علي الراز رئيس نقابة عمال النقل البري لقاسيون: أزمة النقل تتجه إلى مزيد من التعقيد
وصلت أزمة المرور في دمشق إلى مرحلة من التفاقم، بات معها من غير الممكن التغاضي عن المشكلة أو اعتبارها مجرد أزمة عابرة وموسمية كالسابق، يوم كنا لا نشعر بها إلا في فترات محددة من السنة، تفرضها مواسم أو مناسبات محددة. والحقيقة أنه أصبح من الملحّ البحث الجدي في أسباب الأزمة وإيجاد الحلول بالسرعة القصوى، نظراً للتداعيات الخطيرة الراهنة المستقبلية للأزمة، والتي راحت تنعكس على مجمل النشاط البشري في العاصمة...
انطلاقاً من هذا الواقع ارتأت «قاسيون» وضع القارئ بالصورة الحقيقية لما يحدث، فالتقت مع النقابي البارز محمد علي الراز رئيس مكتب نقابة عمال النقل البري في اتحاد العمال.
● سنبدأ معكم بالسؤال والحديث عن جوهر أزمة النقل والمرور وحدودها؟
بداية يجب التذكير أنه قبل خمس سنوات، كان عدد السيارات في دمشق لا يتجاوز /200/ ألف سيارة، وقد قامت شركة جايكا اليابانية منذ حوالي عشر سنوات بإجراء دراسة لشوارع مدينة دمشق، واستخلصت من دراستها بأن هذه الشوارع تستوعب /48/ ألف آلية، ولكن، ومنذ افتتاح أبواب الاكتتاب على السيارات السياحية، بدأ المواطنون، وبأعداد كبيرة، بشراء تلك السيارات لوجود أزمة نقل حقيقية في كل سورية، وقد فضّل بعض المقتدرين الاعتماد على النقل الفردي بدل النقل الجماعي الذي كان دارجاً منذ البدايات، وهذه القاعدة الغريبة غير معتمدة في كل أنحاء العالم، لأن كل مدن العالم عندما يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة مثل مدينة «براغ» على سبيل المثال، تقوم الجهات المسؤولة فيها بإنشاء الترام والمترو معاً، بالإضافة إلى الاعتماد على حركة النقل العادية عن طريق «الباصات»، أي أن الحكومات هناك تعمل جاهدة لتوفير وسيلة النقل الجماعي من أجل راحة المواطنين لديها.
أما عندنا، وبعد دخول هذا الكم الهائل من السيارات السياحية، والتي وصل عددها عام /2005/ إلى حدود الـ /500/ ألف مركبة، وسجل في عام 2006 /575/ ألف مركبة، ويتم يومياً الآن تسجيل حوالي /300/ مكتتب للحصول على سيارة جديدة، فإن القضية مختلفة كلياً، مع العلم أن عدد السيارات التي تجوب شوارع دمشق اليوم يصل إلى /600/ ألف سيارة، رغم أن هذه الشوارع مازالت على حالها تقريباً منذ عشرات السنين دون أي توسع، أو أي مخطط تنظيمي حقيقي، الأمر الذي يؤدي إلى أزمة كبيرة في حركتي النقل والسير، والسبب الأساسي في ذلك، كما يعلم الجميع، عدم تأمين الحكومة لوسيلة نقل جماعية لتخديم المواطن الذي يضطر للاعتماد على سيارة خاصة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، رغم أن السيارة الخاصة في معظم دول العالم تكون غالباً «لشم الهوى» فقط.
لذلك فالسؤال الجوهري الذي يجب أن تسأله الحكومة لنفسها هو: لماذا هذه الأزمة ومَنْ اختلقها؟
حتى الآن السيارات الشاحنة تدخل مدينة دمشق وبكل الأوقات، حتى المتحلق الجنوبي الذي وُضعت آمال كبيرة عليه لحل الأزمة، أصبح مثل أي شارع من شوارع دمشق مزدحماً ليلاً نهاراً.
قبل عشر سنوات كنا نطرح موضوع النقل الجماعي كأحد الحلول السريعة، الآن لن يفيد هذا الطرح، لأن طاقة وعرض هذه الشوارع لم يعودا يتسعان للسيارات الصغيرة، فكيف بالكبيرة؟؟ والحقيقة أن المواطن لا يمكنه أن يتحمل ساعتين في باص النقل الداخلي لمسافة تمتد من باب توما إلى جسر الرئيس.
لقد أصبح من يملكون الإمكانية يتنافسون للاستحواذ على النوع والموديل الأكثر تطوراً وعصرنة، وبات لدينا في الشوارع /120/ نوعاً مختلفاً من السيارات، ولعلنا بتنا نفوق كل دول العالم في ذلك، وهو غير اقتصادي، وخاصة أن هذه الأنواع تتطلب قطع تبديل وصيانة يتحكم فيها عدد من التجار وبأسعار غالية، مما ولد مجموعة من الشركات فتحت أبواب التقسيط.. سيطرت على عقول المواطنين بإعلاناتهم المتكررة.
● ما دور البنية التحتية في حدوث الأزمة؟
حالياً هناك /600/ ألف سيارة تدخل من دون أي اهتمام بالبنية التحتية، سواءً من حيث توسيع الشوارع أو الأنفاق أو الجسور، والحقيقة أن كل هذه الحلول لم تعد تنفعنا بشيء، ولن يساعدنا الآن لتجاوز الأزمة إلا مترو الأنفاق.
● إذاً أنت ترى أن قانون السماح باستيراد السيارات لم يكن صحيحاً؟
القرار لم يكن صحيحاً، ولم يأت في الوقت المناسب، لأن حدوث الأزمة وتفاقمها يثبت عدم صحة القرار ويؤكد أنه كان استعجال بإصداره قبل أن يدرس بشكل جيد.
● هذا يعني أن الحلول كانت ارتجالية حالها كحال القرارات التي أدت إلى احتقانات مختلفة على أكثر من صعيد، ومنها على سبيل المثال قرار نقل الكراجات إلى خارج العاصمة، والذي أول ما نتج عنه إضراب سائقي السرافيس؟
نعم معظم الحلول كانت ارتجالية، وخالية من أية دراسة معمقة. الذي يعطي القرار باستيراد «ما هب ودب» من أنواع السيارات، يجب أن يوسع شوارعه أولاً ويدرس ويخطط وينظم لمدينته بشكل جيد ثانياً، والأزمة لم تعد مقتصرة على دمشق وحدها التي وصلت حركة الدخول والخروج منها إلى ستة ملايين نسمة، بل وصلت الأزمة إلى بعض المحافظات الأخرى.
● إذا لم يعد النقل الجماعي مفيداً، لماذا هذه الاتفاقيات مع بعض الدول والشركات الأجنبية وحتى المحلية كالمصري؟
النقل الجماعي، وحتى لا نظلم شركة النقل الداخلي، كان مفيداً قبل عشر سنوات، أي قبل دخول هذه السيارات، حالياً أصبح من الصعب الاعتماد على هذا الحل، فالسيارات على رتلين، والأزمة في ازدياد، وجميع الحلول لن تجدي نفعاً سوى القطار المعلق أو مترو الأنفاق، ومن المعروف أن مرفق النقل مرفق خدمي أي أن الدولة تدعمه وتهتم به، وهذا معمول به في كل دول العالم.
● كم هو حجم الخسائر التي تسببها هذه الأزمة؟
عندما نقوم بحساب الخسائر، نعتمد على كل الجوانب المتعلقة بالأزمة، فقطع التبديل مثلاً، ترتبط أسعارها بحركة الاستيراد والتهريب، مما تجعل أسعارها متفاوتة ومتضاربة، بالإضافة إلى الاستهلاك الكثير للمحروقات والذي يسبب أزمة تلوث حقيقية للبيئة والسكان. المواطن في دمشق أصبح يعاني من أمراض عديدة نتيجة استنشاقه للهواء الملوث المنبعث من عوادم السيارات ومن الغيمة السوداء التي تغطي سماء دمشق بكاملها، وتنقل سمومها حتى إلى الريف المحيط بالعاصمة، ففي أحد اجتماعاتنا مع رئاسة مجلس الوزراء وبحضور عدد من الوزراء، اقترحت على الاجتماع وضع حد لاستيراد السيارات والتي قارنتها بأنواع الجبنة، وطالبت بإيقاف الاستيراد بعد أن وعدت شركة الشام بإنتاج /20/ ألف سيارة بالسنة.
● ماالحلول والآفاق الزمنية للسيطرة على هذه الأزمة والتي أصبحت حديثاً لدى كل فئات المجتمع؟
أظن أن الحلول لن تأتي من عالم الغيب، وكان بالإمكان تطويق الأزمة قبل عشرات السنين، إلا أن الجهات المعنية لم تحرك ساكناً حتى وقع الفاس بالراس، لذلك كان من ضمن الحلول التي اقترحها أيضاً في إطار العمل السريع من أجل مترو الأنفاق، ولو على أساس الاستثمار وقانون الرقم /10/، حتى وإن وصل مدة إنجازه إلى أكثر من عشر سنوات، المهم أن نبدأ الآن بالحلول التي كان التعامل معها سابقاً أسهل بأضعاف المرات.
الأمر الآخر والذي أظنه ضرورياً، هو وقف السماح باستيراد السيارات نهائياً، وإلى أجل غير مسمى، لأننا نفسد كل شيء، الوقت والمحروقات والروح بسبب الحوادث الكثيرة والطرق غير المراقبة، حتى الصندوق الأسود الذي عمل من أجله الكثير فشل ووئد في بدايته، الخسائر بالملايين، والذي يدفع الفاتورة هو المواطن.
ومن الحلول التي وضعتها الحكومة تحويلة دمشق درعا حمص التي لن تنجز إلا في عهد أحفادنا إذا كانت الخطوات ستستمر بهذا البطء الفظيع!
من الحلول المقترحة الأخرى تغيير الدوام الرسمي للدوائر الحكومية، أو تحويل جميع مؤسسات الدولة إلى خارج مركز المدينة، ولكنها أيضاًلم تلق آذاناً صاغية.
من المضحك أن نرى سيارة قاطرة ومقطورة محملة بـ/60/ طناً على أوتستراد المزة مثلاً، أي خلق أزمة جديدة وإضافتها للأزمة.
الحلول يجب أن تكون سريعة وحكومية، لأن جهة واحدة كالمحافظة لن تستطيع حل الأزمة بمفردها، فالحلول السابقة لم تكن ناجحة، وخاصة عندما أوقفنا عمل /1000/ آلية من النقل الداخلي واستبدلناها بـ/16/ سرفيس من النوع الحديث و/30/ ألف تكسي، أي زيادة الطين بلة، وإذا كانت الخطوات كما هي الآن، فإن الأمور ستزداد تعقيداً ولن يجدوا الحل لأن دمشق أصبحت مرآباً كبيراً.
● هل يلعب الفساد دوره في هذه الأزمة؟
طبعاً، وبشكل كبير، ففي عيد المرور اقترحنا إقامة دورات لمدة /15/ يوماً لجميع مدارس قيادة السيارات لدينا، وعددها حوالي /30/ مدرسة، إلا أنه في النهاية، ينجح الجميع بفعل الرشوة وفساد الإدارة والمحسوبيات دون الرجوع لأي فحص عملي يؤهل للنجاح.
هناك 2760 شخصاً سقطوا ضحايا حوادث السيارات عام 2006، و/16/ ألف جريح. ساحة الأمويين التي وضعت من أجلها ملايين الليرات لم تحل 20% من الأزمة، وكل أوقاتنا أصبحت (ساعة ذروة)، فالأزمة في أي وقت وبكل الأزمنة.
● أين ذهبت كل الدراسات؟
إيران قدمت 3 دراسات، وفرنسا واليابان قدمتا دراستين، إلا أن جميعها ذهبت أدراج الرياح.