لمن يشجعهم على تحطيم الحي فوق رؤوس ساكنيه.. ولطالما حدث ذلك.. وسيظل يحدث إذا بقي الفاسدون هم المتحكمين برقاب العباد الذين لم يعد هناك من يناصرهم..
البعض فسّر المسألة أن هناك تواطؤاً بين كاتبي المقال وجهات محددة غايتها زيادة معاناة الحي فوق معاناته.. فهل نسمح لهذه التأويلات والتفسيرات أن تصبح حقيقة.. هذا هو السؤال؟؟؟؟