جبران الجابر جبران الجابر

كلمات إيجابية على محور مكانك راوح

ثمة مهام تشغل مكان الصدارة وتأتي في الأولويات، ويعود الأمر إلى أنها تستند إلى ضرورات وطنية واجتماعية وسياسية، ولكن التعاطي مع تلك الضرورات يدفع تلك المهام بعيداً عن الصدارة، ويحولها إلى مسائل ثانوية يصبح ذكرها أو التذكير بها أمراً إيجابياً...
إن تلك الحالة من التعامل مع تلك المهام تؤدي إلى مفارقات متنوعة وهو حال وحدة الشيوعيين السوريين التي الرفيق حنين نمر السكرتير الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري (فيصل)، خصها، بمقال نشرته «النور» ثم نشرته قاسيون في عددها الصادر في يوم السبت الموافق 11/8/2007.

لقد أصاب الرفيق حنين نمر في تأكيده على الضرورات الوطنية والسياسية والاجتماعية التي تتطلب تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين.
وتضمن المقال اقتراحاً يدعو للحوار والتنسيق بين الفصائل والأحزاب الشيوعية، فهل هذا الاقتراح يرتقي إلى مستوى الضرورات الموضوعية التي تتطلب وحدة الشيوعيين السوريين؟ وهل حمل المقال جديداً، أم أنه كرر ما طرح منذ عشرات السنوات، وهل كان منطلق الرفيق حنين نمر وغايته وضع الفصائل والأحزاب الشيوعية على مسار الوحدة أم أن المسألة لا تتعدى جهد تكتيكي لأهداف لم تعد سراً ولا لغزاً، أم أن المقال أراد تكرار أنني بريء من دم هذا الرجل.
إن هذه التساؤلات وغيرها مشروعة خاصة وأن وعياً متزايداً في مختلف الأوساط الجماهيرية يشير بوضوح إلى أن مصداقية تعاطي الشيوعيين مع الضرورات الموضوعية التي ذكرها الرفيق حنين نمر، تجد دلالاتها الحقيقية في مدى جدية الشيوعيين للتوجه الملموس نحو وحدتهم.
نضيف إلى ذلك أن اقتراح الحوار والتنسيق لم يكتسب لحماً ودماً وظل بعيداً عن أية اقتراحات محددة وملموسة، ولذلك فمن الصواب النظر إليه باعتباره اقتراحاً لم يضف شيئاً جديداً وظل في إطار محور المراوحة في المكان، ومع ذلك فإن عمق المفارقات وتنوعها والتي تبرز بوضوح بين الضرورات الموضوعية والعامل المادي البشري الشيوعي، غرقت في أتون عوامل متعددة، وجعلت مجرد التذكير بأهمية وحدة الشيوعيين أمراً إيجابياً: أليس ذلك مؤشراً ومقاربة تدل أن القوى التي تعارض فعلياً وحدة الشيوعيين السوريين تشغل أماكن مفتاحية وهامة في الفصائل والأحزاب الشيوعية؟ وأن حال من يريدون الوحدة، وهم متواجدون بصورة أساسية في قواعد الأحزاب الشيوعية، لا يتجاوز أحياناً قبول التذكير بتلك المهمة؟
إن المقال تجاهل مبادرة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ولم يكن ذلك أمراً عفوياً، وجاء متعمداً ومقصوداً، وله مأرب وأبعاد، فكيف يمكن الأخذ بمصداقية الدعوة لوحدة الشيوعيين السوريين بعد إغراق الأمر في الهرطقات وبعيداً عما تفرضه وتتطلبه العوامل الموضوعية التي أشار إليها الرفيق حنين نمر؟ أم أن المسألة لا تتعدى محاولة للاستمرار في المراوحة بالمكان مع الإعلان بين الحين والآخر عن أهمية وضرورة وحدة الشيوعيين؟
لقد ذكر الرفيق حنين نمر بتجارب وحدوية، ألا يضيف ذلك مسؤولية خاصة بحكم المهام الحزبية المنوطة به؟ ألا يدخل ذلك في مجال أن هناك تجارب ملموسة في هذا الصدد، وأن الرفيق كان جاداً لو أنه استند إلى التجارب وقدم اقتراحات ملموسة بدل التلطي تحت مظلة العبارات المجردة؟
لقد جاء المقال باعتباره تعبيراً عن وجهة نظر كأنها فردية، ولم ترد أية عبارة أن الأمر بحث في أية هيئة قيادية، كما أنه لم يستند إلى أية وثيقة حزبية، وهو ما أضعف الدعوة لوحدة الشيوعيين السوريين، كما أنه لم يضع اليد على الجرح. فخلا من التوقف الجاد وغير الجاد، عند العوامل الفعلية التي جعلت من مهمة من المهام الكبرى والضرورية، جعلها مهمة ثانوية ولا تستحق سوى الإعلان اللفظي، ودون التوقف عند مسألة واحدة من المسائل المكونة لمسار توحيد الشيوعيين السوريين.
أنضيف أن قيمة أي حزب تنبثق من مدى تفاعله مع الضرورات الاجتماعية ومدى استعداداته الذاتية للارتقاء إلى مستوى تلك الضرورات ومتطلباتها، وأن غير ذلك هو قبض الريح، وسيشكل ذلك علاقة تاريخية فاصلة بين من يرتقي إلى مستوى المسائل الوطنية بميادينها كافة من جهة، وبين من يدير الظهر لها تحت ذرائع مختلفة ولا تبتعد عند البعض عن تسخير مسائل مبدئية ماركسية لتغطية حقيقة المواقف من وحدة الشيوعيين السوريين، وإبعاد تلك المواقف ومسائلها الجوهرية المعروفة والتي لم تعد سراً ولا لغزاً، وقد غدا الأمر عند البعض حالة «ترفع» عن المهام «الثانوية»، واستمروا في شعارات تآكلت ولم تعد تجري فعلياً في الحديث أو التناول لوحدة الشيوعيين السوريين، وتناسوا أن أي شعار ينبغي إعادة النظر به مع تطور المسألة، فهل حقاً أن الاستمرار في ترداد مقولة نحن «الحزب» وعلى الآخرين أن يأتوا على هذا الأساس، هو الشعار المنسجم مع الضرورات الوطنية والسياسية والاجتماعية؟؟