تكسب على حساب تراجع الكتاب الجامعي
تراجع دور الكتاب الجامعي، على مستوى التزود بالمعرفة العلمية التي تؤهل الطالب للتقدم للامتحان بغرض الترفع بالمادة المعنية، على حساب الملخصات والأمالي التي انتشرت في الأسواق، وأصبح لها مكاتبها الخاصة.
الكتاب الجامعي والمراجع المعتمدة والمحاضرات، هي كل متكامل، وهي جزء من المناهج المقررة، وذلك بما ينسجم مع الخطة التعليمية المعتمدة بالجامعات والكليات، والتي من المفترض أن تكون متوافرة بتكاملها، باعتبارها تمثل جانب هام من مدخلات العملية التعليمية في المرحلة الجامعية.
المزود الأساسي بالمادة العلمية
يؤمن الكتاب الجامعي للطالب، المادة العلمية المطلوبة وفقاً للمنهاج المقرر، وهو المزود الأساسي بالمعرفة لهذه المادة (افتراضاً)، وتأتي المحاضرات في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، حيث يُشرح الهام من المادة العلمية الموجودة بالكتاب خلالها، ويُحل المستعصي منها عبر تبسيطه، مع الأمثلة والمحاكاة، لتأتي لاحقاً أهمية العودة إلى بعض المراجع العلمية من خارج المقررات المعتمدة، والمنسجمة مع المنهاج، إن لزم الأمر.
أهمية المحاضرات
تأتي أهمية المحاضرات، التي من المفترض حضورها من قبل الطلاب، من خلال ذلك الجانب من التفاعل المباشر بين الطالب والمدرس، بما يحقق الغاية من الشرح والتبسيط المطلوبين، بالإضافة إلى إمكانية استكشاف تلك النقاط المفتاحية والهامة، التي يجب التركيز عليها في المادة العلمية، عبر الكتاب الجامعي المعتمد.
المنشود من الامتحانات
الامتحانات الجامعية هي تلك الفرصة أمام الطالب للترفع والنجاح، والتي تُظهر بنتيجتها، مستوى التحصيل العلمي المطلوب إنجازه من قبله، حيث من المفترض أن تكون النتيجة الامتحانية معبرة عن مستوى كشف الأداء الفردي للطالب، المتمثلة بالعلامات المحققة عبر هذه الامتحانات، لكل مادة من المواد المقررة، بكل فرع من الفروع الجامعية وكلياتها المختلفة، والمعتمدة أصلاً وبالأساس على المادة العلمية المأخوذة من الكتاب المقرر لكل مادة.
كما من المفترض أن تكون النتيجة الامتحانية معبرة عمّا تم اكتسابه من قبل الطالب على مستوى تكامل العملية المعرفية المطلوبة وفقاً لتخصصه، الجزئي والعام.
واقع الطلاب
عزف الكثير من الطلاب عن حضور المحاضرات، وخاصة بالكليات النظرية، الآداب والحقوق، وحتى فروع الاقتصاد وكلياتها، وبعض المحاضرات في الكليات العلمية أيضاً لبعض المواد، وذلك لأسباب عديدة، أهمها متصل بشكل مباشر بالواقع الاقتصادي المعاشي المتردي، الذي دفع الكثير من الطلبة للعمل من أجل سد جزء من تكاليف المعيشة المرتفعة على المستوى الأسري، ناهيك عن المشاكل والصعوبات المرتبطة بالأزمة والحرب حالياً، والتي يواجهها هؤلاء على مستوى النقل والمواصلات والحواجز وغيرها، حيث دفعهم ذلك كله للاعتماد أكثر على البدائل المتوفرة في المكتبات والأكشاك، من محاضرات مطبوعة، وملخصات، وأمالي جامعية، وأسئلة دورات سابقة، وغيرها الكثير من المتوفر بمحيط الجامعات والكليات، بما تحققه تلك البدائل من سهولة في الحصول على الكم الأقل من المعلومات المطلوبة، ولكنها تكفي بالحد الأدنى من متطلبات التقدم للامتحان وخوض غماره، بغض النظر عن النتائج المتوخاة.
وقد أصبح اقتناء الكتاب الجامعي بالنسبة للكثير من الطلاب أمراً ثانوياً يمكن تجاوزه بسهولة، خاصة مع عدم توفره أحياناً، ناهيك عن ارتفاع أسعاره، كما ارتفاع أسعار الكتب المرجعية المكملة أيضاً.
المدرسون
يعاني المدرسون المعتمدون للمقررات الجامعية، من دكاترة ومعيدين، من قصور في الكثير من الكتب الجامعية المقررة عن مواكبة التطورات الجارية على المستوى العلمي، العام والخاص، خاصة وأن بعضها أصبح عمره أكثر من 10 سنوات، حيث اضطر هؤلاء للاعتماد أكثر على الحذف والإضافة على هذه الكتب، أو اعتماد ملخصات من قبلهم في بعض الأحيان، من أجل سد جزء من هذا القصور، بالإضافة إلى الاعتماد أكثر على ما يتم عرضه من قبلهم في المحاضرات، الأمر الذي فرض نوعاً من التغاضي عن المحاضرات المتوفرة في الأسواق، آخذين بعين الاعتبار ظروف الطلاب الاقتصادية والمعاشية والأمنية، خاصة مع عدم إيلاء موضوع تأمين الكتاب الجامعي الأهمية اللازمة على مستوى السياسات المعتمدة من قبل الجامعات، باعتبار أن موضوع الكتاب الجامعي ليس من مسؤولية الهيئة التدريسية فقط، بل من مسؤولية إدارة الجامعات ومجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي، مما جعل من الكتاب الجامعي أيضاً بالمرتبة الثانية بالنسبة لهؤلاء كمصدر أساسي للمعرفة العلمية المطلوبة، كما اختصر الكثير منهم عدد المراجع العلمية، وذلك بسبب الواقع الاقتصادي والمعاشي للطلبة أيضاً، ناهيك عما يعانيه الكادر التدريسي من تداعيات الواقع الاقتصادي المعاشي الذي طالهم أيضاً، كما طالتهم تداعيات الحرب والأزمة كذلك الأمر، مما اضطر بعضهم للجوء إلى فرض بعض الملخصات المعدة من قبلهم على الطلاب، واعتبار الترويج لهذه الملخصات عبر فرضها مصدراً إضافياً للدخل، بحجة قصور الكتب، أو سواها من الذرائع الأخرى.
فرصة للتكسب
ذلك كله جعل من البدائل المتمثلة بالمحاضرات المطبوعة، والملخصات، والأمالي وغيرها، أكثر أهمية بالنسبة للطالب من الكتاب الجامعي المعتمد لكل مادة، الأمر الذي أتاح الفرصة واسعة أمام المكتبات والأكشاك، والمكاتب المعتمدة وبعض الطلاب، من تحقيق منفعة مادية ذاتية على حساب الطلاب، وعبء مصاريفهم المتزايد على حساب مستوى معيشتهم ومعيشة ذويهم، كما على حساب جزء من مدخلات العملية التعليمية، وعلى حساب الكم المعرفي والعلمي المطلوب توفرهما لدى الخريجين بالمحصلة أيضاً، مع الانعكاسات السلبية لذلك على المستوى الاقتصادي والاجتماعي العام بنهاية الأمر، وقد أصبح الأمر فرصة كبيرة للتكسب وتراكم الأرباح بالنسبة لهؤلاء، حيث بات هناك نوع من التخصص، مع آليات تعتمد بعض أشكال الأتمتة الحديثة، عبر البطاقات المسلمة للطلاب عند تسجيلهم لدى أحد هذه المكاتب، بحيث يتم التعرف على عدد المحاضرات المسلمة والباقية قيد التسليم، وكل خدمة ولها حسابها، التي ترتفع مع كل فصل من فصول العام الدراسي، وهكذا..
رقابة معدومة
ومع ازدياد الحاجة لهذه البدائل أصبح لها سوقها الخاص بآلياته ووسائله، بما في ذلك آليات العرض والطلب والمنافسة، وذلك كله استغلالاً لحاجة الطلاب وعلى حساب الكم المعرفي المفترض، دون أي شكل من أشكال الرقابة، لا على المستوى العلمي الموجود بهذه البدائل، ولا على مستوى الاستغلال المتزايد للطلاب من قبل هؤلاء، بالأسعار المفروضة على هذه الخدمات، بتنوع أشكالها ومحتواها.
ضرورات
ذلك كله يدفعنا للمطالبة بإعادة النظر بمدخلات العملية التعليمية كلها، بدءاً من إعادة الاعتبار للكتاب الجامعي والمناهج المعتمدة، وليس انتهاءً بالتكاليف المترتبة على الطالب، وما يجنيه الكادر التدريسي من أجور وتعويضات، ناهيك عن آليات القبول والامتحانات، وغيرها الكثير من القضايا الهامة على مستوى هذا الحقل التعليمي الهام والسياسات المتبعة تجاهه، ولعل أهم ما في الأمر؛ هو توفير التمويل اللازم من أجل سد الذرائع أمام المنافسة التي شُرعت أبوابها مع التعليم الجامعي الخاص، ومَن خلفه من مستفيدين وباحثين عن الثراء، وفاسدين هنا وهناك، على حساب التعليم العام، مع ما يرافق ذلك من تدني الفرص أمام أبناء فقراء الحال وأصحاب الدخل المحدود من التحصيل العلمي الجامعي، وغض النظر عن القيمة العلمية والمعرفية، والمخرجات المطلوبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، الذي يمس المستقبل بشكل عام.
ومن المؤشرات الهامة على ما سبق كله؛ هو تراجع تقييم الجامعات السورية على المستوى الدولي من ناحية الترتيب العلمي والاعتراف المتبادل، بالمقارنة مع غيرها من الجامعات في الدول الأخرى، إقليمياً ودولياً.