القمامة في العاصمة.. الوباء شريكاً!
دمشق الفيحاء عروس بردى والغوطتين يبدو أنها لم تعد كسابق عهدها على الأقل من الناحية الجمالية والنظافة في العديد من مناطقها وأحيائها, خاصة تلك التي اتفق على تسميتها بمناطق السكن العشوائي وهي الآن تزنر المدينة من الاتجاهات الأربع وليس صعبا على زائر هذه المناطق اكتشاف وطأة ما يعانيه سكانها من التلوث وانعدام النظافة حيث القمامة تتكدس في كل زاوية تعج بالحشرات وأسراب الذباب باعتبار أن القمامة مكشوفة ولا حاويات مغلقة توضع قيها.
من المسؤول؟
المواطنون يلقون بمسؤولية هذا الوضع المزري على الجهات البلدية وبدورها تتحدث عن تأدية واجبها ضمن حدود الإمكان والموازنات المتاحة وتلقي باللائمة على الكثافة السكانية الهائلة في هذه المناطق إضافة لعدم تعاون المواطنين معها في إلقاء القامة في أوقات محددة , وبين هذا الرأي وذلك يلح السؤال عن طبيعة الآليات اللازمة لمحاصرة هذه الكارثة البيئية التي باتت في حال استمرارها واستفحالها تهدد بمخاطر صحية واجتماعية حقيقي .
جولة ميدانية
أكوام النفايات التي تغص بها الشوارع في مناطق العشوائيات يبدو أنها أصبحت جزءا من الصورة البصرية للسكان، يتعايشون معها على أمل أن يأتي يوم تتغير فيه الصورة، واقع يصدم كل زائر لهذه المناطق، وأثناء جولتنا في حي التقدم حدثنا السيد محمد ج بحسرة وألم: إن إلقاء القمامة في هذه المنطقة مشكلة مزعجة ومقرفة وتؤدي في الكثير من الأحيان إلى شجارات بين سكان الحي, حيث أن هذه الأحياء في غالبيتها العظمى تفتقد إلى الحاويات مما يضطر الناس إلى إلقاء القمامة على زوايا الأبنية الخاصة بهم أو الأبنية المقابلة لهم، وليست هناك أوقات محددة يتم فيها ترحيل هذه الأكوام عدا عن عدم التقيد بمواعيد محددة لإلقائها، وهذا يجعلها على مدار الساعة وخاصة في فصل الصيف، مصدراً للروائح الكريهة التي تزكم الأنوف وتهدد الناس والأطفال بمخاطر صحية حقيقية، لكونها بيئة مناسبة لأسراب الحشرات والجراثيم المختلفة الممرضة.
السيدة غادة ر: قالت شارحة معاناتها من الظاهرة مضيفة إلى ما قاله السيد محمد الأخطر في الموضوع أن هناك أطفالا وشبابا يأتون لتمزيق أكياس القمامة والنبش بها بحثا عن البلاستيك والزجاج وأشياء أخرى يأخذونها للتجارة ,وهذا أمر خطير لابد من السيطرة عليه, فتصور الحال مع هذا الوضع المؤذي والخطير فأسراب الذباب والصراصير والجرذان تقبع في أحبائنا والروائح الكريهة حدث ولا حرج فأين هي الجهات البلدية؟
أحمد س قال: باختصار شديد نحن نقطن في مكب للنفايات والحشرات التي تحوم حولها. وما يغيظك ويقلقك أكثر أطفال هذه المناطق وهم يلهون ويلعبون بين أكوام النفايات المنزلية، وهم لا يلامون على ذلك لأن أحياءهم تفتقد الحدائق والمساحات التي يمكن أن يلعبوا فيها، وهذا وضع يؤدي بالضرورة إلى أمراض و أوبئة. فالقمامة مشكلة تؤرق حياة الناس وتزيدها قسوة وسوءا.
السيد إبراهيم .ص، وهو صاحب محل قال: لا أدري ماهي المبررات التي تساق من فبل الجهات البلدية لتقصيرها في تأدية واجبها حيال موضوع النظافة وجمع الزبالة من الشوارع والأحياء أعتقد أن لا مبرر يمكن أن يسوغ لها هذا الوضع خاصة أنها تتقاضى من السكان وأصحاب المحلات رسوم نظافة وضرائب مما يلزمها, وأيا كان الوضع ليس مبررا أن يبقى الناس في هذه الأحياء يساكنون المزابل ويتنفسون الهواء الفاسد المفعم بالجراثيم والرائحة الكريهة.
السيدة رتيبة. ش، تحدثت قائلة: تصور أن الذاهب إلى عمله أو للقيام بزيارة، وفي الطريق هبط عليك من السماء ودون سابق إنذار (كيس زبالة)! نعم. لا تستغرب ذلك هذا يحدث كثيرا، إنه سلوك متكرر!!. إن تقاعس الجهات البلدية وغياب الوعي ولد هذا الحال المزعج. الوضع لم يعد محتملا، فالأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم، ونتمنى أن يصل صوتنا عن طريقكم لمن يستشعر الخطر ويتحمل المسؤولية للقيام بما يلزم لمحاصرة هذه الظاهرة والقضاء عليها . الوضع في منطقة الزاهرة القريبة والتابعة لمحافظة ريف دمشق ليس بأحسن حالا مما هو عليه في حي التقدم، حيث الحاويات الخاصة بالقمامة هي من النموذج القديم والمكشوف، كما أن أعدادها ليست بكافية، حيث أن عشرات الأبنية والمئات، إن لم نقل آلاف السكان، تخصص لنفاياتهم حاوية أو اثنتان، الأمر الذي يضعك أمام منظر بصري مؤذ وخطير صحيا في الوقت ذاته، فالسيدة لمى . ر، من هذه المنطقة تقول: الحاويات المكشوفة وعددها قليل، الأمر الذي يدفع السكان بعد امتلائها إلى وضع الأكياس على الحواف والجوانب، وهكذا يتحول المكان إلى تلة قمامة تستوطنها الحشرات والقوارض وأسراب الذباب، وكثيرا ما يزيد الأمر سوءا. الفتية الذين يأتون بحثا عن العبوات البلاستيكية يمزقون الأكياس وينبشونها، فيصبح الوضع أكثر قرفا. وتتابع قائلة: الوضع في الصيف أصبح لا يطاق ولا يحتمل وعلى الجهات المعنية أن تتحمل مسؤولياتها لمعالجة الأمر.
في ختام جولتنا، وفي ما شهدناه وسمعناه، يمكن القول إن لا أحد يعفى من المسؤولية في ما آلت إليه أوضاع النظافة في هذه المناطق والأحياء، فالجهات البلدية هي من يتحمل المسؤولية أولا، من حيث وجوب توفير الكادر البشري والآليات، بالإضافة إلى الحاويات المغلقة، ومن ثم تحويل قضية النظافة والحفاظ على البيئة إلى قضية تربوية وتعليمية في المدارس، والتركيز عليها إعلاميا لرفع سوية الوضع البيئي لدى المواطنين، وبعدها إقرار الإجراءات المناسبة للتقيد وضبط السلوكيات فيما يخص النظافة.