عبد العزيز حسين عبد العزيز حسين

وحدة الشيوعيين السوريين

لقد أصبحت ظاهرة الانقسام داخل صفوف الشيوعيين السوريين ظاهرة شبه مستحكمة بالرغم من بعض الخطوات الإيجابية التي حدثت في الآونة الأخيرة من احتفالات وندوات مشتركة بين الفصيلين الشيوعيين (الحزب الشيوعي /النور/) واللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في أكثر من محافظة وخاصة في الجزيرة وكنا نتمنا أن يكون بينهم الفصيل الآخر (صوت الشعب).

إن الشعور والرغبة بالوحدة أصبح شعورا طاغيا على عقول أغلبية الشيوعيين الذين يدركون أن تحقيق هذه الوحدة هي تعزيز للوحدة الوطنية الداخلية والتي تساهم في الدفاع عن مطالب الكادحين الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية، وحماية المكتسبات التي تحققت خلال عشرات السنين، وخاصة في هذه الظروف التي تمر بها الحركة الشيوعية السورية واليسارية عامة، وفي ظل شراسة الهجمة الاميريكية والصهيونية على بلدنا الحبيب.
وبسبب انهيار المنظومة الاشتراكية وخاصة الاتحاد السوفيتي نزلت المصائب على البشرية بأسرها، حيث برزت العولمة الأمريكية بوصفها القوة العالمية الوحيدة تقريبا بكل ما تملك من وسائل دمار واستعادت الامبريالية الأمريكية إلى حد كبير حلمها القديم في نهب الشعوب وثرواتها ورسم طريق تطورها اللاحق، بالرغم من أن هذا الحلم يواجه تحديات كبيرة في الكثير من مناطق العالم، حيث بدأت هذه العولمة المتوحشة تتلقى الضربات في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وفي الصين وكوريا الشمالية, وبدأت آمال فوكوياما وأمثاله في نهاية التاريخ وإغلاق باب الاجتهاد تنهار شيئا فشيئا.
إن الضرورة التاريخية والعملية باتت تفرض نفسها بقوة الآن بغية تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين وإعادة بناء صفوفهم من جديد، كي يساهموا بشكل فعال في توجيه مسار التطور الاجتماعي اللاحق، انسجاما مع مصالح الفئات الكادحة من أبناء شعبنا ضد تطاولات قوى الخصخصة واقتصاد السوق. فعلى الشيوعيين ألا يفوتوا فرصة توحيد الصفوف من أجل أداء دور ايجابي في التطورات اللاحقة الخارجية والداخلية الاقتصادية والسياسية، وإن لم يتمكنوا من تحقيق هذه الوحدة ستخلق حتما حالة من الانفصام بين الحركة السياسية للشيوعية والحركة الاجتماعية، أي انفصال السياسة عن المجتمع.
إن الاستمرار في المهاترات وتبادل الاتهامات وتصفية خيرة الكوادر وتخوين الرفاق سيدفع بالشيوعية إلى بوتقة الانعزال والبعد عن الجماهير وعن القواعد الحزبية وهذا ما يحدث فعلا رغم بعض أنواع المكابرات .
إن استمرار عقلية العداء بين الشيوعيين حسب اصطفافاتهم التنظيمية، ستنقلب حتما إلى عداء تجاه الفصائل الشيوعية برمتها، وفي أحسن الأحوال نؤسس لعقلية العداء والتكتل وشطب الرفاق وعدم احترام حق الآخر في إبداء الرأي، أو حتى مجرد الاستماع إليهم.
إن هذه الحالة خلقت نوعاً من الفراغ الفكري، وإلى حد ما التنظيمي وسط الجماهير الشعبية التي تعاني من ضغط الوضع المعيشي، كما ساهم هذا الوضع في خلق التربة الخصبة لنمو الفكر السلفي الظلامي وثقافة الاستهلاك بين الشباب وبين الفئات الكادحة، وحتى بين بعض الشيوعيين.
إن فكرة الوحدة هي رغبة صادقة عند جميع الشيوعيين السوريين، وخاصة عند القواعد، والاختلاف يكون أحيانا في شكل التعبير عن هذه الرغبة. وقد وجه مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في أواخر شهر حزيران الفائت مبادرة إلى جميع الشيوعيين وأصدقائهم فصائل وأفرادا، واقترحت تشكيل مجلس تشاوري مركزي يضم ممثلي الفصائل والتيارات الشيوعية بحيث يتشكل هذا المجلس بشكل متساو، وتؤخذ القرارات بالتوافق، كما يمكن أن تتشكل فروعا له في المحافظات وذلك من أجل تنقية الأجواء بين الشيوعيين وصولا إلى التنسيق والوحدة بين الشيوعيين، وجاءت هذه المبادرة تأكيدا على النداء القديم الذي وجهه الرفيق خالد بكداش في 18 كانون الثاني لعام 1987 والذي جاء فيه (إننا نرى أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي العمل المشترك والتنسيق بيننا في مختلف ميادين النضال دون إبطاء وتشكيل لجان عمل مشتركة على كافة المستويات لتحقيق ذلك وبالبدء بالحوار الجدي من أجل العمل لتحقيق هذه الوحدة... وإذا كان هناك تباين في الآراء حول هذه القضية أو تلك فإن ذلك يمكن حله بالحوار الرفاقي في الحزب الواحد). وقد دحض هذا النداء تلك المفاهيم التي ترفض الحوار واللقاء والتنسيق تحت مسميات مختلفة كالتروتسكية وغيرها. وهذا لا يعني انه لا توجد آراء تصفوية أو تحجر فكري هنا وهناك ولا بد من تعرية هذه الآراء بشكل فكري.
كما كتب الرفيق حنين نمر الأمين الأول للحزب الشيوعي السوري /النور/ مؤخرا في جريدة النور في 25 تموز 2007 مقالا تحت عنوان / على طريق وحدة الشيوعيين السوريين/ جاء فيه (أن تفتت الحركة الشيوعية وانقسامها إلى عدد من الأحزاب والفصائل قد جلب الكثير من المآسي لها وتعدى ذلك إلى إلحاق أفدح الأضرار بالحركة الوطنية السورية وبحركة الجماهير الشعبية نفسها.. إن المرحلة الحالية تحتمل إجراء خطوات جادة على طريق الحوار المنظم بين مختلف الفصائل الشيوعية حول العديد من القضايا الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والبدء بالقيام بأعمال مشتركة وتعاون مشترك منظم في شتى القضايا التي تهم الشعب والوطن).
وبكل الأسف لا يزال البعض ومن خلال بعض الندوات يبذلون المستحيل ضد أي تقارب بين الشيوعيين السوريين ويوجهون الاتهامات بغية توتير الأجواء بينهم إرضاء لبعض القيادات وحفاظا على مراكزهم.
إن وحدة الشيوعيين السوريين أصبحت مطلبا عاما داخل نفوس الشيوعيين وأصدقائهم يضغط على عقولهم ويتحول غيابها إلى موقف نقدي تواجه الجماهير به الشيوعيين كل يوم ولا يوجد لدى الشيوعيين تفسير مقنع للحالة التي وصلوا إليها.