سهل الغاب: النهب يطال حتى «علف الأبقار»!
إذا كان الموظف في المدينة يعمل بعد دوامه سائق تاكسي أو عاملاً عند القطاع الخاص أو بائعاً على بسطة أو في دكان، فإن الحال لا يختلف كثيراً عند فلاحي سهل الغاب..
فإذا كانوا يعتمدون بالدرجة الأولى على الزراعة كمصدر دخل أساسي، إلا أننا لا نستطيع أن نفصل هذا النشاط عن تربية المواشي، وبشكل خاص تربية الأبقار.
فقد تزايد الاعتماد على تربية الأبقار بعد تفتت الحيازات الزراعية، فالحيازة كما هو معروف في الرخصة الزراعية هي 25 دونماً. وغالباً ما توزع على الورثة بعد وفاة المالك، ومتوسط عدد أفراد العائلة الريفية هنا بالعادة هو خمسة أشخاص.. مما يؤدي لتفتت الملكية، ومن هنا صارت تربية الأبقار المصدر الرئيسي للدخل عند معظم الفلاحين.
ومع غلاء سعر العلف في السوق السوداء، وعدم تمكن مربي الأبقار من الحصول عليه عن طريق الدولة، وقع المربي في أزمة تنذر بكارثة اجتماعية.. من هنا عملنا على رصد هذه المعاناة، إذ التقت قاسيون عدداً من مربي الأبقار في عدة قرى من سهل الغاب
المربي فادي: عملت في لبنان لمدة تزيد على السنة في أعمال شبه شاقة، وحرمت نفسي من كل شيء، وأنا شاب في أول عمري تغربت وتعرضت للذل والإهانة في سبيل جمع مبلغ صغير من المال لأوفر لنفسي فرصة عمل بكرامة، وعدت إلى قريتي واشتريت ثلاث (عجلات) بمبلغ وقدره (105) آلاف ل.س (مئة وخمسة آلاف ليرة سورية)، واعتقدت بأن المستقبل سيفتح لي أبوابه، ولكن ما لم أحسبه جيداً، ولم أكن أتوقعه هو تقلب الأسعار ورخص الأبقار مع غلاء سعر العلف. إذ كان سعر العلف في السوق السوداء 10.5 عشر ليرات ونصف للكيلو غرام، أما الآن فسعره (14) ل.س، وصار لي على هذه الحال أكثر من ثمانية أشهر.. وقعت بعجز كبير.. لا أستطيع الاستمرار في تربية الأبقار، ولا أستطيع البيع لأن خسارتي ستكون كبيرة، وأنا الآن على أمل تحسن الأسعار وتوفير الأعلاف بسعرها السابق، إذ آخر تاجر دفع لي مبلغ 130 ألف مقابل البقرات الثلاث.. طبعاً العجلات صارت بقرات فما الحل؟! ثم أضاف؛ أدفع في الشهر الواحد 10000 ل.س ثمن علف من غير أن أدخل في الحساب العلف الأخضر والطبابة والماء والكهرباء وفوق هذا كله تعبي.. «الله لا يسامح الذي كان السبب».
المربي عمار: أنا عاطل عن العمل.. متزوج ولي ثلاثة أولاد، ولكن أشعر بذنب كبير.. وقعت في أزمة كبيرة بعد أن ورطت أخي الذي يعمل في الخليج وأقنعته بجدوى تربية الأبقار، فاشترى لي ست بقرات حلوب على طريق تأسيس مزرعة تؤمن فرصة عمل لي لأعيل أسرتي، وتدر لي بعض الربح وقمنا بشراء الأبقار بأحسن المواصفات ولكن الذي لم يتوقّعه هو الحد الذي وصل إليه سعر العلف بعد أن كان سعر الكيلو بتسع ليرات أصبح بـ15 ل.س.
وسعر الكيلوغرام من الحليب بـ11 ل.س وكان سعر العجل الوليد بـ15 ألف ل.س أصبح العجل الذي عمره /5/ خمسة شهور يساوي 15 ألف ل.س.
نريد من الجهات المختصة توفير العلف وبسعر مناسب وضبط ومراقبة أسعار العلف المنتج من قبل القطاع الخاص كما أطالب بمعمل أجبان وألبان ليتيسر لنا تسويق إنتاجنا من الحليب ونتخلص من التجار المتحكمين بنا.
وهناك حلّ آخر أن تأخذ الدولة أبقارنا وتشغلنا لديها برواتب شهرية.
المربي فايز: المخصص الشهري للبقرة الواحدة من قبل الدولة 25 كغ هذا هو العيب ذاته 25 كيلو للبقرة الحلوب بالشهر!! إنها لا تكفي حتى ديكاً بلدياً.
عندي بقرة من البقرات الأربع تأكل في اليوم الواحد 15 كغ نحن لا نستفيد من تربية الأبقار ونعيش على أمل تغير الأوضاع والاستجابة لمطالبنا بتوفير العلف عن طريق الدولة. فبدل أن نشتري مادة النخالة من السوق السوداء بـ12 ل.س نستلمها من الدولة بـ4.75 ل.س والخلطة 8.5 ل.س الفرق كبير جداً.
فإن ما يجري معنا مثل ما جرى للشعب العراقي أثناء الحصار (النفط مقابل الغذاء ومنا الحليب مقابل العلف).
يا عمي: هل تعرف أننا لا نستفيد من تربية الأبقار بقرش واحد، ولو سألت كل مربي الأبقار ستجد الجواب ذاته.
وأنا سأجيب على سؤالك لما لا نحول محصول القمح إلى أعلاف؟
الجواب بسيط لأننا في الشتاء نكون قد بعنا القمح للتاجر وأكلنا بثمنه قبل أن نحصده.
والشيء الآخر الذي سأقوله لك أن كل من لديه بقرة يستلف من تاجر الحليب (الجبان) على أقل تقدير 20 ألف ل.س وهذا ما يمنعنا من التخلص من الأبقار.
ع ـ تاجر أعلاف (صغير): أرجو عدم ذكر اسمي لكي لا أطرد من السوق وأقول لك: اذهب إلى مركز تسليم وبيع الأعلاف سترى أنه تحول إلى بورصة ومكتب لعقد الصفقات بين التجار والمسؤولين من استلام وتوزيع الأعلاف.
نبيل: أستلم الأعلاف عن طريق جمعية سلحب الجديدة.
الأعلاف التي تنتجها الدولة وتوزعها على الجمعيات الفلاحية تهرب إلى السوق السوداء وهي موجودة بكميات كبيرة وبأسعار مرتفعة جداً مع العلم أن ما يوزع لنا عن طريق الجمعية الفلاحية 14 كغ للبقرة الواحدة وهذا لا يكفيها ليوم واحد.
خالد: استلفت قرض بطالة واشتريت عشرة عجول سعر الكيلو قائم كان في حينها بـ120 ل.س وقمت بتسمينها لمدة ستة شهور. ارتفع سعر العلف ونزل سعر اللحم بسبب وقف تصدير المواشي واستيراد اللحوم.
كانت خسارتي 60 ألف ل.س فكيف سأسدد القرض؟ فأنا لا أملك لا أرض ولا وظيفة.
«الله يساعدنا ويساعد الناس».
رائد سعيد: الطبيب البيطري المسؤول عن الصحة الحيوانية في الوحدة الإرشادية في قرية الرصيف يقول: إحصاء الثروة الحيوانية يتم دورياً كل عام وبناءً على ذلك يتم تخصيص المقنن العلفي وبالطبع هو غير كافٍ.
ولكن نحن نقوم بعملنا وعلى الجهات المسؤولة أن تعلم إن هذا المخصص لا يكفي البقرة الحلوب ليومين. فالعليقة العلفية النظامية تقسم إلى عليقة إنتاج الحليب وعليقة حافظة (للمحافظة على صحة الحيوان) علف مركز، عليقة مالئة (تبن) علف أخضر، إضافات علفية (الأملاح، العناصر النادرة) فلكل واحد ونصف كغ حليب يحتاج 1 كغ علف وإذاما قارنا الاستهلاك بالإنتاج نرى أن الميزان يميل لصالح الإنفاق في ظل ارتفاع سعر الأعلاف وعدم توفيره من قبل الدولة.
أما بالنسبة للأعلاف المنتجة من قبل القطاع الخاص من خلال المعاينة الحقلية لوحظ وجود إسهالات وانقطاع شهية وقلة إدرار الحليب عند الأبقار المنتجة وعدم التحويل بشكل جيد عند العجول المعدة للتسمين بسبب سوء الأعلاف وهذا ناتج عن غياب المراقبة التموينية على تركيب هذه الأعلاف يضاف إلى ذلك التلاعب بالوزن حيث أنه يباع بالكيس على أساس أنه يزن 50 كغ والواقع يظهر أنه أقل من ذلك.
وأضاف نقوم حالياً بتحليل المواد العلفية المنتجة من قبل القطاع الخاص والنتائج الأولية تشير إلى الغش والتلاعب، وسأقدم لك نتائج التحليل عند الإنتهاء من عملية الاختبار.
رياض طوبر رئيس الجمعية الفلاحية في قرية الرصيف: بناء على جداول الإحصاء المقدمة لنا من الوحدة الإرشادية يتم توزيع الأعلاف إلى مربي الأبقار بعد استلامها من مركز الأعلاف على النحو التالي:
خلطة (مركب) 20 كغ، نخالة 5 كغ، كسبة 3 كغ، شعير 7 كغ، وبالتأكيد هذا المخصص لا يكفي البقرة الحلوب أكثر من ثلاثة أيام.
من خلال الملاحظة والمعاينة تبين مدى العجز الذي يقع فيه مربوّ الأبقار، خصوصاً لدى مقارنة سعر الأعلاف مع سعر الحليب، إذ يتبين أن البقرة الحلوب التي تنتج 35 كغ حليب باليوم الواحد، وعلى مدار عشرة أشهر، وهذه هي فترة إدرار الحليب لأن المربي يتوقف عن حلب البقرة قبل شهرين من الولادة.
يكون إنتاج الحليب 10500 كغ بمتوسط سعر سنوي 11 ل.س. يكون الإنتاج السنوي من الحليب للبقرة الواحدة 115500 ل.س، يضاف عشرة آلاف ل.س سعر العجل الوليد حسب السوق الحالي، ليصبح مجموع إنتاج البقرة الواحدة 125500 ل.س.
أما قيمة ما ينفقه المربي على البقرة الواحدة يومياً فهو 203 ل.س من علف جاف مركز، و36 ل.س ثمن عليقة مالئة (تبن)، و75 ل.س علف أخضر. وإضافات علفية من أملاح وعناصر نادرة يضاف إليها ما ينفق من كهرباء وماء، امتلاك مستودع وزريبة ونسبة هدر ونفوق وإذا أضفنا ما ينفق من قوة عمل المربي واعتلال صحة بحكم عمله الشاق وما يتعرض له من أمراض معدية نتيجة تعامله مع الحيوانات وأضفنا 50 ل.س أجور واعتلال صحة يكون ما ينفقه هو حياته لقاء 50 ل.س باليوم وإذا ما عدنا إلى حساب الأرقام يكون مجموع ما ينفق 13140 ل.س.. وهذا الفرق بين الدخل والإنفاق من خسائر تتراكم على شكل ديون تثقل كاهل المربي لا وبل تكسره..
وهكذا نرى الكثير من مربي الأبقار قد تركوا أبقارهم إلى ذويهم، وسافروا إما إلى لبنان أو إلى المدن بقصد العمل، وهذه مشكلة ملحة تحتاج لحل سريع، وهي تنذر بكارثة لا يمكن تقدير عواقبها.
ومن خلال ما تقدم نلاحظ تضارب الآراء حول المعطيات فهناك من المربين من يقول: نستلم المخصص المقنن للبقرة الواحدة (14 كغ)، وآخر يقول (25 كغ) بالشهر، بينما المسؤولون عن توزيع الأعلاف يؤكدون توزيع (35 كغ)، وهذا يعني أن هناك تلاعباً وسرقة للمخصصات العلفية، وما يؤكد ذلك وجود هذه المخصصات بكميات وافرة في السوق السوداء لدى تجار العلف!! ومن موقعنا نضم صوتنا إلى أصوات مربي الأبقار لزيادة المخصصات العلفية ومراقبة المواد المكونة لها وضبط أسعارها.
■ يامن طوبر