كيف أصبحت شيوعياً؟

ضيفنا لهذا العدد الرفيق القديم يوسف كلثوم.
رفيقنا المحترم أبو الياس، كيف أصبحت شيوعيا؟.

- بداية، أستطيع القول بكل ثقة وإخلاص، إنني لم أكن في يوم من الأيام، منذ وعيت على الحياة والواقع الصعب، إلا مع شعبي ووطني، ومع جميع الشعوب المظلومة في شتى أنحاء العالم, وبكلمة أوضح، إن ما ملأ جوارحي بشرف وافتخار، هو الشعور الوطني والروح الأممية الصادقة.
أنا من مواليد عام 1932 في قرية السودا، التابعة لمحافظة طرطوس، من عائلة فلاحية فقيرة، عانت مرارة العيش وقساوة الظروف، شأنها شأن جميع العائلات الفلاحية في ذلك العهد. نشأت وترعرعت برعاية جدتي التي أشرفت على تربيتي, وهي الإنسانة الطيبة الوديعة، المحبة لكل الفقراء والضعفاء، والتي عاشت حقبة من حياتها في أواخر الحكم العثماني والاضطهاد التركي الجائر, فكانت تحدثني عن المظالم التي كان يعانيها الناس في ظل ذلك الاستبداد الغاشم, وتشرح لي عن همجية الاحتلال الفرنسي وفتكه بالثوار الوطنيين, فنما لدي شعور الكره الشديد للاستعمار والمستعمرين, هذا الكره الذي أخذ يتعمق في نفسي، وخاصة عندما بدأت أسمع وأرى الكثير مما يمارسه المحتلون الفرنسيون ضد أبناء شعبنا.
تلقيت التعليم الابتدائي في مدرسة القرية، ونلت شهادة (السرتفيكا)، ولم أتمكن من متابعة التحصيل المدرسي، رغم حبي الكبير للعلم والمعرفة ومواصلة الدراسة، بسبب ضيق ذات اليد, فاتجهت إلى العمل مع والدي وأقاربي في الزراعة, ثم تحولت إلى العمل في البناء بالحجر الأسود القاسي، المتوفر بكثرة في قريتنا, ومن خلال العمل تعرفت على العديد من الرفاق الشيوعيين, وساهمت معهم في نشاطاتهم الحزبية الجماهيرية، ثم انتسبت إلى صفوف الحزب في أواسط أربعينات القرن الماضي, وبعد ذلك وبدافع الحاجة الماسة، نتيجة انعدام فرص العمل، اضطررت إلى الاغتراب البعيد قي أقاصي الأرض, فسافرت إلى فنزويلا، بأمريكا الجنوبية، لأعمل كغالبية المهاجرين العرب، بائعا متجولا في شوارع وأزقة البلدات والقرى، وبين البيوت الشعبية, وهناك أيضا أبصرت بأم العين الفقر الذي يعيشه الناس كما في بلادنا العربية, وهذا بالذات ما أكد لي أن الشعوب مظلومة، وأن هنالك ظالمين جبارين يعيشون على كدها وعرقها ودمائها, وفي العاصمة «كركاس»، التقيت عصبة من الرفاق الشيوعيين العرب المهاجرين, وأنشأنا معاً حلقة شيوعية صغيرة، صلتها عن طريق المراسلة مع الحزب الشيوعي السوري, وعندما اشتد الضغط على الحزب، أيام الوحدة المصرية السورية, وحُظر نشاطه, صرنا نراسله عن طريق الحزب الشيوعي اللبناني, وقمنا بالتنديد بما يتعرض له الشعب السوري من قمع وتضييق على الحريات, والزج بالآلاف في السجون والمعتقلات, ودعونا إلى تأييد نضال الوطنيين ضد التسلط والاضطهاد, وفي الوقت ذاته كنا نوطد العلاقة بيننا وبين الحزب الشيوعي الفنزويلي, كما عملنا جاهدين بين فئات الشعب الفنزويلي، ضد مشاريع الاستعمار الأمريكي، وضد الدعايات الصهيونية الكاذبة التي تحاول تشويه صورة العرب، وبشكل خاص الشعب الفلسطيني, وشرحنا حقيقة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني لأرض فلسطين، وما ارتكبه من مجازر وتنكيل وتشريد للشعب الفلسطيني, كما عملنا على توطيد العلاقات والتعاون مع بقية الجالية العربية، وفي المقدمة المهاجرون من فلسطين, وساهمنا بتأسيس الرابطة السورية الفنزويلية, وأنا أتشرف أنني كنت والرفيق جبور جبور من أعضائها, وقد انتُخبنا في قيادتها.
كانت الدعايات الصهيونية آنذاك تسيطر على الصحف، بضغط من الاستعمار الأمريكي فتصدينا لها بإمكانياتنا البسيطة, ووسعنا علاقاتنا أيضا مع المنظمات الشيوعية المهاجرة من بلدانها إلى فنزويلا, وركزنا في عملنا السياسي على فضح جميع الأكاذيب الإمبريالية الصهيونية, وعملنا على حشد الدعم لنضال الشعوب العربية ضد العدوان عليها .
عند رجوعي إلى الوطن عدت للالتصاق بحزبنا الشيوعي السوري، متابعاً النضال مع الرفاق الطيبين, وأود هنا أن أوضح أنني كنت دائماً وأبداً، مناهضاً للانقسامات داخل الحزب, والآن أعمل سوية مع الرفاق في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، لتوحيد كل الشيوعيين, وكنت في عداد الأوائل الذين وقعوا على ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، استجابة لدعوة الرفاق المبدئيين, ونحن نعمل أيضا لتوحيد جميع الوطنيين الشرفاء، لنقف صفاً واحداً ضد المشروع الاستعماري الأمريكي،(مشروع الشرق الأوسط الجديد).
واليوم، كم أنا فخور بالوضع القائم في فنزويلا، وبالقيادة البوليفارية، والحكومة الحالية بقيادة المناضل الكبير هوغو شافيز, أنا أفتخر بذلك، لأنني واحد من الرفاق الشيوعيين السوريين المهاجرين، الذين ساهموا ولو بجهد بسيط في صنع ذلك، ونتمنى لبلدنا سورية أن تسلك هذا الطريق.
المستقبل هو للشعوب المناضلة في سبيل تحررها وكرامتها, المستقبل هو للعدالة والاشتراكية، فإلى الأمام أيها الرفاق...