محمد الجندي محمد الجندي

الشيوعية والأحزاب الشيوعية–ج6 والأخير

الرأسمالية الدولية مرت بتطورات هامة عما كانت عليه في القرن التاسع عشر.

الرأسمالية الكلاسيكية كانت تقوم بتوظيف المال في شراء المواد الأولية أو نصف المصنعة وقوة العمل، وتنتج كمية من السلع، قيمتها النظرية المال الموظف زائداً فضل القيمة؛ وكان يقوم إلى جانب ذلك توظيف المال التجاري في شراء المنتجات المصنعة وتصريفها والحصول بذلك على جزء من فضل القيمة؛ وأيضاً توظيف المال في المجال المالي: البنوك والمؤسسات المالية المختلفة، وهنا يوظف المال دون وساطة سلعة وينتج عنه مال زائد هو جزء من فضل القيمة الاجتماعي.

فضل القيمة يأتي من عملية الإنتاج فقط، أي أن الإنتاج وحده هو الذي يخلق الثورة الاجتماعية، أما النشاطات الرأسمالية الأخرى، التجارية والمالية، فتقتطع أجزاء من فضل القيمة.

وكان لدى الرأسمالية الكلاسيكية نقطتا ضعف، الأولى هي اضطرارها لتوظيف قوة العلم، أي لتجنيد قوة العمال في المعامل، الأمر، الذي يؤدي إلى تطورهم اجتماعياً ووعياً، ويجعلهم عبر ذلك قوة مضادة للاستغلال، أي مضادة للرأسمال؛ والثانية في العجز عن تصريف الإنتاج، أي في الكساد، الذي يعرقل دورة الإنتاج: «مال - إنتاج - تصريف - مال» من أجل إعادة الإنتاج. وقد تلاحقت أزمات الكساد في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. والحلول التاريخية التي جرت لذلك كانت أولاً في تطوير التكنولوجيا تدريجياً حتى الأشكال الهائلة الحالية لا يمكن ذلك من الاستغناء عن أعداد كبيرة من عمال الآلة الكلاسيكيين، أو من الياقات الزرقاء، ويزيد الحاجة إلى أعداد أقل من القوى العاملة المؤهلة، إلى الياقات البيضاء، الذي يعطون رواتب مجزية، فيعيشون في بحبوحة، أو بحبوحة نسبية تبعدهم عن «الثورية» وهذا في نفس الوقت يبعد الياقات الزرقاء عن فهم الآلة، التي تصبح أعقد فأعقد، ويخلق لديهم هموماً أخرى، وثانياً في تطوير التوظيف التجاري والمالي، والمالي بوجه خاص، الذي صار أداة خلق للمال. المال لم يعد مشكلة للتوظيف سواء في الإنتاج أو في القطاعين التجاري والمالي. هو مجرد اعتماد (ذمة) تستخدمه لمصلحتها الأوليغارشية الاحتكارية الدولية. هذا لا يمنع كون الاحتكاريين المتنافسين يدمرون بعضهم بعضاً بوقف الدورة المالية لمن يراد تدميره، ثالثاً بتوجيه الإنتاج نحو مجالات خاصة ذات أهمية بالنسبة للرأسمالية الدولية: نحو الصناعة العسكرية والصناعات التي لها علاقة كبيرة أو صغيرة بها، ونحو الصناعات الاستخراجية وبوجه خاص صناعة البترول، ونحو الصناعات الخدمية الكبرى: المعلومات،وسائل الاتصال، وسائل المواصلات الكبرى.

هذه الحلول جعلت الرأسمالية الدولية بمأمن مرحلي من ظاهرة الكساد الكلاسيكية، وضمنت لها قدرة جبارة في التحكم.

المال الحالي هو تضخيم رهيب لفضل القيمة، التي تخلقها شعوب العالم بنشاطها الإنتاجي. وأصبح بسبب ذلك غير صالح للادخار، فتهبط قيمته الشرائية باستمرار، وأصبحت تهبط بشكل عمودي؛ وغير صالح كمورد، إلا إذا كان كبيراً جداً، فبه تنخفض المستويات المعاشية بشكل عمودي أيضاً ولا يصلح للمبادلة، إلا بالقسر، فالسلعة التي قد يبيعها التاجر اليوم بسعر يضمن له ربحاً ما لا يستطيع أن يعوضها في متجره إلا بسعر أغلى مما باعها فيه.

كل شيء يهتز بفعل ذلك، وهذا بصرف النظر عن الهزات الدولية والاجتماعية الأخرى حتى الأوليغارشيات الاحتكارية الدولية، فإنها تتمتع طبعاً بتمركز المال لديها، إذ يمتلك العديد منها ما يعادل ميزانية دولة أو عدة دول ثالثية، ولكن هذا المال يبقى مهتزاً في البورصات الدولية، وفي الأزمات النقدية.

أزمات الرأسمالية الدولية الكلاسيكية تمنعها الرأسمالية الدولية الحالية على حساب شعبها وشعوب مختلف البلدان. وإذا ما تحركت الشعوب ضد مختلف الآلام التي تعانيها، ضد الفقر، ضد الجوع، ضد الاحتلال...الخ؛ فإن سيف القمع يسلط عليها.

التناقض التاريخي أمام الرأسمالية الدولية حالياً هو مع الشعوب ورغم الترسانة المخيفة، التي تمتلكها الرأسمالية، فلن تكون قادرة على ربح المعركة مع بقائها هي سليمة.

هذا متروك للمستقبل، ولكن الأحزاب الشيوعية بمختلف أطيافها، والأحزاب الوطنية، أي المخلصة لبلدانها، وأحزاب وتشكيلات العولمة البديلة، كلها مدعوة تاريخياً للتحالف فيما بينها وضد الرأسمالية الدولية. وفي ذلك خلاص لها وللإنسان. وإذا لم تؤد دورها التاريخي، فإن ذلك يكون خسارة كبيرة للشعوب، واستعباداً شمولياً للإنسان.

 ● ● ●

الصفة «شيوعية» كانت تطلق على بلدان الاشتراكية العلمية، أياً كانت التمايزات في أنظمة الاشتراكية العلمية، التي كانت قائمة. والشيوعية النظرية تعني النظام الكوني، الذي يرث الرأسمالية الدولية، فليس هناك تطابق نظري بين «الشيوعية» و«الاشتراكية العلمية»، بيد أن أنظمة الاشتراكية العلمية كان يمكن أن تتطور بالإنسان إلى الشيوعية.

والشيوعية ليست «جنة» على الأرض، ولا شبيهة بجمهورية أفلاطون وغيرها، كما حاول أعداء الشيوعية نعتها بذلك، وإنما هي فقط مرحلة التطور الطويل الأمد، التي تأتي بعد انتصار الإنسان على المكونات الاجتماعية والسياسية للرأسمالية على التمييز العنصري بمختلف أطيافه، وعلى الاستغلال ببعديه الاستعماري القديم والحديث، وعلى ما ينتج عبر كل ذلك، من مجازر وكوارث.

قد يلزم الإنسان بعدئذ زمن طويل للأم جراحه، ولكنه سيستطيع ذلك، مثلما يستطيع المريض أن يشفى تدريجياً بعد نظافة جسده من الجراثيم.

الشيوعية ليست جنة وإنما هدف نضالي يتضمن القضاء على الاستغلال، وأنظمة الاشتراكية العلمية كانت صيغاً تاريخية مرحلية في سبيل ذلك.

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 10:59