السيناريو الأخير لحفلة هدم جديدة أمام سرّ: جرافات المحافظة إلى كفر سوسة

• الإخلاء سيشرد1000أسرة ويهدم 400بيت
• المواطنون: نناشد السيد الرئيس التدخل
• من الأقوى التاجر أم الدولة؟
• مدير التنظيم العمراني: ليس لدينا بيوت لنوزعها للمستحق أو غيره!!!

بدلت محافظة دمشق عنوان كتبها الموجهة إلى سكان منطقة كفر سوسة الطريق2 من إنذار إلى إعلام، وتضمن أحد كتبها من بين مئات الكتب التي لم يتسلمها معظم المواطنين بعد المقدمة ما يلي:
يطلب إليكم إخلاء الإشغال المنوه أعلاه خلال مهلة عشرة أيام من تاريخ تبلغكم هذا الإعلام تحت طائلة الإخلاء الجبري أصولاً.
ويذيل هذا الإعلام بتوقيع محافظ دمشق، ويعني أن الإخلاء سيقع في بداية الشهر الثامن، وقد كان من المقرر أن يتم التنفيذ في 27/12/2006لكن تدخل بعض الجهات الرسمية حال دون ذلك وحينها عزت المحافظة موافقتها على التأجيل لأسباب إنسانية كون المدارس لم تنته، وكان الفصل شتاء، وتمهل المحافظ حتى نهاية السنة الدراسية، لكن الظروف الإنسانية الحقيقية لم تزل موجودة، ومئات البيوت لم تزل مسكونة بأكثر من ألف أسرة، والفقراء لم يصبحوا أغنياء، و(قاسم) ما زال يعيش مع سبعة أطفال وابنة مطلقة مع ابنها في غرفة مع مطبخ، وراتبه وعمله الإضافي لا يكفيان لاستئجار ما يشبه بيته، وفاروق شطيحي ما زال على عكازه وتقاعده المخزي للأدوية مع ابنه الذي يعيش مع زوجته وطفلتين في غرفة بائسة لا تتجاوز مساحتها 13 متراً في ظروف لا إنسانية لم يلحظها القابعون خلف مكاتبهم في المحافظة العتيدة.

في قلب الفقر

الحواري الضيقة والبيوت المتكاتفة ورائحة الغداء تهب من لحظة دخولنا إلى كفر سوسة، طفلة صغيرة لم تتجاوز السنوات الأربع صرخت بنا(لا تهدموا بيتنا)، كانت صرخة مبكرة وإنذاراً في وجه إنذار المحافظة الذي سيدفع بها وبأمثالها إلى الشارع، تجمع الناس في دقائق فمنذ أكثر من عام وهم يركضون إلى الإعلام مستنجدين على رأي أبو محمد بما تبقى من الضمير.
- محمود: ليفتحوا لنا باب الهجرة سأكون أول المغادرين، إلى أية دولة ولكن ليست عربية ، عمري 45سنة لا بيت عندي بالكاد أستطيع إطعام نفسي.

- عزيزة: هذا آخر المطاف نحن أهل البلد صرنا غرباء فيها، لن نخرج من بيوتنا، فأنا متزوجة في هذا البيت منذ عام 1972 وأهل زوجي سكنوه من بداية الستينات.

- شاب: نحن نناشد السيد الرئيس أن يقف إلى جانبنا، كما ساعد المتضررين من العدوان، على لبنان أن يساعدنا، كذلك كما يساعد الأخوة العراقيين، لأن هدم بيوتنا وإخراجنا منها سيحولنا إلى مشردين، فكل بيت هنا فيه من أربع إلى ست عائلات.

-امرأة كبيرة في السن: في هذا المنزل تسكن أربع عائلات، أين سنذهب من يرضى بهذا الذل، قررت المحافظة الرحيمة أننا لا نستحق سكناً بديلاً.

-امرأة مقاطعة: لن نخرج من بيوتنا، علينا وعلى أعدائنا، هنا من يريد أن يأخذ بيتك، نتمنى أن يأتي المحافظ إلى هنا أن يهبط من برجه العاجي.

- رجل: السيد الرئيس أصدر قراراً ينص على البيت يقابله بيت، هناك من يريد من عدم تنفيذ القرار تجاوز قرار الرئيس وظلم العباد.

-امرأة تبكي: نحن ظلمنا مرتين، المرة الأولى هدمت بيوتنا في شارع الثورة واليوم يأتي من يهدم هذا البيت، هل سيرموننا في الشوارع، ونحن عائلتان، ومن أين جاءت المحافظة بقرار، هناك من يستحق ومن لا يستحق، ليأتي المسؤولون إلى هنا ولينظروا فيها، كل بيت فيه أقل ما يمكن عائلتان.

- رجل كبير: لسنا متمسكين بهذه البيوت، نحن نريد شيئاً واحداً، أعطونا مقابل هدمه بيتاً نسكنه.

-مقاطعة: رجالنا يتساقطون من الحزن، هذا زوجي أصيب بالجلطة، وهو مشلول نصفياً، الشباب ينامون في قهر، منذ أشهر وأثناء اشتداد الأزمة مات شاب من الحزن.

- معلمة مدرسة: سنخلي البيوت عندما يعطوننا البديل، ومدير التنظيم في المحافظة يظن أنه فوق القانون وفوق الوزير والمحافظ، هو الآمر والناهي.

- مواطن: الذي يريد أن يخرجنا من البيت إلى البيوت المستأجرة هل يستطيع أن يقول لي هل باستطاعة أي سوري صاحب دخل محدود أو يعمل في الزراعة أو أي عمل حر أن يستأجر بيتاً العراقيون رفعوا الأسعار إلى 20و30ألفاً في الشهر هؤلاء المسؤولين لا يرون.

- أنا مستحقة لبيت بديل ولكنهم يريدون إخراجنا ليس إليه بل إلى الشوارع، دفعت 30ألف ليرة للمحامي، منذ ستة أشهر وعدونا بالبيت وحتى اللحظة لا شيء، والآن الإنذار مدته 10أيام.

- من يحكم الناس في المحافظة، بعد انتهاء العام الدراسي قالوا لنا المسألة نائمة ترى من أيقظها في المحافظة ومقابل أي شيء (المحافظ يريد أن يبيض وجهه، العملة، التجار).

- بدرية حلواني: زوجي متوفِّ منذ عشرين عاماً، نحن عائلتان، لدي خمسة أولاد وابني متزوج في نفس البيت ولديه ثلاثة أولاد.

- أوقفنا رجل في الشارع لدى خروجنا من الزقاق الذي سيصير أرضاً مستوية بعد 10أيام، وضع على الأرض أكياس الخضار صائحاً: «من هو الأقوى التاجر أم الحكومة، التاجر طبعاً لأنه يدفع للحكومة هل نقول لأولادنا اذهبوا لخدمة التاجر لأنه القوي.

قاسم يشبه الجوع

لم يكن في بيته حين زرنا الحي المنكوب بالتهجير، بالطبع قال الجيران إنه يعمل في وظيفة خادم، يمسح ويجلي ويقدم الشاي والقهوة، وهو الموظف في الحكومة في مكان يتعلم فيه الإنسان أن يكون رافع الرأس وصاحب كبرياء، إنه قاسم الذي تحكى عنه الحكايات المملوءة بالقهر.
أبو سمير صاحب دكان: تشتري عائلة قاسم بالعشر ليرات، أعطني بعشرة شاي وبعشرة سكر، أعطني بيضتين.
نحن كلنا للوطن كلمات قالها قاسم عندما التقينا به بخجل مكسور، تابع قاسم: أنا موظف في الدولة والراتب كما يعلم الجميع على (قده)، سبعة أولاد ولا توجد القدرة على إعالتهم مع العمل الإضافي الذي أعمل به، وإذا هدموا بيتي سأنصب خيمة في وسط الطريق لأولادي السبعة مع ابنتي المطلقة وابنها، فقط أريد من كبار المسؤولين أن ينظروا إلى أحوالنا.

انقعها واشربها

لم يمنع الخجل مسؤولي المحافظة من الرد على مواطن قدم أوراقاً ثبوتية للمحافظة بحقه في البديل عن هدم منزله بأن أذهب انقعها في الماء واشربها وهذا من الأمثال الشامية التي تعبر عن الاستهتار بحق الآخر الواضح ومن جملة الأمثال المتبجحة (روح بلط البحر).
في كتاب المواطن راتب محمد جمعة إلى محافظ دمشق أنه يملك جزءاً من العقار/1111/ بموجب وكالة خاصة، ولكن المحافظة رفضت ذلك، وحينها نصح موظفو المحافظة المواطنين بالعودة إلى القضاء واستدراك أمورهم بالحصول على قرار حكم يثبت ملكيتهم، وقتها هرع الناس إلى القضاء وتعرضوا للنصب والاحتيال ودفع بعضهم عشرات الآلاف ولم يستفيدوا.
يقول راتب:هناك من لا يستحق واستفاد، أحدهم يسكن خارج الحي في الزاهرة و دبر رأسه وصار من المستحقين.

إياسوالقوي

رجل المحافظة الذي لا يشق له غبار ويخشاه سكان كفر سوسة هو السيد مدير التنظيم والتخطيط العمراني عبد الفتاح إياسو الذي ذهب إليه المواطنون بعد أن أرسل إليهم إنذاره الأخير.
بكل بساطة وثقة رد (إياسو) على أسئلتهم كما رووها لنا: ليست لدينا بيوت جاهزة، وحتى المستحقين سينتظرون، أما غير المستحق فلا حق له عندنا، وسننفذ الإخلاء في موعده.
وعند سؤاله من امرأة أين نذهب أجاب إياسو: استأجروا.. ليس ذنبي.. دبروا رأسكم.

الحلقة الأضعف

سيبقى الفقير الحلقة الأضعف في سياق الصراع الدائر حتى ولو ظن البعض أنهم يسدون خدمات للوطن، الوطن الذي يشكل أمثال هؤلاء المهددين بالسكن في الشوارع غالبيته العظمى والمدافعون عنه حقاً وقت الشدائد وليس الذين يحبونه من خلف مكاتبهم وبقراراتهم التي تحمل ألف تساؤل، يغمز بعض أهالي كفر سوسة من علاقة ليست عادية بين متنفذ مادي كبير والمحافظة، ويتساءلون لماذا هذه الحملة وهذا الإصرار على انتزاعنا ورمينا إلى الطرقات.. لسنا ضد تمرير الطريق 2، ولكن ليس على حساب السقف الذي يعيش أبناؤنا تحت ظله مستظلين من حر الصيف وبرد الشتاء.
من المؤكد أن الإخلاء سيتم... انتبهوا