تهريب الخردة.. شركة الحديد: تحت رحمة التجار ومافيات التهريب!!
هل يمكن أن تستمر صناعة استراتيجية هامة في الوجود وهي تعتمد في مادتها الأولية على النفايات وهي «الخردة»؟ هذا سؤال أساسي وهام، ونجيب عليه بـ نعم، إنها المادة الأولية في الشركة العامة للحديد في حماه، لأن استيراد «البيليت» وهي (حاجة الشركة الأساسية)، يكلفنا مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وهذا يشكل عبئاً على الشركة وعلى الدولة.
الخردة في كل مكان!
أمام الملوثات التي تمتلئ بها مدننا وقرانا وجبال النفايات القذرة بما فيها قطع الحديد والتنك وغيرها.. ومع عجز البلديات ليس عن جمع النفايات وتنظيف المدن والبلدات بل عن وقف التلوث الذي يشمل الأرض والهواء والشجر والبشر، قامت شركة حديد حماه مشكورة بهذه المهمة الجليلة، جمع كل أنواع الحديد والمعدن وجلبها إلى المعمل، ولكن خلقت من خلال ذلك شريحة من التجار والسماسرة والمهربين وشريحة من الأطفال والشباب والنساء الذين هم بلا عمل، لينضموا إلى هذه المهنة الجليلة.
اقتصاد ظل
نعلم أن الذين يعملون في اقتصاد الظل هم ألوف مؤلفة من المهمشين الذين يعملون تحت أجنحة الوطاويط والمتنفذين والهاربين من الضرائب والخارجين عن القانون، وأولئك ينطلقون صباحاً إلى آلاف الورش التي تعمل في الخدمات والسمسرة والملاهي.. في النسيج والغزل والأحذية والألبان في أقبية تخلو من الحد الأدنى من السلامة المهنية.. الأحداث في ورش الميكانيك.. خدم البيوت...إلخ.. ومنهم كذلك الذين يجمعون الحديد «الخردة» من النفايات!
ونعلم جميعاً أن هذه الشرائح لا تحصل على الحد الأدنى من الضمانات مع حرمان خزينة الدولة من موارد هامة وعدم الدقة في حسابات الناتج المحلي، إذ لا يوجد ترخيص لمزاولة هذه الأنشطة ولا يلتزم أصحاب العمل برسوم قانونية.
إنه نشاط اقتصادي يمارس بصورة غير رسمية. وهي أنشطة ليست منفصلة عن المجتمع.. وإنما تتعايش وتتشابك مع أنظمة الاقتصاد الرسمي في إطار المجتمع.
في القاع مئات الألوف الذين يعانون، وفي الأعلى بضعة أفراد يديرون اقتصاد الفساد، ينهبون ويسرقون ويخرجون من الدورة الاقتصادية 30% من الدخل القومي، مافيات تتعامل بشكل موازٍ مع الاقتصاد الوطني.
الأخطر أيضاً
التهريب بكل أشكاله وأنواعه موجود، ويتكرس وجوده أكثر فأكثر مع استمرار المتنفذين في جعله أحد مصادر ثروتهم الأساسية، وقد نفهم أن المخدرات تهرب، والأسلحة، والدخان والدولار، والآثار والوقود.. قد نفهم ونقتنع بأن الجهات الوصائية عاجزة عن ضبط المنافذ الحدودية لتهريب هذه المواد هذا رغم كل الإجراءات التي يقولون أنها اتخذت لوقف التهريب:
ولكن كيف نقتنع وكيف نفهم تهريب الخردة ونقف في عجز عن مصادرتها أو الحد من تهريبها والتي تمول معمل الصهر في شركة حديد حماه. حيث تصل طاقته الإنتاجية إلى 60 ألف طن وإنتاجه يعتمد على الخردة التي تورد إليه من التجار والسماسرة. حيث تدفع الشركة ثمن الطن بالأسعار الرائجة بدءاً من 4 آلاف ل.س إلى تسعة آلاف. ويتم تهريب الصنف الأول وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعارها.
قال مدير عام الشؤون الإدارية في شركة الحديد:
ـ الخردة تصنف عالمياً على أنها الكنز فوق الأرض لصناعة الحديد والفولاذ كمادة أولية، وتساءل: هل صحيح أننا عاجزون عن وقف تهريبها. في حال قال آخر في الشركة: هناك أرتال من السيارات الشاحنة المحملة بالخردة تدخل إلى لبنان يومياً بالمنافذ الرسمية وليست بطرق التهريب، ونتساءل:
هل نسمي هذا تهريباً!!
إنهم يدفعون، لقد اشتروا الطرق!!
فعلاً، لقد اشتروا الطرق. ليس بسبب ثغرات في الأنظمة والقوانين تسمح باختراق مؤسسات الدولة وجني أرباح غير مشروعة على حساب الاقتصاد الوطني، وإنما بسبب ثقافة تحمي الفهلوة والشطارة والإثراء غير المشروع.
وهنا علينا أن ندرك أي سلاح خطر مازال مصوباً ومسدداً بشكل محكم إلى ذواتنا، هذا السلاح هو الذي يحيي ويحمي كل أشكال الفساد الذي نجده أمامنا وحولنا، بل ونبرره ونمنحه الصفة المطلقة والثابتة.
كيف نفسر مرور عشرات الشاحنات المحملة بنفايات الخردة إلى الأردن ولبنان: هي لا شك تحت مظلة القانون وفي حمايته. فعلاً لقد اشتروا الطرق!!!
■ نزار عادلة
ملحق...
تحت رحمة الخردة
أجريت دراسات لتطوير شركة الحديد والفولاذ في حماه وتمت المصادقة، ومن نتائجها رفع الطاقة الإنتاجية من 60 ألف طن إلى 400 ألف طن في معمل الصهر، ومن نتائج ذلك تطوير معمل القضبان بعد أن يتم تطوير معمل الصهر وهذا يحتاج أيضاً إلى معمل لاستيعاب هذه الكميات وتصنيعها على شكل حديد تسليح. ولكن، كل هذا بحاجة إلى الخردة من الصنف الأول، وهذ الخردة تهرب في شاحنات كبيرة إلى لبنان والأردن في منافذ محمية، ويصل إلى شركة الحديد من الخردة سنوياً 80 ألف طن وأكثر من هذه الكميات تورد من شركات ومؤسسات القطاع العام، وبعضها من سماسرة لا يستطيعون التهريب.
وفي الوقت الذي يجني فيه السماسرة من خلال تهريب الأموال الطائلة، تبقى الشركة تحت رحمة الخردة، ويبقى عمالها محرومين من طبيعة العمل والحوافز رغم أن صناعة الحديد والفولاذ لإنتاج المعادن الخلائطية تعتبر من المهن العشرين الخطرة عالمياً استناداً للنظام العالمي SMR، وذلك لارتفاع نسبة معدلات الوفيات وإصابات العمل حيث تصل درجة الحرارة للسائل المصهور إلى 1750 درجة وتصل نسبة الضجيج من 10 إلى 120 ديسبل رغم أن الحد الأدنى المسموح 85 ديسبل عالمياً.