لقمان ديركي لقمان ديركي

صفر بالسلوك بين المغالاة... و«الطيلسة»

يغالي الشباب الكرد في الحديث عن قصتهم الكردية وثقافتهم وأغانيهم ورقصهم، لا لسبب وإنما لأنهم يدركون يوماً بعد يوم حجم التعتيم الذي يمارس عليها، فيحاولون بشتى الوسائل إظهارها لأصدقائهم وأقربائهم من غير الأكراد، وتكون هذه المغالاة طريفة في بعض الأحيان ومتطرفة في أحيان أخرى، ولا عذر هنا للكردي المتطرف تماماً كما لا عذر للمطيلس الذي يمارس التعتيم على ثقافة هذا الشاب اللطيف ولغته وغنائه ورقصه وشعره، ولأنني لا أحب المتطرفين، لذلك فإنني لن أتحدث عنهم، وسأبقى في الميدان الذي أحبه وهو الطرافة، لأن الطرافة نتاج خيال جامح وسريرة طيبة وإبداع.

كنا طلاباً في الإعدادية عندما كنا نلصق صور «شفان» على دفاترنا، لنؤكد لزملائنا من غير الأكراد أننا نملك نجوماً على مستوى العالم، وكنا نسمعهم أغانيه ونترجمها لهم كي يفهموا ألمنا، وكنا نحيطه بالأساطير.. فصوته هو عبارة عن أربعة عشر صوتاً، كل صوت لا يشبه الآخر، وهو عالمي لأنه يعيش في ألمانيا، وأنه يجيد سبع لغات بالتأكيد، وأن «كريس دو بيرغ» غنى معه، فيسألوننا: من «كريس دو برغ» فنشرح لهم عنه حتى يصبح نجماً كردياً بحتاً، كما لا يوجد كردي مهما كان أمياً لم يشاهد فيلماً على الأقل ليلماز غونيه، فإذا كانت هناك ندوة عن السينما في مصر وكان أحد الأكراد حاضراً فإنه حتماً سيتحدث عن يلماز غونيه، وإذا كان الحديث عن الفن التشكيلي عند قبائل الأباتشي، فإن الكردي سيتحدث عن بشار العيسى وعمر حمدي «مالفا»، أما إذا كان الحديث عن الموسيقا في البلقان فإن الكردي سيرمي اسم كامكار قبل أن يبدأ حديثه، وإذا دار الحديث عن الموسيقا في اليمن فإن الكردي سيجد مدخلاً حتماً لأن يذكر سعيد يوسف ويحكي عن الطابع الذي صدر وعليه صورته في السويد كما فعلتُ أنا في زاوية سابقة، ولن ينسوا أن يذكروا ما كتبته الدير شبيغل عنه: «بهلوان كردي يغزو أوروبا»، وإذا دار الحديث عن كرة القدم فسيتحدثون بحماس عن المرحوم هيثم كجو والكبير رضوان الشيخ حسن والماهر جومرد موسى وفنر وزانا حاجو وغيرهم، ولن ينسوا الحديث حتى وهم يفرمون البقدونس في المطاعم ويقدمون القهوة في المقاهي عن عظمة التاريخ الكردي وعن أسطورة «كاوا» الحداد وشهامة وإخلاص صلاح الدين الأيوبي ويوسف العظمة.. ولكنهم دائماً يشعرون بعدم الإنصاف لهم ولأبطالهم، وفي أحد حواراتي العجيبة مع أبي كان يحاول أن يثبت لي أن صلاح الدين كردي، ولكنه لم يستطع رغم أنه سرد لي سلالة صلاح الدين كاملة، وعندما لاحظ عدم اقتناعي ببراهينه أخرج قطعة الخمس والعشرين ليرة الورقية من جيبه وعليها صورة صلاح الدين وقال:

«انظر.. لقد وضعوا صورته على الخمس والعشرين ليرة.. لو لم يكن كردياً هل كانوا ليفعلوا به ذلك»؟!!!

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 10:57