42% من الشباب السوري بحاجة إلى فرصة عمل
ما زالت مشكلة البطالة، تشكل أبرز التحديات أمام الشباب السوري، ومع تأثير الحرب المستمرة منذ حوالي 6 سنوات، باتت الحاجة للتوصل إلى حلول واقعية وجذرية أكثر إلحاحاً من ذي قبل.
تشكل القروض والمنح، سبيلاً لا بأس به لدعم الشباب وتشجيعهم على البدء بعملهم الخاص، في حال عدم كفاية أو توفر وظيفة ثابتة، إلا أن توقف معظم البنوك العامة والخاصة عن منح القروض بسبب تداعيات الحرب الاقتصادية، حطم آمال ومستقبل الكثيرين في البلاد.
وعلى مستوى الدعم الأممي، أظهرت أرقام صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية، تبايناً كبيراً في نسبة الدعم المقدم لمساعدة الشباب في إنشاء مشاريعهم الخاصة، مقارنة بالحاجة الفعلية المقترنة بعدد الشباب العاطل عن العمل لمختلف الأسباب، فضلاً عن انحسار إمكانية الاستفادة من ذلك الدعم وتقييده على وجود علاقات مع إحدى الجمعيات الأهلية المتعاملة مع المنظمة الدولية، والتي لم يتجاوز عددها 21 جمعية، بحسب تصريحات مسؤولي المنظمة.
42% من الشباب عاطل عن العمل
وكشفت مسؤولة الشباب في صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية ريم بجاري لجريدة (قاسيون) أن 42% من الشباب السوري بحاجة إلى فرصة عمل، حيث يشكل أولئك الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 إلى 24 سنة، نسبة 31% من المجتمع السوري، بحسب إحصائية مقدمة من الهيئة السورية لشؤون الأسرة.
وأوضحت «بجاري» بأن هدف الصندوق هو العمل على تعزيز قدرات الشباب، من مختلف البيئات الاجتماعية، عبر تنفيذ مشروع يهدف لحشد الشباب لتقوية التماسك الاجتماعي، ببناء قدرات الشباب من مختلف البيئات الاجتماعية في التخطيط والتنفيذ المشترك لمشاريع متعددة.
الدعم طال 40 مشروعاً فقط
إلا أن الصندوق الأممي لم يتمكن من دعم أكثر من 40 مشروعاً على مستوى القطر كاملاً، بحيث تم تنفيذ 16 مشروعاً في دمشق وريفها، و24 آخرين في محافظتي حمص وطرطوس، بحيث بلغ عدد الشباب المستفيدين من ذلك الدعم 81 متدرباً.
وعن قيمة الدعم المقدم للمشروع، قالت بجاري: إنه تم تقديم منحة لكل مشروع تتراوح بين 2000 – 3000 دولار أمريكي.
ضعف بالتمويل الأممي!
وحول سبب ضيق تطبيق الدعم أو إمكانية توسيع عمل الصندوق بحيث يخدم شريحة أوسع من الشباب، أكدت بجاري أن الحاجات أكبر من الإمكانيات المتاحة، مشيرة إلى أن ضعف التمويل هو عائق أمام دعم مشاريع أكثر.
فقط عبر الجمعيات المرخصة
وعن سبل الاستفادة من مشاريع الصندوق، أكدت المسؤولة أنه محصور بمرشحين تقدمهم جمعيات أهلية يتعاون معها الصندوق، ومعترف بها ومرخصة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث يخضع هؤلاء المرشحون لمقابلة وفحص كتابي ليختار منهم فئة تخضع لدورة تدريبية، يُقدم المتدربين في نهايتها أفكاراً لمشاريع يرغبون بالعمل عليها، ويقومون بإجراء دراسة جدوى اقتصادية للمشروع والتخطيط له بالكامل، ليصار في النهاية إلى اختيار عدة مشاريع لدعمها وتمويلها، حيث كانت حصيلة هذا التدريب 40 مشروعاً و48 فرصة عمل.
وذكرت بجاري أن المشاريع المنفذة تنوعت بين تقليدية، كالخياطة وتصميم الملابس والحلاقة النسائية والطباعة على الملابس وصيانة التجهيزات الالكترونية ودورات تعليمية، إضافة إلى المشاريع الخلاقة كالتعليم ولغات البرمجة باللغة العربية، وتصميم ألعاب إلكترونية، وأخيراً مشاريع زراعية كزراعة الفطر والزهور والأشجار المثمرة.
وكل ذلك تم عبر مشروع تدريبي أطلق في تشرين الأول من العام 2015، بينما تم إطلاق المشاريع في شهر آذار 2016، على حد قول بجاري، التي لم تستبعد تكرار التجربة.
العمل اعتماداً على
مسح عام 2009
وفي خضم ذلك، تبدو محدودية قدرة المنظمة الدولية، على التأثير في مؤشر البطالة المحلي، علماً أن الأرقام التي تم الاعتماد عليها في عمل الصندوق الأممي تعود لمسوحات قديمة منذ العام 2009 أو 2010، إذ لا توجد أرقام دقيقة عن البطالة ووضع الشباب السوري في ظل الأزمة، كما أنه لا يمكن أن يشمل عمل الصندوق مناطق ساخنة أو خارجة عن سيطرة الحكومة السورية، بسبب ارتباط المنظمة بأعمالها كافة مع وزارات الدولة، ما يقوض عملها على مستوى القطر ككل ويحصر خططها ضمن المعطيات الحكومية.
وبدأ صندوق الأمم المتحدة للسكان عمله في الجمهورية العربية السورية في عام 1971، بينما تركز عمله منذ عام 2011 في حالات الطوارئ على تقديم الدعم المعيشي للأسر والمجتمعات المتضررة وإلى تلبية الاحتياجات العاجلة لخدمات الصحة الإنجابية.
قروض الحكومة
سقفها 500 ألف
وبالانتقال للدور الحكومي، استأنفت عدة مصارف عامة منح القروض، لكن معظمها محصور بفئة العاملين في القطاع العام، وعلى سبيل المثال، قال مدير التسليف بمصرف التسليف الشعبي، عدنان حسن: أنه تم رفع سقف قرض ذوي الدخل المحدود إلى 500 ألف ليرة سورية، في حين تم رفع مدة سداد القرض وفق السقف الجديد إلى 60 شهراً، بقسط شهري نحو 11430 ل.س.
وأضاف حسن أنه تم رفع نسبة المنح إلى 40% من الراتب المقطوع والتعويضات الثابتة على راتب طالب القرض، على حين تم تحديد قيمة الفائدة على القرض المذكور بمبلغ 185 ألف ل.س.
الشرط: كفيلان موظفان منذ أكثر من 10 سنوات
وحول كفالة المقترض، قال حسن: يجب أن يكون هناك كفيلان للمقترض بشرط أن يكونا من العاملين في الدولة لمدة تتجاوز 10 سنوات، مؤكداً أن القرض في الوقت الراهن يشمل فقط العاملين في القطاع العام.
قروض لمن ولماذا بالضبط!!
وبافتراض أن لقرار حصر القروض بموظفي القطاع العام، مبرراته المنطقية ومزاياه، لا يمكن وصف شروط الحصول على تلك القروض الزهيدة المبلغ (500 ألف ليرة) إلا بأشبه بالمستحيلة، وخاصة من ناحية توفر الكفلاء، علماً أن فئة ملحوظة من العاملين خرجوا عن الخدمة لأسباب مختلفة.
وعند النظر إلى قيمة القرض المتاح، يبدو المبلغ قليل جداً ولا يكفي لإطلاق مشروع ولا لشراء منزل أو سيارة، بل هو إن قارناه بالأسعار في السوق المحلية قد يكون كافياً لشراء غرفة نوم أو براد وغسالة لا أكثر..!!
دور الدولة الغائب
أما عن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يتم الحديث عنها بين الحين والآخر على المستوى الرسمي، فحدث بلا حرج، حيث يغلب عليها الطابع الارتجالي، وهي غالباً ما تمنح للبعض من المحظيين من المقربين من أصحاب القرار هنا وهناك، وهي على ذلك ليست أكثر من صدى على هامش الإعلانات الرسمية، لا تغني ولا تسمن جوع.
هذا يدفع للتساؤل عن مكان وطبيعة التعامل مع المواطنين خارج عباءة القطاع العام، وخاصة الفئة الشبابية، والذين يشكلون نسبة هامة من المجتمع السوري، والذين غالباً ما يكونون محرومين من الاستفادة من أية ميزة (إن صح التعبير) سواء القروض أو الزيادة في الرواتب أو التعويضات أو التأمينات وغيرها من أمور، إذ لم تتمكن الحكومة حتى قبل اندلاع الحرب، من ضبطها ومعالجتها، حيث بقي القطاع الخاص حراً ومستقلاً في تعامله مع عامليه، الفئة المغيبة والمسلوبة الحقوق بالمعظم.
استعادة الدولة لدورها
هو الحل الوحيد
من دون أوهام، فإن حل مشكلة البطالة، وخاصة على مستوى الشباب، لا يمكن أن يكون عبر أسلوب منح القروض، وغيرها من الأساليب المحدودة بطبيعتها وتكوينها ومخرجاتها، بل إن الترويج لذلك لا يمكن أن يكون إلا لذر الرماد في العيون، حيث أن مشكلة البطالة لا يمكن أن تُحل إلا عبر اتباع سياسات اقتصادية اجتماعية شاملة، تبدأ بأن تستعيد الدولة لدورها على هذا الجانب، عبر ضخ الاستثمارات الكفيلة بإحداث نقلة نوعية على مستوى الإنتاج العام، الصناعي والزراعي بشكل خاص، وتوسيعه، والذي وحده الكفيل باستقطاب الأيدي العاملة وتخفيض معدلات البطالة المتزايدة، مع ما يرافق ذلك من نتائج إيجابية على المستوى الاقتصادي العام للبلاد، الأمر الذي يتعارض مع السياسات الليبرالية المعتمدة منذ عقود، كما يتعارض مع مصالح المستفيدين من هذه السياسات على المستويات كافة، اعتباراً من المتنفذين مروراً بالفاسدين وليس انتهاءً بكبار التجار والمستوردين، بتشعب علاقاتهم الداخلية والخارجية، مع الانعكاسات السلبية كلها لهذه السياسات، والتي تعتبر البطالة أحد تجلياتها فقط.